٭ سياسات التحرير وارتفاع اسعار الصحف والمجلات والكتب بالاضافة للفضائيات والانترنت وانقلاب الموازين الاجتماعية كلها عوامل شكلت خطورة حقيقية على عالم الكلمة المكتوبة وعلى ملكة الاطلاع وحب المعرفة.. وجعلت اجيالاً تعتمد على مناهج المدارس التي تقبل عليها كرها وتقبل على ما تبثه الفضائيات والفيديو بكل شغف. ٭ ومن هنا وجد الغبار والنمل الابيض «الارضة» طريقه الى دواوين شعراء الجاهلية وصدر الاسلام ودولة الامويين والعباسيين.. بل ووجد طريقه ايضا لروايات شكسبير وتلستوي ودستوفسكي والسباعي ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم.. وزحفت على دواوين صلاح عبد الصبور وأمل دنقل وكمال عبد الحليم وأحمد عبد المعطي حجازي والابنودي والسياب والجواهري ومحمود درويش ومحمد المهدي المجذوب ومحمد عبد الحي ومحمد المكي ابراهيم واسماعيل حسن ومصطفى سند وسيد أحمد الحاردلو وهاشم صديق ومحجوب شريف.. وكتب الفكر والفلسفة والتاريخ وعلم النفس وعلم الاجتماع. ٭ وجد الغبار والنسيان والنمل الابيض طريقه الى المكتبات بسبب ارتفاع الاسعار الى جانب الفضائيات وموات المنتديات والحريات المخنوقة او المشلولة. ٭ ومن هنا نستطيع ان نقول ان الفضائيات العجيبة وارتفاع سعر الكتب والمجلات والصحف ومعايير الرأسمالية الطفيلية كلها اشياء شكلت خطورة كبيرة على الثقافة والمعرفة، فكادت ان تنهار قوة العلم والمعرفة وتحل محلها الفهلوة والشطارة كما يسمونها. ٭ والمشكلة ايضا سببها مناهج الدراسة فقد اصبح منهج المدارس سطحياً لا يهتم باشياء كثيرة على رأسها النشاطات الثقافية، ولا توجد مكتبات بالمدارس ومطلوب من التلميذ او الطالب ان يحفظ صم الدروس ليضعها في ورقة الامتحان وينتقل من فصل الى فصل وينطبق هذا على كل مراحل التعليم بما فيها الجامعة. ٭ كما اصبح حال المعلم يرثى له.. وضعه الاجتماعي تراجع الى آخر السلم وحتى المرتبات الضئيلة التي تعطيها له الدولة لا يستلمها في مواعيدها المعلومة يعني «آخر الشهر». ٭ قالت لي احدى الطالبات ، كانت تبحث عن كتب تعينها على كتابة بحثها الذي تعده للتخرج.. لي أخ يعمل مدرسا بمرحلة الاساس صرف مرتبه في منتصف الشهر التالي... ولما كان عازباً ويسكن معنا في البيت كان يقول مصيبتي اخف من مآسي باقي الزملاء الذين تنتظرهم اسرهم على الطوى والغم ويطاردهم اصحاب الديون.. واردفت قائلة ومع ذلك كله يصفنا البعض باننا جيل لا يحب القراءة ولا يقدم عليها ناسين حتى ان كانت لدينا الرغبة، هناك اولويات فليس من المعقول ان نطالب شخصا بشراء كتاب او مجلة او صحيفة بدلا من الخبز او اساسيات الحياة، فيكفي ان الخريج يصدم فور تخرجه في الجامعة لانه اصبح عاطلا ولا قيمة له في المجتمع وتتحطم كل احلامه وطموحاته على صخرة العطالة واللهث وراء العمل النادر او المنعدم فيصاب باضطراب نفسي يفقده الرغبة في المعرفة او القراءة، حتى لو كانت امامه مكتبات الدنيا.. في الوقت الذي يجد فيه ارباع وانصاف المتعلمين يكسبون الملايين بل المليارات عن طريق النشاط السهل المشبوه فتنقلب في رأسه الاوضاع. ٭ في الآخر وبعد ان بلغ سعر الصحيفة جنيها يعني ألف جنيه بالقديم.. هذه مقاطع من حوار ومناقشات تنتظم كل مجالس الحديث.. وما زالت سياسة التحرير تفرز سلبياتها قبل ايجابياتها.. والخصخصة تزحف على الاخضر واليابس.. وما زال السؤال الخطير يفرض نفسه هل اهتزت سلطة المعرفة والثقافة؟ وماذا سيحدث اذا استمر هذا الحال؟!! هذا مع تحياتي وشكري