٭ لست من أنصار التعاطي الصحفي الذي يتم على طريقة (أسرار) و(الحيطان ليها آذان) و(قالت العصفورة) وهلمجرا من تسميات ترد تحتها بعض المعلومات مجهولة النسب والمصدر ويكتنفها قدر غير قليل من الغموض وكثير من الغمزات والتلميحات التي تمس أشخاصاً أو مؤسساتٍ أو دولاً، وذلك لسبب بسيط هو أن مثل هذا التعاطي يصادم بل ويضرب في الصميم احد أهم واجبات الصحافة ووظائفها في ضرورة توخي نقل الحقائق والوقائع كما هى بلا تلوين وإيصال المعلومة كاملة بلا نقصان أو زيادة، ومن اراد غير ذلك فله في مساحات الرأى والتعليق مكان رحب، ومهمة الصحافة هنا هى ان تزيل الغموض أينما وجدته لا أن تمارسه، وأن تملّك القاريء المعلومات بكل وضوح، لا أن تدلّس عليه وتجعله نهباً لأى إلتباس، وأن تشرح وتفسر لا أن (تدغمس) و(تتلولو)، ولكن رغم ذلك هناك صحف وصحافيون ومدارس صحفية تناصر هذا الاتجاه وتفرد له مساحة ثابتة غالباً ما تكون في أبرز صفحتين، الاولى أو الاخيرة، وربما يجادل مناصر أو ممارس لمثل هذا التعاطي الملتوي بأن لغة الإشارة والرمز والغمز قد تكون ضرورية لإثارة الموضوع ولفت إنتباه من يهمهم ويعينهم الامر عندما يكون الصحفي ليس على يقين تام بما عنده من معلومات لم يستطع لسبب أو آخر الاستيثاق منها والتثبت لكي ينشرها وهو مطمئن القلب، وربما يجادل آخر بأنها إشارات خاصة لفئة مخصوصة ستفهم كل حرف فيها وهذا هو المطلوب، بالنسبة للمناصر الاول فإن جدله لن يغير من حقيقة كونه يصادم واجباً صحفياً لا تتم الصحافة المهنية الحقيقية إلا به شيئ بل إن ذلك قد يوقعه تحت طائلة الآية الكريمة (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)، وبالنسبة للثاني فالامر أيضاً سيان، فلا إشارات وترميزات و(كوديات) خاصة لفئة مخصوصة أياً كان حجمها في شأنٍ عام يهم الكافة في الفضاء الممتد من الذي (يا دوبك يفك الخط) والى البروف في اللغة العربية، فلغة الصحافة يجب أن تتسم بالوضوح والبساطة وتبتعد عن التعقيد و(التقعيد) والتقعير والتلاعب بالالفاظ، وعلى كل حال هذا جدل يطول ليس هذا مكانه وإنما إقتضته مناسبة هى مثار تعليقنا.. ما بين أمس وأمس الاول وقفت على تناول صحفي فهمت منه أن معركة صحفية تدور حول هيئة عامة ثار حولها مؤخراً جدل كثيف، فئة (صحف وصحافيون) يتهمون هذه الهيئة بالفساد، وفئة تقف الى جانبها وتسعى لدفع التهمة عنها، الى هنا والامر عادي، ولكن ماهو غير عادي هو أن ينشر المدافعون حيثيات دفاعهم على طريقة (قالت العصفورة) مع أن من اتهموا هذه الهيئة كانوا قد نشروا صحيفة إتهامهم واضحة بالاسم والارقام والوثائق أى أنهم قالوا للأعور أنت أعور بلا لف أو دوران، ولهذا إحترت في الاسلوب الملتوي الذي لجأ اليه المدافعون، والمؤكد أن كثيراً من القراء لا شك قد إحتاروا في الموضوع برمته، فلمصلحة الحقيقة ولمصلحة القراء، الموضوع على (بلاطة) يدور حول الهيئة العامة للطيران المدني، بعض الصحف والصحافيين إتهموها بالفساد المالي والإداري، سموها بالاسم ونشروا بكل وضوح وبالارقام والوثائق أوجه الاتهام الموجهة لهذه الهيئة، صحف أخرى وصحافيون آخرون- الله أعلم إن كان قد غرّر بهم ام بحالتهم المعتبرة شرعاً - نشروا دفاعاً عن الهيئة بطريقة (مدغمسة) وملتوية على الطريقة إياها مؤداه أن ما نُشر عن الهيئة العامة للطيران المدني ماهو إلا حملة مأجورة وجائرة مدفوعة الثمن توّلى كبرها بعض الصحف والصحافيين وقبضوا ثمنها وأن الهيئة (صاغ سليم) وبريئة براءة الذئب من دم ابن يعقوب من ترهاتهم التي الفوها تأليفاً ضد الهيئة بإيعاز من ولي نعمتهم رجل الاعمال الذي تضررت مصالحه مع مقدم الإدارة الجديدة للهيئة.... إلى هنا ليس لي رأى فاصل ، فالرأى هو رأى نيابة الاموال العامة التي يفترض أن تكون قد تولت التحري والتقصي حول الموضوع، لست مع الهيئة أو ضدها ولست مع هؤلاء الزملاء ضد أولئك بل مع الحقيقة التي سينطق بها القضاء لو قدّر لهذه القضية أن تذهب اليه، ولكني بكل يقين لا يخالطه لبس ضد مثل ذلك التناول الصحفي الملتوي والملتبس الذي زاد الضرر على الهيئة من حيث أراد رفعه عنها...