وجه النائب الاول لرئيس الجمهورية بمعالجة الأسباب المحلية التي أدت الى ارتفاع أسعار السلع، وهي ليست المرة الاولي التي يصدر فيها توجيه رئاسي لهذا الغرض اذ سبقه توجيه بتقليص مخصصات الدستوريين، التي تهدر قدرا ليس بالقليل من المال العام حيث كان علي عثمان محمد طه وجه بتقليص مخصصات الدستوريين للحد من منصرفات الدولة في الربع الأول من هذا العام. وكما اتضح للحكومة بان الانفاق علي اصحاب المناصب القيادية لم يعد ممكنا في ظل الظروف الاقتصادية الحرجة التي تمر بها البلاد، اتضح لها ايضا ان الصرف على الدستوريين لن يتناقص فهناك دائما تعيين لآخرين يحلون محل السابقين، فبحسب خبراء من الصعب انزال هذا الامر علي ارض الواقع، لارتباطه بالتسويات السياسية بشكل مباشر سواء كانت هذه التسويات مع قوى سياسية ستشارك في الحكومة العريضة أو القومية أو مع قوى معارضة تحمل السلاح وتوقع اتفاقا للسلام له استحقاقاته. ومع ذلك يرى خبراء اقتصاديون انه علي الرغم من قلة المبلغ الذي سيعود الي خزينة الدولة، من خلال تقليص مخصصات الدستوريين، فانها خطوة في الاتجاه الصحيح، وتؤكد مصداقية الدولة فى الشروع فى خفض الانفاق الحكومي، بوضعهم مع الشعب في مركب واحد، مثلما تحمل المواطن اعباء كبيرة في الحياة العامة، بعد زيادة اسعارالمحروقات ليتحمل الدستوريين ايضاً اعباء من خلال خفض مخصصاتهم واستحقاقاتهم الشهرية ، فقد تسلم المجلس الوطني توجيهاً من وزارة المالية ببدء تخفيض مخصصات الدستوريين فى المركز والولايات الى جانب ميزانية التسيير ب«30%»، وتخفيض «50%» من ميزانية الدستوريين المتعلقة بالسفر والمؤتمرات ، وفقا لما ذكروه . الا ان المراجع العام الاسبق لحكومة السودان محمد علي محسي ، شكك في قدرة الدولة علي خفض مخصصات الدستوريين التي قال انها تكاد تساوي رواتب كل مؤسسات الدولة، واضاف ان كل الحلول والتسويات السياسية مرتبطة بالمال فتعيين اي شخص في منصب قيادي ارضاء لجهة معينة، يتطلب ان تكون له مخصصات مالية ضخمة، فالمبالغ المدفوعة للقيادات التي تعمل حول الرئاسة ومعها كبيرة جدا، ويطرح السؤال «هل ستتمكن الدولة من تخفيض هذه المبالغ التي تدفع»، يقول محسي ان هذا هو التحدي الحقيقي فان تمكنت من فعل ذلك تكون قد تجاوزت مرحلة التوجيهات الي حيز التنفيذ . اذا دلفنا الى الجانب العملي في امكانية تحقيق خفض الانفاق بتقليص عدد المناصب أو تقليل منصرفات الدستوريين التي يتبناها النائب الأول سيفيدنا الخبير الاقتصادي محمد ابراهيم كبج اثناء حديثه ل « الصحافة» بان الدعوة الي حكومة قليلة العدد وقليلة المرتبات ليست بالجديدة، فهي دعوة قديمة جدا ظلت متداولة حتى قبل ان تسوء الاوضاع الاقتصادية الى هذا الحد، واشار كبج الى ان السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه كان قد نادي بها في وقت سابق عندما كان زعيما للمعارضة ايام الجمعية التأسيسية في الديمقراطية الثالثة، حين اقترح ان تقلص حكومات الاقاليم قبل ان يتحول نظام الحكم الي ولائي الي حاكم ووزيرين، وكان ذلك بهدف خفض الصرف علي المناصب الوزارية ، مشيرا الى ان الاقاليم الان تحولت الي ولايات وزاد عددها، والاجراء الطبيعي الذي من المفترض ان يتم الان هو تقليص المجالس التشريعية في الولايات الي اقل عدد ممكن من الدوائر الانتخابية على الا يتجاوز المجلس التشريعي في كل ولاية 15 عضوا، واضاف كبج ان تقليص الحكومات في كل الولايات يقلل الانفاق علي الميزات الممنوحة للدستوريين من عربات ومنازل بجانب تقليص الحكومة الاتحادية والذي يشمل المستشارين، بمن فيهم مستشارو رئيس الجمهورية ومساعدوه ، الي ادني حد ممكن ، وقال ان اي قرار يتخذ يجب ان ينزل الي ارض الواقع ، قبل ان يقول ان الصرف علي المرتبات والميزات الممنوحة لموظفي الحكومة اكثر من الصرف علي الزراعة ، ففي العام 2007 كانت مرتبات الامن والدفاع والشرطة حوالي 80% بحسب المراجع العام و77% في العام 2008 لتصل الي 76 % من المرتبات الحكومية . ويبدو ان الدولة مضطرة لاتخاذ سياسة اكثر تقشفا لمواجهة تحديات عديدة افرزها انفصال الجنوب والأزمة المالية العالمية وقلة الناتج القومي، وكما يقول المحلل الاقتصادي الدكتور عادل عبد العزيز فان سياسة التقشف الحكومي واحدة من السياسات التي اقرتها الدولة لسد نقص الايرادات الناجم من خروج الايرادات النفطية لمعادلة ايرادات الدولة ، وقال عبد العزيز في حديثه ل«الصحافة » ان من ضمن سياسات البرنامج الثلاثي للاستقرار الاقتصادي، تخفيض مخصصات الدستوريين ، مشيرا الى ان توجيه النائب الاول لرئيس الجمهورية في هذا الشأن تذكير للمجتمع عامة ليغير نهجه وسياساته الاقتصادية التي يتبعها ،مشددا على انه ليس توجيها لوزارة المالية لانها قد ضمنته بالفعل في خطتها وسيتم تنفيذه في موازنة العام 2011 ، مشيرا الى النتائج من هذا الاجراء ستكون مبلغا مقدرا، واضاف «ربما يكون ضئيلا بالنسبة للموازنة العامة ككل او الناتج القومي الاجمالي، ولكنه في نهاية الامر يعبر عن ان الدولة في اعلي مستوياتها تدعم سياسات التقشف الحكومي وتخفيض الاسعار» ، ومضي عبد العزيز ليقول : انه من المفترض ايقاف الصرف علي المباني الجديدة والاثاثات المستوردة بالاضافة للعربات الحكومية وخفض نثريات البعثات، وخفض تكلفة الاتصالات بالنسبة للمسؤولين تحديدا المتعلقة باستخدام الهاتف الجوال، وغيرها من التخفيضات التي تؤثر بشكل مباشر في موازنة الدولة .