ما زال غول الغلاء يحكم سيطرته على مفاصل الأسواق إذ ارتفعت جميع أسعار السلع دون استثناء الأمر الذي شكل هاجسا للمواطنين والحكومة على حد سواء فعلى صعيد المواطنين انبرت جمعية حماية المستهلك لوقف زحف ارتفاع أسعار اللحوم الذي بلغ مبلغا صعب السكوت عليه فقادت مبادرة لمقاطعة شراء اللحوم لمدة ثلاثة أيام انتهت بالأمس فجاءت نتائجها إيجابية على صعيد تخفيض أسعارها ولم تكتف بذلك فأعلنت تمدد المقاطعة إلى سلع أخرى من شاكلة السكر وزيوت الطعام والألبان وحيال التحرك المجتمعي هذا يبدو أن الحكومة وجدت نفسها أمام محك حقيقي للتعبير عن وجهة نظرها في ما يجري من ارتفاع يمكن وصفه بالجنوني لأسعار السلع كافة حتى بات الناس في هلع ووجل مما تدسه لهم قادمات الأيام فانبرى والي الخرطوم وأعلن تبني ولايته لسياسية قوامها عدم زيادة أسعار السلع الأساسية (السكر والدقيق والوقود) ليعقبه بعد ذلك وزير المالية والاقتصاد الوطني علي محمود عبد الرسول وإعلانه اول من أمس عن إصدار قرارات وصفها بالصارمة من شأنها الصمود في وجه غول الغلاء واحتواء ارتفاع أسعار السلع وأكد قدرتها على حل كثير من الإشكاليات التي أدت لغلاء المعيشة علاوة على عكوف القطاع الاقتصادي بالمؤتمر الوطني لتقييم الموقف وتقديم الخيارات لمتخذي القرار للتعامل مع زيادة الأسعار وغلاء المعيشة ولم يطب لبنك السودان المركزي الوقوف على رصيف طوفان ارتفاع الأسعار فأعلن عن إتباع آلية جديدة عبر المؤسسات المالية والمصرفية لمعالجة أزمة الغلاء التي تعاني منها الأسواق عبر زيادة إنتاج السلع الضرورية والعمل على إحلال الواردات للصادرات ليطل سؤال محوري وجوهري بقوة قوامه جدوى الحلول التي تنتهجها الدولة وأجهزتها في ظل إتباع سياسة التحرير الاقتصادي والسوق الحر. يقول البروفيسور عصام بوب: في الوقت الراهن وتحت الأنظمة المالية واضطراب السياسات المالية والانجبال على فرض الرسوم والأتاوات الذي تمارسه الحكومة وأجهزتها المختلفة لا يملك المسؤولون ولا يكون بمقدورهم فعل شيء بشأن خفض الأسعار وتراجع غول الغلاء سوى الأحاديث السياسية التي لا تعدو عن كونها تهدئة للخواطر التي لا تغني ولا تسمن من جوع وينطبق عليها المثل الشعبي (مفطوم اللبن ما بيسكتو اللولاي)، ويرى بوب أن الحكومة إن كانت جادة في محاربة الغلاء بحق وحقيقة فلابد من إتباع سياسات كلية حتى تكون خطواتها ذات جدوى والتي يجب أن يسبقها إلغاء تام للرسوم والجبايات وفرض الأتاوات وتحصيل العوائد على كل المستويات المحلية والولائية والاتحادية لأجل مسمى حتى تعود الأمور إلى نصابها، وتساءل هل تستطيع الحكومة الاستغناء والفطام عن مورد الرسوم أحد روافد التغذية لخزينتها العامة؟ وزاد بوب: إن الغلاء ليس محصورا في اللحوم فحسب بل أن رقعته قد اتسعت لتشمل كل السلع والخدمات، وتساءل: لماذا لا يتم الحديث عن ارتفاع أسعار الدواء والجبايات والرسوم وعوائد المنازل وزيوت العربات التي تضاعفت بمعدل 300% في الثلاثة أشهر الماضية؟ وختم بأن الوصفة السريعة لتلافي ارتفاع الأسعار بالأسواق تتمثل في إلغاء الرسوم لفترة معينة لحين مراجعة السياسات الاقتصادية والإنفاق الحكومي وترشيده وتخفيض الامتيازات وبحث سبل رفع كفاءة المشاريع الإنتاجية الحقيقية (الزراعة بشقيها النباتي والحيواني- القطاع الصناعي) ومعالجة البطالة وتخفيف حدة الفقر وخفض معدلات التضخم وضبط سعر صرف الجنيه السوداني في مقابل العملات الأخرى وزيادة الصادرات وتقليل الواردات وجذب المزيد من الاستثمارات الخارجية عبر تهيئة بيئة جاذبة للمستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء وتقديم الحوافز والاهتمام بالتنمية والبنى التحتية بالاستفادة من نظام ال BOOT القائم على نظام الشراء والامتلاك والتشغيل ونقل الملكية في نهاية أمد استرجاع التكلفة والذي اعتبره بوب متخلفا أو غير موجودا بالبلاد قاطبة. واستعرض الخبير الاقتصادي دكتور محمد الناير في حديثه (للصحافة) عددا من الإجراءات السريعة التي يمكن ان تتم بصورة عاجلة لمعالجة هذه القضية وإجراءات أخرى تحتاج لفترة من الزمن، ويؤكد الناير أن ارتفاع سعر الصرف له الأثر الكبير في ارتفاع الأسعار مع شح الضخ من قبل البنك المركزي للعملة، وللخروج من هذا المأزق يرى محمد الناير انه يمكن ان يتم اللجوء الى قروض لدعم ميزان المدفوعات من الصين أو أية دولة عربية لديها فوائض نتيجة للارتفاع أسعار النفط، ويبين أن القرض من شأنه أن يخلق استقرارا لسعر الصرف ويمكن بنك السودان من ضخ كميات مناسبة من العملات الصعبة تلبي احتياجات السوق، وبالتالي يتراجع نشاط السوق الموازي وهو من الحلول العاجلة التي تخلق استقرارا في أسعار الصرف والسلع ما يؤدي لانخفاض التضخم أيضا. ومن ضمن الحلول العاجلة، كما يقول الناير أن يتم تخفيض جزئي لبعض الرسوم شريطة أن يعود على المستهلك وليس التاجر. بمعنى أن الدولة عادة ما تقوم بتخفيض الرسوم من جهتها بصورة لا يستفيد منها المستهلك النهائي لذلك إذا لجأت الدولة للتخفيض فلابد أن يكون هنالك التزام أخلاقي من قبل المستوردين والمصنعين وتجار الإجمالي والتجزئة بأن تنزل هذه التخفيضات إلى المستهلك النهائي. ويضيف الناير أن ترتيب الأولويات في توظيف النقد الأجنبي يعد أفضل الحلول لارتفاع الأسعار بمعنى أن يتم توفير النقد الأجنبي المتاح بالسعر الرسمي لسد الفجوة في كل السلع الضرورية التي تمس حياة المواطن اليومية، على أن تعمل الدولة على خلق وفرة تقطع الطريق امام التجار لعدم استغلال هذه الثغرة.