ما زال غول الغلاء يحكم سيطرته على مفاصل الأسواق إذ ارتفعت جميع أسعار السلع دون استثناء في الفترة الأخيرة الأمر الذي شكل هاجسا للمواطنين والحكومة على حد سواء حتى انبرت جمعية حماية المستهلك لوقف زحف ارتفاع أسعار اللحوم الذي بلغ مبلغا صعب السكوت عليه فقادت مبادرة لمقاطعة شراء اللحوم لمدة ثلاثة أيام فجاءت نتائجها إيجابية على صعيد خفض أسعارها وأعلنت ولاية الخرطوم تبني سياسة قوامها عدم زيادة أسعار السلع الأساسية «السكر والدقيق والوقود» وكذا الحال في وزارة المالية والاقتصاد الوطني لم تقف مكتوفة الأيدي فعملت عل? إصدار قرارات وصفتها بالصارمة من شأنها الصمود في وجه غول الغلاء واحتواء ارتفاع أسعار السلع وحل كثير من الإشكاليات التي أدت لغلاء المعيشة علاوة على عكوف القطاع الاقتصادي بالمؤتمر الوطني لتقييم الموقف وتقديم الخيارات لمتخذي القرار للتعامل مع زيادة الأسعار وغلاء المعيشة ولم يطب لبنك السودان المركزي الوقوف على رصيف طوفان ارتفاع الأسعار فأعلن عن إتباع آلية جديدة عبر المؤسسات المالية والمصرفية لمعالجة أزمة الغلاء التي تعاني منها الأسواق عبر زيادة إنتاج السلع الضرورية والعمل على إحلال الواردات للصادرات ليطل سؤال ?حوري وجوهري بقوة قوامه جدوى الحلول التي تنتهجها الدولة وأجهزتها في ظل إتباع سياسة التحرير الاقتصادي والسوق الحر في ظل موجهات موازنة العام 2102 التي أجازها مجلس الوزراء الخميس الماضي توطئة لتقديمها للمجلس الوطني لإجازتها نهائيا ومنحها جواز المرور للعمل بها بيد أن أكثر ما يقلق العامة ويثير الاهتمام ما حملته الموازنة الجديدة من موجهات وبنود تعمل على كبح جماح خيول الغلاء الجامحة التي طالت كل السلع ومختلف أنواع الخدمات بلا أدنى استثناء ولعل أكثر ما يعول عليه الاقتصاديون أن تتبع الحكومة خارطة طريق للخروج من نفق ?رتفاع الأسعار المظلم قوامها اتباع سياسة انكماشية تعمل على الحد الإنفاق الحكومي والمحافظة على معدلات التضخم وخفضها ما أمكن ذلك مع الارتقاء بالصادرات وتقليل الاستيراد وتعظيم الإنتاج المحلي والعمل على رفع مستوى سعر صرف الجنيه الذي يقود إلى يقود إلى الاستقرار الاقتصادي المنشود وأكدوا بدون العمل بالروشتة سالفة الذكر لن يكون بالإمكان فعل شيء حيال ارتفاع الأسعار وحينها على الجميع انتظار المزيد من طوفان ارتفاع الأسعار. يقول البروفيسور عصام بوب في الوقت الراهن وتحت الأنظمة المالية واضطراب السياسات المالية والانجبال على فرض الرسوم والأتاوات الذي تمارسه الحكومة وأجهزتها المختلفة لا يملك المسؤولون ولا يكون بمقدورهم فعل شيء بشأن خفض الأسعار وتراجع غول الغلاء سوى الأحاديث السياسية التي لا تعدو عن كونها تهدئة للخواطر التي لا تغني ولا تسمن من جوع ويرى بوب أن الحكومة إن كانت جادة في محاربة الغلاء بحق وحقيقة فلابد من إتباع سياسات كلية حتى تكون خطواتها ذات جدوى والتي يجب أن يسبقها إلغاء تام للرسوم والجبايات وفرض الأتاوات وتحصيل الع?ائد على كل المستويات المحلية والولائية والاتحادية لأجل مسمى حتى تعود الأمور إلى نصابها، وتساءل هل تستطيع الحكومة الاستغناء والفطام عن مورد الرسوم أحد روافد التغذية لخزينتها العامة؟ وزاد بوب أن رقعة الغلاء اتسعت وشملت كل السلع والخدمات وختم بأن الوصفة السريعة لتلافي ارتفاع الأسعار بالأسواق تتمثل في إلغاء الرسوم لفترة معينة لحين مراجعة السياسات الاقتصادية والإنفاق الحكومي وترشيده وتخفيض الامتيازات وبحث سبل رفع كفاءة المشاريع الإنتاجية الحقيقية «الزراعة بشقيها النباتي والحيواني- القطاع الصناعي» ومعالجة البطال? وتخفيف حدة الفقر وخفض معدلات التضخم وضبط سعر صرف الجنيه السوداني في مقابل العملات الأخرى وزيادة الصادرات وتقليل الواردات وجذب المزيد من الاستثمارات الخارجية عبر تهيئة بيئة جاذبة للمستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء وتقديم الحوافز والاهتمام بالتنمية والبنى التحتية بالاستفادة من نظام ال BOOT القائم على نظام الشراء والامتلاك والتشغيل ونقل الملكية في نهاية أمد استرجاع التكلفة والذي اعتبره بوب متخلفا أو غير موجود بالبلاد قاطبة. واستعرض الخبير الاقتصادي دكتور محمد الناير عددا من الإجراءات لمعالجة غول الغلاء عبر اتباع إجراءات تحتاج لفترة من الزمن، ويؤكد الناير أن ارتفاع سعر الصرف له الأثر الكبير في ارتفاع الأسعار مع شح الضخ من قبل البنك المركزي للعملة، وللخروج من هذا المأزق يرى محمد الناير انه يمكن أن يتم اللجوء إلى قروض لدعم ميزان المدفوعات من الصين أو أية دولة عربية لديها فوائض نتيجة لارتفاع أسعار النفط، ويبين أن القرض من شأنه أن يخلق استقرارا لسعر الصرف ويمكن بنك السودان من ضخ كميات مناسبة من العملات الصعبة تلبي احتياجات السوق، ?بالتالي يتراجع نشاط السوق الموازي وهو من الحلول العاجلة التي تخلق استقرارا في أسعار الصرف والسلع ما يؤدي لانخفاض التضخم أيضا ومن ضمن الحلول العاجلة يقول الناير العمل على خفض جزئي لبعض الرسوم شريطة أن يعود على المستهلك وليس التاجر. بمعنى أن الدولة عادة ما تقوم بتخفيض الرسوم من جهتها بصورة لا يستفيد منها المستهلك النهائي لذلك إذا لجأت الدولة للتخفيض فلابد أن يكون هنالك التزام أخلاقي من قبل المستوردين والمصنعين وتجار الإجمالي والتجزئة بأن تنزل هذه التخفيضات إلى المستهلك النهائي ويضيف الناير أن ترتيب الأولويات في توظيف النقد الأجنبي يعد أفضل الحلول لارتفاع الأسعار بمعنى أن يتم توفير النقد الأجنبي المتاح بالسعر الرسمي لسد الفجوة في كل السلع الضرورية التي تمس حياة المواطن اليومية، على أن تعمل الدولة على خلق وفرة تقطع الطريق أمام التجار لعدم استغلال هذه الثغرة. وغير بعيد عن إفادة سابقيه يقول المحاضر بجامعة الأحفاد الدكتور السماني هنون إن خفض أسعار السلع والخدمات وطرد غول الغلاء يحتاج في الموازنة القادمة وفي كل الأوقات الى إتباع حمية انكماشية قوامها الحد من الصرف البذخي مع خفض الضرائب والرسوم وتقليل الاستيراد ما أمكن ذلك وقصره على السلع الضرورية والنأي عن الانسياق وراء استيراد السلع الكمالية الأمر الذي يعتبر الأمثل للحد من التضخم وزاد هنون في المقابل لابد من العمل على زيادة الجانب الإيرادي في الموازنة القادمة عن طريق زيادة الصادرات عبر الارتقاء بعجلة الإنتاج المحل? وتوسيع المظلة الضريبية دون إضافة رسوم مع ضرورة العمل للوصول لدرجة التناغم بين السياستين النقدية والمالية بغية الحصول على سعر صرف مستقر وتجنب تقلباته الحادة التي لطالما اكتوت بنيرانها الساحة الاقتصادية وزاد هنون أن التناغم بين السياستين المالية والنقدية يؤدي إلى استقرار السياسة الاقتصادية التي توصل إلى التحكم في معدلات التضخم وجميع قضايا الاقتصاد الكلي «سعر الصرف التضخم البطالة ...»