بعد مضي عام ونصف على تولي كرم الله عباس الشيخ منصب الرجل الأول بولاية لم تشهد استقرارا في الحكم منذ تنزيل نظام الولايات على ارض الواقع منتصف العقد الماضي، لم تبارح القضارف التي تعتبر سلة غذاء السودان المحطة التي وقفت عندها منذ سنوات، فالوالي الذي جاء محمولا على اكتاف الذين ينشدون التغيير للجلوس في المقعد الذي سعى اليه كثيرا تباينت الآراء حول اداء حكومته خلال الاشهر المنصرمة من عمر سنوات حكمه. كرم الله الذي عرف بجنوحه للصراعات عندما كان رئيسا للمجلس التشريعي مع السلطة التنفيذية للولاية بدأ حكمه للولاية بالروح الحماسية ذاتها ودخل في خلافات مع اعضاء حزبه من الحرس القديم المتمثل في الحكومة السابقة، وحاول وهو في غمرة الفرحة باكتساح الانتخابات ان يناطح الحكومة المركزية، غير انه وبمرور الايام انتبه الى ان المواطن الذي منحه صوته في انتظار تنزيل شعار برنامج التغيير على ارض الواقع، لتدق ساعة الحقيقة امامه، ويرى بعضهم انه لم يحقق النجاح الذي حلم به ناخبوه ويرجعون ذلك الى ان الطاقم الوزاري الذي اختاره لمعاونته فشل عدد من اعضائه في اداء المهام، ويشيرون الى ان فشل عدد كبير من الوزراء والمعتمدين يأتي من واقع ان كرم الله عمد الى اختيارهم من باب رد الجميل لوقوفهم معه ابان حملته الانتخابية وليس لكفاءة بعضهم، فيما يرى آخرون ان خطاب الوالي الحاد تجاه المركز في بداية عهده دفعت الولاية ثمنه غاليا بضعف التدفقات النقدية، ويعتبر هؤلاء ان الرجل لم تظهر له بصمات في اي مجال، وعلى الضفة الاخرى من النهر يقف مناصرو كرم الله الذين يؤكدون انه اصاب نجاحا جيدا بحسبان الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد عطفا على قصر فترته في الحكم ، وما بين هذا الرأي وذاك حول اداء حكومة الوالي الذي يعتز بانه مزارع يوجه بعضهم تهماً اخرى تتمثل في ان الحزب الحاكم في عهده شهد ضعفا بائنا بعد اجبار القيادات التي توصف بالقوية على الابتعاد. ولأن واقع الولاية لم يشهد تغييرا يذكر على الاصعدة كافة وجهت قوى سياسية ومواطنون النيران صوب كرم الله عباس الشيخ منتقدين عجز حكومته عن إحداث نقلة الى الامام في حياة المواطن، وفي هذا الصدد يرى الناشط رمزي يحيى المحامي أن أداء حكومة الولاية خلال العام ونصف من عمرها كان ضعيفاً في برنامج التنمية خاصة البنيات التحتية والنشاط الزراعي، وقال إن القضارف ولاية استراتيجية وكان المركز يعول كثيرا في تفعيل الجانب الزراعي لسد عجز الموازنة الناتج من خروج ايرادات البترول غير ان الزراعة لم تشهد تطورا في عهد كرم الله رغم محاولات وزيرها، واشار الى ان الولاية مازالت تعاني من عدم وجود الطرق المسفلتة التي لم تشهد تحسنا او اضافة في عهد كرم الله، عطفا على تفشي الأمراض المزمنة وسوء التغذية وانتشار الفقر والملاريا بصورة تنبئ بكارثة حقيقية، وقال إن فشل الحكومة في معالجة أسعار السلع الضرورية واللحوم والسكر اللذين يشهدان فوضى عارمة يوحي بالفساد الإداري والعجز الحكومي، وفي الاتجاه ذاته ذهب القيادي بتجمع الأحزاب المعارضة بالولاية جعفر البدوي إلى أن القضايا في الولاية أصبحت تأخذ المعالجات الشكلية والسياسية في ظل عدم الاحساس بوجود حكومة بالولاية لغيابها التام عن قضايا المواطن وإهمالها للقوى السياسية في الحوار الوطني الجاد خاصة بعد اهمال الوالي المذكرة التي رفعت اليه والمتعلقة بتسييس التعليم وتدهوره وتردي الخدمة المدنية ويضيف: إلا أن هذه المذكرة ظلت حبيسة أدراج الوالي لأكثر من عام رغم تأكيداته بإجراء الإصلاح السياسي والإداري للتعليم والخدمة المدنية، وهنا لابد من الاشارة الى ان التعدي على أراضي المدارس من جانب حكومة الولاية ارتفع، عطفا على فرض الجبايات والرسوم التي أرهقت كاهل الأسر، والقت بظلالها السالبة حيث اسهمت في زيادة نسبة التسريب ليصبح الحديث السياسي عن التعليم المجاني شعار براق فقط دون ان يكون له موضع من اعراب الواقع . و انتقدالأمين العام للمؤتمر الشعبي بالولاية عبد القادر محمود أداء الجهاز التنفيذي ووصفه بالعجز السياسي والتنموي جراء ضعف الطاقم التنفيذي الذي يعاني من عدم وجود خارطة عمل واضحة ورؤية سياسية ثاقبة ، وقال إن أداء الحكومه تأثر بالشائعات التي تشير لعدم رضا المركز من أدائها لعدم اتباع الوالي لسياسة المركز وموجهاته ما أدى إلى الاحجام عن التدفقات النقدية، واعتبر محمود أن الأزمة الكلية لحكومة الولاية تعود الى قبضة المركز وهيمنته على القرارات السياسية والثروة، وطالب محمود بإجراء تعديل وزاري عاجل وسريع في حكومة كرم الله وذلك عبر ادخال شخصيات قادرة على العطاء تحمل الفكر السياسي والخدمي السليم، وقال إن أداء حكومة كرم الله تأثر بالصراع الدائر بين الوزراء والمديرين العامين والمعتمدين والمديرين التنفيذيين، وأبان أن الاختلال في الأداء التنفيذي يعود إلى سياسات المديرين العامين في الوزارات وعدم تعيين مديرين عامين في بعض الوزارات ، واشار الى ان هذا يؤكد إهمال كرم الله للوزارات والأداء التنفيذي، كاشفا عن إن المنهج الكلي للحزب الحاكم بالولاية يشوبه العجز الإداري والسياسي لعدم القدرة على وضع السياسات والحلول الجادة والسريعة لأزمات الولاية. فيما لم يذهب أمين الحزب الوطني الاتحادي إسماعيل دلوك بعيداً عن رؤية القوى السياسية، وابدى دهشته من التزام حكومة كرم الله الصمت وغضها الطرف عن غلاء الأسعار وتفشي الفقر، مشيرا الى عجزها عن تقديم المشاريع الاقتصادية والاجتماعية الحقيقية التي تفيد المواطن، متهما البرلمان الولائي وأعضاءه بالضعف، مستدلين بتحاشيهم تناول قضايا الولاية الحقيقية، وقال انه توقع أن يقدم البرلمان مسألة مستعجلة بخصوص الغلاء الفاحش الذي ضرب الولاية وكيفية الخروج منه غير ان البرلمان خيب ظنه، وقال ان الأداء السياسي للحزب الحاكم في خدمة قضايا المواطنين ضعيف وادواره غائبة وذلك لضعف لجانه وعدم تفعيل قطاعاته وأماناته خاصة الاقتصادية التي لم تبحث عن حلول للأوضاع المعيشية المتردية. من جهته أشار القيادي بالحزب الشيوعي الطاهر السائر الى ان المؤتمر الوطني بالولاية ظل يقيد القوى السياسية وينتهك الحريات ويحجم دور الأحزاب لمنع الندوات والنشاط السياسي، وقال ان حكومة الولاية ظلت تعمل بسياسة رزق اليوم بعيدا عن إعمال مبدأ المؤسسية والخطط العلمية والمنهج الواضح. من جهته قلل القيادي البارز بالمؤتمر الوطني وأمين أمانة الرياضة خالد عبد الله حمد من إدعاءات القوى السياسية، مؤكدا ان القضارف شهدت خلال الفترة الماضية جهودا واضحة من قبل حكومة الولاية، وقال إن أبواب الحزب ظلت مفتوحة للحوار الوطني الجاد الذي يخدم القضايا الوطنية واستقرار الولاية وأكد بأن حزبه يمضي في إنفاذ برامج الحملة الانتخابية لمرشحيه في الدوائر التشريعية ورئيس الحزب، وقال ان ما شهدته الولاية من نجاحات سياسية وتنفيذية يؤكد ذلك، وقال إن البرنامج الذي أدرجه الحزب والوالي يمضي تنفيذه خلال فترة حكم الوالي التي تبقت لها سنوات، بيد أنه أشار إلى أن الولاية تعاني من التدفقات النقدية رغم جدية الوالي وحكومته في استنباط الموارد الذاتية ومصادر التمويل الخارجي، ودعا حمد إلى ضرورة الحراك السياسي وتفعيل دور الأحزاب في الطرح الوطني وأخذ الرؤى السياسية عبر الحوار السلمي والقضايا الوطنية التي تخدم مسيرة الاستقرار السياسي والحكم الراشد.