فى الخرطوم كان ملس زيناوى يلتقى البشير ويؤمن على استقرار السودان وفق الجيش الواحد ونتائج الانتخابات لاقرب النقاط اقترابا على الارض من حدوده الغربية على النيل الازرق وكأنه يعمل خارطة طريق لعلاقة الشمال بالجنوب بعد الاحداث الدامية فى جنوب كردفان والنيل الازرق والتى لا يختلف إثنان فى علاقة جوبا باشعال فتيلها . وفى اسمرا كان افورقى يؤكد على استقرار السودان وهو يتلقى رسالة الرئيس البشير حملها اليه مدير جهاز الامن والمخابرات الفريق محمد عطا، ولعل التطمينات الاثيوبية الارترية للسودان كانت تجدد حالة التوازن بعلاقتها مع السودان وفقا لتوازنات المنطقة مابعد الربيع العربى فى مصر وليبيا واليمن، والتحرك المستمر فى جبهة الصومال وماقد يلى ذلك فى كيمياء الحكم على ارتريا واثيوبيا بشكل مباشر فى ظل علاقة لاتتم بالرضا والتوافق منذ اعلان انفصال ارتريا فى سطح تسعينيات القرن الماضى والى اليوم ،غير ان التغيرات الحديثة فى الجغرافيا السياسية للمنطقة بعد انفصال الجنوب يعد هو الآخر عنصرا هاما فى حركة بوصلتها السياسية وعلاقتها وربما ذلك مايدفع حكومة الخرطوم فى اتباع دبلوماسية ناعمة تعمل على دفع الجارتين المتشاكستين فى العمل على حماية الاستقرار فى السودان على الرغم من التوتر المستمر بين الثوار فى الجبهة الشعبية لتحرير التقراى الحاكمة فى اثيوبيا والجبهة الشعبية لتحرير ارتريا والذى وصل الى حد الحرب بين الدولتين فيما عرف بحرب (النقفه) وترجع جذور الخلاف بين الجهتين الى العام 85 والذى وصل الى حد القطيعة التى استمرت لثلاث سنوات من العام 85 الى 88 19م، وكانت الاغاثة المقدمة من السودان الى الثوار هى الخلاف بين المقاتلين غير ان ذلك الخلاف تجدد مرة اخرى عندما اختلف الفريقان على كيفية حدوث الانفصال والذى رأت فيه جبهة تحرير التقراى ان يتم وفقا للقوميات فيما ارادته جبهة تحرير ارتريا وفقا للغة ولعل ذلك ماجعل من جعل ترميم الحدود بين الدولتين يفتقد الى قاعدة مشتركة تجعل من تجدد الصراع امرا ممكنا بين الحين والآخر. غير ان عاملاً آخر جعل من علاقات ارتريا واثيوبيا تمضي بالشكل الحالى وهو التفوق الاثيوبى فى تحقيق المكاسب الدبلوماسية باثيوبيا بموقعها المتميز فى الدبلوماسية الافريقية واعتبارها مركزا هاما من مراكز التأثير الدولية افقدت ارتريا الكثير على المستوى الدولى وجعلها من الدول المغضوب عنها. وصاحب ذلك مواقف متشددة من النظام الارترى تجاه المصالح فى المنطقة، ولعل ذلك جعل من السودان دولة هامة لفك الحصار المضروب عليها من اثيوبيا والمجتمع الدولى، فقد كان النظام الارترى صاحب بعد مؤثر فى كثير من الاحداث التى تمت بعد العام 1999م فى مجال السلام بين الحكومة فى الخرطوم والقوى السياسية الاخرى المعارضة والتى كانت تتخذ من ارتريا مقرا لها وبشكل سرى وغير معلن، غير الاتهام المتبادل بين ارتريا واثيوبيا فى ان السودان ملعب لمعارضة الدولتين يجعل من حالة الحساسية العالية تظل طابعا يميز العلاقة بين الدول الثلاث. ويذهب السفير نور الدين ساتى والذى تحدث فى ندوة اقامها مركز دراسات الشرق الاوسط وافريقيا فى 27ابريل الماضى عن العلاقات الارترية الاثيوبية وانعكاساتها على السودان، حيث قال يلاحظ ان المنطقة تعيش فى حالة الانكباب على عناصر النزاع اكثر من اتجاهها نحو الحلول وركزت على الايزاء بدلا من الدعم المتبادل الذى كان يمكن ان يكون الى التنمية وان العلاقة بين الدول الثلاث (السودان وارتريا واثيوبيا ) ديناميكية وتتغير وفقا للظروف وتسيطر عليها حالة من الغيرة السياسية، ولعل ماذهب اليه السفير ساتى يلخص حالة الانفصال المستمر بين الخرطوم واسمرا واديس فى الوقت الراهن، ولكن شيئا آخر يمكن النظر اليه فى الظروف الراهنة ،فالعلاقة السياسية التى تميز العلاقة بين الخرطوم واديس ابابا تقابلها علاقة ذات طابع امنى يحرك العلاقة فى الجانب الآخر بين الخرطوم واسمرا ليصبح السودان وفقا لذلك يمضى فى طريق شديد الحساسية فى معادلة (صفرية ) ظاهرها سياسى وتحكمها العلاقات الامنية فى جميع التفاصيل. ويذهب الخبير الامنى العميد معاش حسن بيومى فى تحليل التحركات السودانية بين الدولتين وفقا لمعطيات بالقول لايمكن النظر الى علاقة السودان الى هاتين الدولتين بشكل منفصل لابد من النظر اليهما وفقا لنظرة كلية تحكم علاقتهما مع المجتمع الدولى وتحديدا الولاياتالمتحدة واسرائيل، ودور هذه الدول فى النزاع المستمر بين ارتريا واثيوبيا اضافة الى مواقفها فى كل مره من السودان ومايحدث فيه الى جانب عامل آخر يضاف وهو طبيعة العلاقة بين الشمال والجنوب وموقف الدولتين من هذه العلاقة، فليس هناك موقف ثابت فى هذه العلاقات ولذلك فإن السودان يلعب بدبلوماسية فى ترطيب الاجواء مع الدولتين المتنافستين اصلا والمؤثرتين فى الاستقرار فى المنطقة. والشاهد ان العلاقة بين اسمرا واديس ابابا لابد لها من ان تمر عبر الخرطوم وان الاستقرار فى حدود السودان مع الدولتين هو حالة رضا لعلاقة البلدين تقاس بمعيار الذهب.