التونسيون الذين أطاحوا نظام زين العابدين بن علي لم يتسلحوا، لا بصور أسامة بن لادن ولا ببيانات »القاعدة«. والتظاهرات المليونية التي شهدها ميدان التحرير لم ترفع صورته ولم تغرف من قاموسه. لم نلمس حضوراً له في ساحة الاحتجاج في صنعاء. لم يعثر له على صورة في تظاهرات درعا او حمص. لم يحاول ثوار بنغازي الاتكاء على تسجيلاته الصوتية على رغم مرور بعضهم بمعاهده المقلقة. لم يقل المحتجون في ساحات الربيع العربي ان همّهم الأول هو محاربة أميركا التي كان بن لادن يسمّيها »رأس الأفعى«. يقرأ أهل الشرق الأوسط الذكرى العاشرة لهجمات 11 (سبتمبر) 2001 انطلاقاً من مجريات الربيع العربي ودلالاته. لغة »القاعدة« التي بدت جذابة لبعض الشباب ولبعض الوقت افتقرت إلى الجاذبية حين نزل الناس الى الشوارع في عدد من الدول ليعبروا عن غضبهم وأحلامهم وطموحاتهم. يمكن القول ان من تدفقوا إلى الساحات طالبوا بعكس ما تدعو إليه »القاعدة«. طالبوا بالديموقراطية والتداول السلمي للسلطة واستقلال القضاء والشفافية. ولا علاقة لهذه المطالب بمشروع أسامة بن لادن. لم يعش أسامة بن لادن ليستمتع برؤية القوات الأميركية تغادر أفغانستان مثخنة تاركة على أرضها الكثير من الدم وحطام هيبتها. أغلب الظن ان الرجل الذي ابتهج برؤية »الجيش الأحمر« ينسحب والاتحاد السوفيتي ينفجر، حلم بتكرار المشهد. هذا لا يلغي ابداً خطورة ما جرى في 11 سبتمبر 2001. ولا يقلل ايضاً من أثمان عقد كامل ولد من رحم »غزوتي واشنطن ونيويورك«. لم يكن بسيطاً ان تنقل »القاعدة« الحرب إلى الأرض الأميركية نفسها. وأن تستهدف رموز نجاح الإمبراطورية وقوّتها. وأن تشعر أميركا أنها ليست آمنة على أرضها. وأن عليها من الآن فصاعداً ان تعيش مع الخوف رغم كونها القوة العظمى الوحيدة. ورغم امتلاكها الآلة العسكرية التي لم يعرف العالم مثيلاً لها، أنهت تلك الضربة المدوية العرس الذي انطلق عملياً منذ انتحار الاتحاد السوفيتي وسقوط العالم بأسره في قبضة النموذج الذي حقق انتصاراً فاحشاً من دون إطلاق رصاصة واحدة. بعد عشر سنوات يمكن القول ان هجمات 11 سبتمبر لم تستطع إشعال حريق دائم على خط التماس بين العالم الإسلامي والغرب. نجحت في إثارة توترات لكنها لم تحقق أغراضها البعيدة في دولتين أساسيتين هما باكستان والسعودية. ولنا ان نتصور العواقب الكارثية التي كان يمكن ان تترتب على وقوع واحدة من الدولتين في أيدي السياسات الانتحارية. نجحت الهجمات ايضاً في استدراج القوات الأميركية الى الفخ الأفغاني. اي إلى البلاد التي يقول التاريخ أن طبيعتها وتركيبتها تمنعان اي قوة وافدة إليها من العودة منتصرة. كما نجحت الهجمات في استدراج أميركا إلى نزيف اقتصادي ومالي منهك، خصوصاً حين قررت إدارة جورج بوش اقتلاع نظام صدام حسين الذي لم تكن له أي علاقة ب 11 سبتمبر وبذرائع تكشف بطلانها. لا يمكن القول أن »القاعدة« تبخرت. تلامذتها يحاولون التحصن في عدد من النقاط في العالم العربي. ولا يمكن القول ان التهديد الإرهابي يتلاشى. لكن الأكيد أن انفجارات الربيع العربي حرمت »القاعدة« وأخواتها من ادعاء حق التحدث باسم الشعوب او تمثيل طموحاتها. وهذه النتيجة بالغة الأهمية في منطقة كالشرق الأوسط تجتاز مخاضاً سيحدد مستقبل أنظمة وشعوب وعلاقة المنطقة بالعصر والعالم. وجهت أميركا ضربات موجعة إلى »القاعدة«، لكن الضربة الأقوى جاءتها من الربيع العربي الذي يعطي قوى إسلامية واسعة التمثيل احياناً فرصة الانخراط في الحياة السياسية. عن «الحياة» اللندنية