بالرغم من الاهتمام الواسع لحملة مقاطعة اللحوم التي تبنتها جمعية حماية المستهلك والتي انتهت أمس الأول بولاية الخرطوم جراء سيطرة الغلاء على مفاصل الأسواق فلم تسلم قبضته سلعة ما فارتفعت جميع أسعار السلع دون استثناء ، الأمر الذي شكل هاجسا للمواطنين والحكومة على حد سواء ولم تقف الحكومة مكتوفة الأيدي مكتفية بالوقوف على الرصيف فعقد والي الخرطوم مؤتمرا صحفيا أمس الأول أعلن فيه تبني ولايته لسياسية قوامها عدم زيادة أسعار السلع الأساسية «السكر والدقيق والوقود» وأتبعها بتقديم رؤية لمجلس الوزراء اليوم لاعفاء 12 سلعة من الرسوم ورفع الجمارك عن سلع من شاكلة مركزات الأعلاف والبيض المخصب والكتاكتيت وفول الصويا والذرة الشامية وتقاوي البطاطس وزيوت الطعام والفول المصري المستورد والعدس واللبن البودرة، وجاء التخفيض والاعفاء في سبيل تخفيف العبء عن كاهل المستهلك بالولاية ومعالجة أزمة الغلاء التي تعاني منها الأسواق عبر زيادة انتاج السلع الضرورية والعمل على احلال الواردات للصادرات ليطل سؤال محوري وجوهري بقوة قوامه جدوى الحلول التي تنتهجها الدولة وأجهزتها في ظل اتباع سياسة التحرير الاقتصادي والسوق الحر وما مدى تأثيرها على حركة السوق ومقدرتها على كبح جماح الأسعار . وصف البروفيسورعصام بوب قرارات ولاية الخرطوم برفع الرسوم والجمارك عن 12 سلعة بالخطوة الجيدة في الوقت الراهن وتحت الأنظمة المالية واضطراب السياسات المالية اذ لا سبيل للخلاص من ارتفاع الأسعار سوى التخلي عن فرض الرسوم وجمع الأتاوات الذي درجت على ممارسته الحكومة وأجهزتها المختلفة، وحسنا فطن المسؤولون لدورهم وتخليهم عن الأحاديث السياسية التي لا تعدو كونها تهدئة للخواطر التي لا تغني ولا تسمن من جوع وعليهم اتباع سياسات كلية حتى تكون خطواتها ذات جدوى بعد اقدامها على الغاء تام للرسوم والجبايات وفرض الأتاوات وتحصيل العوائد على مستوى الولاية لأجل مسمى حتى تعود الأمور الى نصابها. وزاد بوب ان الغلاء ليس محصورا في 12 سلعة فحسب بل أن رقعته قد اتسعت لتشمل كل السلع والخدمات، وختم بأن الوصفة السريعة لتلافي ارتفاع الأسعار بالأسواق تتمثل في الغاء الرسوم لفترة معينة لحين مراجعة السياسات الاقتصادية والانفاق الحكومي وترشيده وتخفيض الامتيازات وبحث سبل رفع كفاءة المشاريع الانتاجية الحقيقية «الزراعة بشقيها النباتي والحيواني- القطاع الصناعي» ومعالجة البطالة وتخفيف حدة الفقر وخفض معدلات التضخم وضبط سعر صرف الجنيه السوداني في مقابل العملات الأخرى وزيادة الصادرات وتقليل الواردات وجذب المزيد من الاستثمارات الخارجية عبر تهيئة بيئة جاذبة للمستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء وتقديم الحوافز والاهتمام بالتنمية والبنى التحتية . وغير بعيد عن افادات بوب يقول الخبير الاقتصادي دكتور محمد الناير ان الغاء ولاية الخرطوم للرسوم والجمارك وضريبة القيمة المضافة على 12 سلعة ومدخل انتاج تعتبر خطوة طيبة في طريق فك قبضة الغلاء وهي تقع في خانة الاجراءات السريعة والعاجلة للمعالجة لقضية الغلاء على أن تتبعها اجراءات أخرى تحتاج لفترة من الزمن. ويؤكد الناير أن ارتفاع سعر الصرف له الأثر الكبير في ارتفاع الأسعار مع شح الضخ من قبل البنك المركزي للعملة، وللخروج من هذا المأزق يرى محمد الناير انه يمكن ان يتم اللجوء الى قروض لدعم ميزان المدفوعات من الصين أو أية دولة عربية لديها فوائض نتيجة لارتفاع أسعار النفط، ويبين أن القرض من شأنه أن يخلق استقرارا لسعر الصرف ويمكن بنك السودان من ضخ كميات مناسبة من العملات الصعبة تلبي احتياجات السوق، وبالتالي يتراجع نشاط السوق الموازي وهو من الحلول العاجلة التي تخلق استقرارا في أسعار الصرف والسلع مما يؤدي لانخفاض التضخم أيضا. ومن ضمن الحلول العاجلة، كما يقول الناير أن يتم تخفيض جزئي لبعض الرسوم شريطة أن يعود على المستهلك وليس التاجر. بمعنى أن الدولة عادة ما تقوم بتخفيض الرسوم من جهتها بصورة لا يستفيد منها المستهلك النهائي لذلك اذا لجأت الدولة للتخفيض فلابد أن يكون هنالك التزام أخلاقي من قبل المستوردين والمصنعين وتجار الاجمالي والتجزئة بأن تنزل هذه التخفيضات الى المستهلك النهائي. ويضيف الناير أن ترتيب الأولويات في توظيف النقد الأجنبي تعد أفضل الحلول لارتفاع الأسعار بمعنى أن يتم توفير النقد الأجنبي المتاح بالسعر الرسمي لسد الفجوة في كل السلع الضرورية التي تمس حياة المواطن اليومية، على أن تعمل الدولة على خلق وفرة تقطع الطريق امام التجار لعدم استغلال هذه الثغرة.