لقد أحزنني أن تدخل بعض الصحف الزميلة والزملاء الأعزاء في معركة من غير معترك بسبب ممارسة صحفية قديمة وضرب من ضروب التناول الصحفي تليد وعريق، لم تبدأه أو تكتشفه أي من الصحف المتعاركة حوله اليوم حتى تحوز براءة اختراعه وتتوشح بشهادة ملكيته الفكرية، فالحقيقة الصحفية التي لا جدال حولها أن كل هذه الصحف المتصارعة حول ملكية "باب الأسرار" بمسمياته المختلفة، متبعة ومقلدة وليست مبتكرة لفن صحفي قديم جداً مارسته حتى الصحافة السودانية في حقبها المختلفة دعك عن الصحافة الاقليمية والعالمية، وليس في الاتباع والتقليد هنا أية مذمة أو منقصة فكل الثوابت الصحفية والاعراف المهنية الراسخة متوارثة جيلاً عن جيل، كما أرست الصحافة في سيرورتها المهنية بعض المشتركات الثابتة ثبوت الجبال بما يجعلها واحدة في كل المجتمعات الصحفية بلا فرق يذكر إذا ما ظهرت على صفحات الواشنطون بوست الأمريكية أو صحيفة الصحافة السودانية أو هذا ما يجب ويفترض أن يكون، لنكن أكثر دقة، وما كان لي ان أقحم نفسي في هذا التنازع لولا أنني رأيت اصرار المتنازعين عليه ومحاولات البعض المتكررة لنسبة فضل إعادة اكتشاف العجلة لنفسه إن كان في ذلك فضل، فقد بدا لي انه نزاع وتنافس غير منتج مثل ان يتصارع ويتنازع أصلعان على مشط، فذلك تنافس عبثي لن يستفيد منه أحد الطرفين، كما أنه في حالتنا هذه لا يفيد القارئ بشيء، هب أن أحد المتنافسين الأصلعين قد انتصر وظفر بالمشط فما عساه ان يفعل به سوى أن "يخربش" به صلعته وربما أدماها، كان الأوفق والأحكم والأجدى والأمثل لو ان صحافتنا المحلية قد اجتهدت وثابرت وتنافست على تجويد الأداء وترقيته وسد العديد من الثغرات التي تعاني منها والعكوف على تجاوز "المطبات" الكثيرة التي تعترض طريق انطلاقتها بما يمكنها من أن تتناول علناً وجهراً وبالوضوح التام كثيراً مما تلجأ إلى الإشارة إليه تلميحاً وترميزاً وتشفيراً عبر أبواب الأسرار ولا تجرؤ على البوح به بغير هذا السبيل، لسنا هنا في مقام الحكم على هذه الممارسة الصحفية قدحاً أو مدحاً فيكفي أنها من مقررات احدى المدارس الصحفية التي لها أنصارها وحواريوها وانما نحن هنا لنعبر عن أمنية خالصة وصادقة بأن يتوجه التنازع والتنافس الاخلاقي والمشروع نحو الميدان الحقيقي الذي تلعب عليه الصحافة، فذلك هو الصراع الحميد والتنافس المثمر وليس مثل هذه الانصرافيات، ولو أراد المتنازعون على ملكية باب الأسرار على اختلاف مسمياته أن نثبت لهم أنهم إنما يتنازعون على شيء لا يملكه أحدهم لاحلناهم فقط الى المناسبة التي جعلت احدى الصحف اللندنية في حوالى عام (1815م) إبان معركة واترلو الشهيرة أن تبادر بنشر بعض الاخبار المفبركة والمزيفة والملونة تحت عنوان "قالت العصفورة" لصالح أحد رجال الأعمال اليهود والذي أثرى ثراءً فاحشاً من وراء هذه الفبركات الصحفية..