قبل أكثر من شهرين بدأت الحكومة في تطبيق حزمة الإجراءات والقرارات الاقتصادية التي أطلق عليها اختصارا (التقشف الاقتصادي) في عدد من المحاور من بينها: محور الحكم والإدارة بإصلاح هياكل الدولة وتقليص عدد الدستوريين على مستوي رئاسة الجمهورية والهيئة التشريعية والوزراء ووزراء الدولة والخبراء والمستشارين بمجلس الوزراء بعدد (100) دستوري، وتقليص هياكل الحكم المحلي والولائي ب(280) موقعاً وخفض مخصصات الدستوريين من مرتبات وبدلات وتذاكر سفر وتحديد سيارة واحدة لكل مسؤول، وإعادة النظر في تشكيل المحليات وإلغاء مرتبات ومخصصات المجالس المحلية والاستعاضة عنها بمكافأة، وخفض الميزانيات وتحديد أولويات الصرف، ومحور زيادة الإيرادات عبر زيادة قيمة ضريبة التنمية على الواردات وزيادة القيمة المضافة وزيادة ضريبة أرباح الأعمال والسماح ببيع أراضي سكنية للمغتربين بالعملات الصعبة ومعالجة ظاهرة تجنيب الإيرادات ورفع الدعم تدريبجياً عن المحروقات مع وضع معالجات لامتصاص التداعيات السالبة لرفع الدعم عن المحروقات بزيادة الدعم الاجتماعي للشرائح الضعيفة من (500) ألف أسرة إلي (750) ألف أسرة وإعطاء منحة للعاملين والمعاشيين وتوسيع مظلة الضمان الاجتماعي وتوفير السلع المدعومة، أما محور النقد الأجنبي فشمل تحريك سعر الصرف ليصبح السعر الرسمي في الميزانية المعدلة نحو (4,4) جنيهات ورفع الاحتياطي النقدي والاستمرار في شراء الذهب والسعي إلي استقطاب قروض. وتفيد متابعاتنا أنه بعد دخول سياسات التقشف الاقتصادي حيز التنفيذ بدأت نتائج التقشف تظهر، حيث تؤكد المؤشرات بأن الاقتصاد السوداني سيسترد عافيته بنهاية هذا العام بعد أن بدأ تطبيق قرارات التقشف بتحرير سلعة السكر ليبلغ جوال السكر وزن (50) كيلو نحو (225) جنيهاً، وتحريك الدولار ليبلغ سعر الصرف الرسمي للدولار بالبنوك نحو (5,82) جنيهات، وسعر الدولار الجمركي بنحو (4,42) جنيهات إلي جانب تطبيق زيادات في الضريبة على القيمة المضافة ورسوم الوارد وضريبة أرباح الأعمال للبنوك وزيادة أسعار المحروقات (البنزين والجازولين) وهيكلة مؤسسات الدولة بتخفيض أعداد الدستوريين على مستوي المركز والولايات وتخفيض مخصصاتهم. وتفيد متابعاتنا بأن تطبيق سياسات التقشف الاقتصادي أسهم في خفض الإنفاق الحكومي بنحو (5) مليارات جنيه من جملة عجز الميزانية البالغ نحو (7) مليارات جنيه، كما أدي تطبيق الدولار الجمركي الجديد ورفع الحظر عن بعض السلع المحظورة وزيادة رسوم الوارد والقيمة المضافة في زيادة إيرادات الجمارك والضرائب لتغطية بقية العجز البالغ نحو (2) مليار جنيه، بينما أدي تحرير سلعة السكر إلي إحداث وفرة في السلعة بالأسواق المحلية، وتراجع أسعار السكر نتيجة للوفرة والمنافسة بين السكر المستورد والمنتج محلياً، فيما أدي تحريك سعر الدولار إلي تضييق الفجوة في أسعار الدولار الرسمي وسعره بالسوق الموازي لتتراجع الفجوة، إلي جانب توفير النقد الأجنبي عبر البنوك لأغراض الاستيراد كافة، وتشجيع عودة حصائل الصادر وبيعها إلى البنوك بعد تطبيق سياسة الحافز للصادر فضلاً عن حدوث وفرة في أسعار السلع وفتح اعتمادات لاستيراد السلع كافة. وحظيت سياسة التقشف الاقتصادي بإشادة دولية من صندوق النقد الدولي الذي أكد أن الاقتصاد السوداني بدأ يتحسن بعد تطبيق سياسات التقشف، وكان صندوق النقد الدولي قد أعلن في أحداث تقرير له الأسبوع الماضي عن ان ((آفاق الاقتصاد السوداني تحسنت)) منذ أن اتخذت الحكومة حزمة إجراءات تقشفية صارمة، وأنه لا يزال يحتاج إلي تحسين عملية جباية وتحصيل الضرائب للتغلب على فقدان إيرادات النفط، وقال الممثل المقيم للصندوق في السودان بول جنكينز، حسبما نقلت ((شروق نت)) الصورة أكثر إشراقاً عما كانت عليه في يونيو (حزيران)، قبل إطلاق خطة التقشف ((وأضاف أن خفض دعم الوقود وأوجها أخرى للإنفاق يمكن أن تدفع التضخم للانخفاض من ((41,6)) في المائة في يوليو ((تموز)) بعد إن كان في يناير ((كانون الثاني)) ((19,3)) في المائة. وتبدو نتائج التقشف الاقتصادي بعيون وكيل وزارة المالية والاقتصاد الوطني يوسف حسين في حديثه إلينا أكثر إشراقا وتفاؤلاً ليس فقط بإشادة صندوق النقد الدولي التي قال إنها جاءت نتجاً للمتابعة اللصيقة للصندوق لأداء الاقتصاد السوداني ونصائحه التي ظل يقدمها لوزارة المالية والاقتصاد الوطني، ولكن مصدر تفاؤل وكيل المالية هو نتاج لتجاوب الشعب السوداني وتحمله للتداعيات السالبة لسياسات التقشف وزيادة الأسعار والغلاء، وصبر هذا الشعب على جراحات الإصلاح الاقتصادي التقشفية التي بدأت نتائجها تظهر بزيادة الإيرادات بنسبة (15%) وخفض الإنفاق الحكومي واستقرار الصرف، وهذه كلها نتائج ايجابية أدت لتحسن أداء الاقتصاد السوداني وستنعكس علي أعداد الموازنة الجديدة للعام (2013) التي بدأ الأداء إليها مبكراً هذا العام. نأمل إن ينعكس هذا التحسن في أداء الاقتصاد علي تشجيع الإنتاج وزيادة الصادرات وتخفيض فاتورة الواردات وجذب الاستثمارات وتوفير فرص عمل، وإعادة التوازن للاقتصاد ليسترد الاقتصاد عافيته بنهاية هذا العام. نقلاً عن صحيفة الرأي العام السودانية 9/9/2012م