لكل زلزال موجات ارتدادية خطرة، ولا يمكن ان يتم التعامل مع الثوراث الشعبية العربية فى مصر والاردن وتونس وليبا بمعزل عن تفسير ظاهرة الزلازل الطبيعية وارتداداتها الخطرة. وفي الحالة الثورية العربية كانت «اسرائيل» اول من تلقى هذه الارتدادات فقد هاجمت الجماهير العربية فى القاهرة وعمان الجمعة الماضية سفاراتها وعاثت فيها خرابا كما داست بالاقدام على علمها ذا النجمة السداسية. بيد ان ردات الفعل الاسرائيلية كانت حاضرة ففى تل أبيب وصف نتنياهو اقتحام السفارة في القاهرة بالخطير، ووصف الثورات العربية بالزلزال الذي يضرب المنطقة. فيما قالت رئيسة حزب «كاديما» المعارض تسيبي ليفني في كلمة لها خلال مؤتمر في مستوطنة «ريفيفيم»: الحفاظ على مصالح إسرائيل يمر عبر ما يسمى ب»العملية السياسية»، وإن الحكومة الإسرائيلية تتحدث عن الكبرياء القومي في حين يضطر سفراء إسرائيل إلى الهرب ليلا وهم يعتمرون الكوفية. وقالت ليفني إن حكومة الاحتلال الأكثر يمينية في تاريخ «إسرائيل» تسببت في تدهور سياسي خطير لم يسبق له مثيل. وتقول د. اماني الطويل الباحثة فى مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية ان الشارع المصري ثار على الدولة الصهيونية على خلفية مقتل «6» من رجال الشرطة المصريين على الحدود المشتركة بين البلدين. علاوة على الاحساس الجاثم عند المصريين بان بلادهم ظلت رهينة للسياسة الأمريكية طوال عقدين ونيف، بحجة أن أمريكا تدعم القاهرة بملياري دولار سنويا لا يستفيد الشعب من ثمنها، في حين ان مصر تخسر «20» مليار دولار سنويا، حسب تصريحات المسؤولين المصريين، بسبب صفقة تصدير الغاز الفاسدة الى الدولة العبرية. واشارت الطويل ل» الصحافة» من القاهرة، الى ان السخط المصري ازداد على «اسرائيل» بعد ان فرضت على القاهرة اغلاق المعابر مع « غزة» واحكمت الحصار على القطاع الفسطيني بجدار عازل شيدته من «الاسمنت» المصري بمباركة من نظام الرئيس السابق حسني مبارك. ويدعم الصحافي بالاهرام اسماعيل العوامي تحليل الطويل لاسباب ثورة الشارع المصري على اسرائيل واقتحامه لسفارتها فى القاهرة، غير ان العوامي لا يتوقع في حديثه مع « الصحافة» ان تذهب الاحتجاجات المصرية على مقتل الجنود من قبل اسرائيل اكثر من ذلك، لافتا الى ان الحكومة المصرية تفهمت دواعي هذا الغضب ووضعته فى اطاره الصحيح. غير ان المحلل السياسي د. نوري الامين يرى ان المشاعر السلبية المصريه تجاه اسرائيل لا حد لها، مشيرا الى ان المصريين غير راضين عن اتفاقية السلام التي وقعها الرئيس الراحل السادات» رغم نظرتها المستقبلية لمستقبل مصر واستقرارها». ويقول نوري ل» الصحافة» ان الاتفاقية ادخلت في الشعب المصري احساس بالهزيمة رغم ان مصر انتصرت على اسرائيل في الحرب الاخيرة. الا ان نوري يرى ان الشارع المصري يمتاز بقدر من التعقل وواع ان بلاده ليست بالقوة والردع المطلوب للدخول في مواجهة مع اسرائيل. ويفسر د. محمد نوري الامين الغضبة الشعبية المصرية الاخيرة على تل ابيب ب» المهانة» التي الحقها قتل اسرائيل للجنود المصريين على الحدود المشتركة بدم بارد. غير ان مواجهة سفراء اسرائيل للغضب الشعبي ليس آخر متاعب الدولة الصهيونية، فقد دفعت اتجاهات الشارع المصري رئيس وزرائها عصام شرف، الى ان يقول إن معاهدة كامب ديفيد للسلام بين مصر و»إسرائيل» «ليست شيئا مقدسا» ويمكن إحداث تغييرات عليها، حسب ما نقلت عنه وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية. ونقلت الوكالة عن شرف قوله أثناء مقابلة مع تلفزيون تركي إن «معاهدة كامب ديفيد مطروحة دائما للنقاش أو التغيير إذا كان ذلك يفيد المنطقة والسلام العادل والاتفاقية ليست شيئا مقدسا وليست كتابا منزلا وممكن أن يحدث تغيير بها». لكن وزارة خارجية الاحتلال الإسرائيل، ابلغت في ذات جمعة مطاردة السفراء الاسرائيليون السفير المصري في «تل أبيب» أن «إسرائيل» لن توافق على تغيير بنود في اتفاق كامب ديفيد، رداً على تصريحات رئيس الوزراء المصري عصام شرف اواخر الاسبوع الماضي. واستدعت الخارجية الإسرائيلية السفير المصري ياسر رضا، بعد توتر العلاقات بين «إسرائيل» ومصر، وتزايد الأصوات المصرية المطالبة بتغيير أو إلغاء اتفاقيات كامب ديفيد والتي يعتبرها الشعب المصري اليوم مجحفة بحق مصر. ويرى مراقبون للشؤون الاسرائيلية ان الدولة العبرية وجدت نفسها فى مواجهة واقع لم تعد نفسها لدفع استحقاقاته من قبل، فكامب ديفيد بكل ما يمثله عند العرب يعد بالنسبة لاسرائيل قبلة الحياة التي جعلت من وجودها فى المنطقة امرا ممكنا. لذا فان التصريحات المصرية عن امكانية التراجع عنها والمطالبات الجماهيرية الاردنية بالغاء رديفه « وادى عربة» اثارث موجه من الذعر بين الاوساط السياسية والشعبية فى تل ابيب. ويمكن ان تضع التقريعات الموجهة للسفير المصري فى تل ابيب من مدير عام وزارة الخارجية الاسرائيلية رافي براك صورة واضحة لهذا الامر. فقد قال رافي براك، للسفير المصري:» إنه مستاء من تصريحات المسؤولين المصريين من موقفهم من كامب ديفيد..» وأضاف: «أنا أعارض تصريحات المسؤولين المصريين، ويجب تغيير لهجة المصريين لأنها مس بالثقة بين الجانبين «. فهل تعكس التصريحات المصرية وجود اتجاه جدي لالغاء الاتفاقية او المطالبة بتعديلها. تقول د. اماني الطويل ان تصريحات شرف جاءت على خلفية مباحثات فعلية تجرى الآن فى سيناء بين الاجهزة الامنية لدى الطرفين حول تعديل الاتفاقية، والسماح بدخول قوات مصرية اكبر الى شبه جزيرة سيناء لحفظ الامن. لكن الطويل لا تنكر ان لهذه التصريحات اهداف سياسية اخرى توخاها شرف، وفى مقدمتها تهدئة الغضب الشعبي الكبير من مقتل الجنود المصريين وتضيف: تصريح رئيس الوزراء يصب فى خانة امتصاص الامتعاض الشعبي من الاداء الحكومي فى هذه الواقعة. لافتة الى ان الشارع المصري بعد الثورة لم يعد يستطيع السكوت على التصرفات الاسرائيلية. وتؤكد الباحثة المصرية ان القاهرة مطالبة فى هذه المرحلة بترتيب ملفاتها الداخلية على نحو جديد، فالحكومة المنتخبة والرئيس الجديد يجب ان يكونا على سلم اولوياتها قبل اتخاذ اي خطوات تجاه اسرائيل. وتقول اماني الطويل:» لا يوجد من يمكنه اتخاذ قرار بمعطيات الرأى العام»، وزادت:» هناك مؤسسات مناط بها اتخاذ القرارات.. الشارع ورئيس الوزراء ليسو منها». ولا يبتعد الصحافي بالاهرام اسماعيل العوامي عن ذلك كثيرا، فيقول الرجل ان شرف لن يقدم على الغاء» كامب ديفيد» فالغاء الاتفاق يستلزم موافقة برلمان منتخب. وشدد العوامي : «كامب ديفيد» اتفاقية ويجب ان تحترم الدول اتفاقياتها». غير ان العوامي رهن الغاء الاتفاقية بتكوين الحكومة وانتخاب الرئيس، مشيرا الى ان شاغل المقعد هو من يمتلك التفويض. ويقول المحلل السياسي محمد نوري الامين ل» الصحافة»ان مصر لا تمتلك القوة اللازمة لمواجهة عسكرية مع اسرائيل حال الغائها الاتفاقية، مؤكدا ان الجيش المصري لم يجد فى عهد رئسها السابق مبارك اى دعم او اعداد حقيقي لمثل هكذا معركة لان اموال البلاد تعرضت للنهب والتوظيف لاغراض اخرى. ولفت نورى الى ان امتلاك اسرائيل للسلاح النووي يشكل رادعا للقاهرة يجعلها تفكر اكثر من مرة قبل التحلل من التزاماتها فى كامب ديفيد، ويقول المحلل السياسي ان بمقدور اسرائيل اقناع امريكا والعالم بحاجتها لاستخدام الرادع النووي بمقدار يضمن سلامتها ويحقق انتصارا على اعدائها. ويجزم نوري ان المصريين سيترددون فى اتخاذ قرار الغاء « كامب ديفيد» لانهم يعلمون بانهم سيواجهون اسرائيل بمفردهم، فالدول العربية وعلى رأسها السعودية راغبة فى الاحتفاظ بعلاقاتها الاستراتيجية مع امريكا، ولن تغامر بالتفريط فيها من اجل مصر. ويقول نوري ان تصريحات رئيس الوزراء المصري تهدف لتهدئة الرأى العام المصري، من اجل اكتساب مدى زمني لصالح الجهاز التنفيذي الانتقالي الذي يقف على رأسه، حتى يتم انتخاب حكومة ديمقراطية جديدة تملك التفويض اللازم باتخاذ هذا القرار. ويشير المحلل السياسي الى نقطة اضحت بارزة على سطح المشهد فى مصر وهى ان الشارع المصري يعاني انقساما واضحا ازاء كيفية التعامل مع العديد من القضايا منها العلاقة مع اسرائيل. يذكر أن اتفاقيات «كامب ديفيد»، الموقعة عام «1979» بين «مصر» و»إسرائيل» تنص على أن بإمكان أحد أطراف الاتفاق المطالبة بتعديل بنود في الاتفاق، ومنذ اندلاع الثورة في مصر فإن هناك مطالب بفتح الاتفاق من جديد وتغيير البنود، ومن أهمها إدخال قوات مصرية إلى سيناء، اذ ان الاتفاقية تنص على عدم وجود قوات مصرية فى كامل شبه جزيرة سيناء، بينما تسمح بوجود مشروط لرجال شرطة بتسليحهم التقليدي.