تقرير: محمود الدنعو الشاخص للوضع السياسي الراهن في إثيوبيا يلحظ هشاشة الأبنية السياسية وتآكل جماهيرية نظام (التقراي) الحاكم، وأعراض ذلك تتمثل في التململ الداخلي والانقسام الاثني الواضح وفى الاحتكاكات الحدودية بين اثيوبيا وجيرانها، التى تكررت على نحو يخرجها من دائرة ردات فعل لاستفزازات إلى كونها عملاً ممنهجاً، تقوم به المؤسسة العسكرية الإثيوبية رغم تأكيدات المؤسسة السياسية والدبلوماسية على إلتزام حسن الجوار وحسم الخلافات بالحوار، وهذا يكشف وجهاً آخر من الأزمة الإثيوبية. ومنذ عهد الامبراطور هيلا سلاسي (1942- 1974م) والكولونيل منقستو هيلا مريام (1974- 1991م) ثم رئيس الوزراء الحالى مليس زيناوى، تفشي داء الاثنيات الذى ما انفك ينخر فى الأبنية السياسية والقومية لدولة اثيوبيا، التى تتنازعها قوميات متعددة هى التقراى، الأمهرا، عفر وبني شنقول وللاخيرة حركة مسلحة تحارب السلطة المركزية فى اديس ابابا لان حكومة مليس زيناوى لدى قطاعات كبيرة من الشعب الاثيوبي ومنها بني شنقول هى حكومة (التقراي)، ورغم أن التحالف الحاكم يضم بجانب ممثلي تنظيم الثورة الشعبية لتحرير التقراي، فصائل اخرى تحت اسم تحالف (الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الاثيوبية)، ولكن المتنفذين فى مفاصل الدولة الاثيوبية هم من التقراي. فمنهم رئيس الحكومة زيناوى الذى يسيطر على السلطة التنفيذية، واباي ظاهايي يتحكم في الشؤون الفيدرالية للبلاد، وملوغيتا الم سقد يشرف على مؤسسة الامن والشرطة، وسامورا يونس يقود القوات المسلحة، وسبحت نقا يتحكم في المؤسسة الاقتصادية، وسيوم مسفن يدير الدبلوماسية. والاقاليم الفيدرالية الاثيوبية مفصلة على اساس اثني، فإٍقليم التقراي وبسبب النزعة التوسعية (لزمرة التقراي) الحاكمة دخل فى صراعات مع الأقاليم الاخرى واثارث خريطة جديدة للاقليم نشرت فى العام 1997م جدلاً واسعاً بسبب ضمها مناطق من اجزاء واسعة من جنوب ولو(الامهرا) ومن شمال غرب بقمدر (ولقايت) واعتبرها معارضون للتقراي محاولة لتوسيع جغرافية اقليم التقراي توطئة لانفصال الاقليم مستقبلاً. ولا يشكل سكان اقليم التقراي سوى (6%) من مجمل سكان اثيوبيا البالغة (77) مليون نسمة حسب آخر تعداد سكاني جرى فى العام 2006م ولكنها جماعة ذات طموحات تتجاوز اثيوبيا الى القرن الافريقي بدليل غزوها الصومال تحت غطاء وتواطؤ امريكى، ويرتبط النظام الحالي بعلاقات استراتيجية مع الادارة الامريكية، لتنفيذ سياساتها وحماية مصالحها فى المنطقة، والتحالف الاثيوبي الامريكى فى الحرب ضد ما يسمى بالارهاب ليس بجديد بدليل وثيقة امريكية نشرتها في سبتمبر 2002م، تحت عنوان " استراتيجية الامن القومي للولايات المتحدةالامريكية " ورد فيها ان الحكومة الاثيوبية حليف استراتيجي لها في القرن الافريقي. ربما لأن الادارة الأمريكية لمست فى نظام التقراي الرغبة التوسعية والطموح الاقليمى، ففى معرض تبرير غزو بلاده للصومال قال وزير الاعلام الاثيوبي فى حديث لاذاعة (البي. بي. سي): اثيوبيا وجدت نفسها في موقع الدفاع عن استقرار القرن الافريقي، وهكذا تلبست اثيوبيا حالة امريكا ونصبت نفسها حارساً على استقرار القرن الافريقى ويعد مشروع التدخل العسكري فى الصومال فوق الخسائر المادية، فان كلفته السياسية باهظة لاديس ابابا.. وهو تدخل بالوكالة عن امريكا ولا تزال الذاكرة حية بالمشاهد المأساوية للمغامرة غير المحسوبة فى الحرب الاريترية الاثيوبية التى وقعت بين عامى 1998 و2000م وادت الى مقتل اكثر من (70) الف شخص خلال الحرب بسبب النزاع على الحدود، وقد فشل البلدان في الاتفاق على ترسيم الحدود المشتركة بينهما والبالغة اكثر من الف كلم رغم انتهاء المهلة التي حددتها لجنة خاصة تابعة للامم المتحدة كلفت بترسيم الحدود بين البلدين، وإمكانية العودة الى الحرب واردة، فقبل أشهر معدودة اعلنت اريتريا ان قوات اثيوبية هاجمت احد مواقعها العسكرية، وجاء في بيان اريتري نشر على الانترنت ان القوات الاثيوبية استهدفت موقعاً عسكرياً تابعاً في المنطقة المحايدة سابقا بين البلدين. واضاف البيان " ان هذا الهجوم يأتي في اطار حملة اثيوبية مستمرة من الاستفزازات والاعتداءات في منطقة غوش بكارة جنوب البلاد، قامت خلالها اثيوبيا بعمليات توغل داخل الاراضي الاريترية وزرع ألغام الى جانب اختطاف مواطنين وحرق محاصيل. ويلاحظ مراقبون أن الصراع الداخلي فى اثيوبيا بين قوميات التقراى والامهرا، اضعف من فرص الانصهار القومى وطبع تفاعلات اثيوبيا مع جيرانها بحالة من الريبة والتوتر، بالاضافة الى النزعة التوسعية لقومية التقراي المتنفذة وطموحاتها الاقليمية التى تتقاطع مع استراتيجية امريكية للمنطقة وهى ما يسمى بالقرن الافريقي الكبير الذي يشمل دول البحيرات الكبرى والشرق الاوسط الكبير والجديد الذي يمتد من افغانستان شرقا الى المغرب غرباً، وتلعب فيه اثيوبيا دورا مهما (وفق الخطة الأمريكية)، اهمية اثيوبيا ليست طارئة، فحتى عندما استولى الماركسيون على السلطة بقيادة منقستو قال كبار المسؤولين الامريكيين إنها حالة طارئة، فالنفوذ الامريكي متجذر وأثيوبيا عائدة لا شك الى المظلة الغربية.