ظلت شخصية الإنسان السوداني عصية الفهم لكل من يحاول سبر اغوارها لمعرفة مكنوناتها ،وكثير من السفراء الذين يعملون بالسودان يكتفون بالتعبير عن دهشتهم من بعض الصفات التي يتميز بها المسؤولون السودانيون من مختلف مكونات القوى السياسية تلك الحاكمة او التي تجلس على رصيف المعارضة ،فالدبلوماسيون يتعجبون من تباعد شقة الخلاف واحتدامه بين قيادات الحكومة والمعارضة وفي ذات الوقت تواصلهم الاجتماعي الحميم ،ومن قبل اصابة الحيرة الوسطاء الدوليين في نيفاشا من احتدام النقاش والتحاور نهارا بين وفدي الحكومة والحركة الشعبية وجلوس اعضاء الوفدين مساءا وهم يتبادلون القفشات والضحكات ، وهو الأمر ذاته الذي جعل دبلوماسياً قطرياً في مفاوضات الدوحة يقول (الزول السوداني غريب ) وذلك عندما شاهد العناق الحار بين قادة الوفد الحكومي والحركات المسلحة وزعماء الادارات الاهلية بالاقليم . وكما يقول البعض ان السياسي والدستوري في السودان يستطيع خلع عباءة السياسة عند الكثير من المواقف الاجتماعية والانسانية ،غير انه لايتنازل عن جلباب القيم السودانية من اجل السياسة ،وهنا تبرز عظمة مفهوم السوداناوية التي ينادي الكثيرون بان تسود ،واذا كان المراقبون يحفظون لرئيس الجمهورية مواقفه الاجتماعية المتفردة ويغضون الطرف عن مدى نجاح او فشل حكومته ،ذات الامر ينطبق على عدد من ولاة الولايات الذين يتهموننا كاعلام بتعمد النظر الى الجزء الفارغ من الكوب عبر التركيز على السلبيات وتجاوز الايجابيات والتي نرى انها واجب تفرضه الوظيفة التي يتقاضى عليها مخصصات من مال دافعي الضرائب ،بيد انه ومن خلال جولات (الصحافة ) في عدد من ولايات البلاد وقفت على الكثير من الجوانب المشرقة لولاة الولايات خاصة تلك المتعلقة بتعاملهم الانساني واجتماعياتهم وغيرها من جوانب تستحق القاء الضوء عليها ليس تقربا اليهم ولكن للتأكيد على ان الشخصية السودانية تظل كما الذهب تحافظ على بريقها في كل الاحوال والتقلبات الحياتية وتحتفظ بقيم وموروثات الاجداد ..وبعيدا عن عباءة السياسة والاداء التنفيذي رأينا ان ننقل بعض مشاهداتنا عن الجوانب الشخصية لعدد من الولاة .. كاشا ..حضور دائم والي جنوب دارفور عبد الحميد موسى كاشا او (كاشا الحربي) كما يحب ان يطلق عليه بعض الباعة المتجولين في حاضرة الولاية نيالا الذين يكنون له احتراماً كبيراً وذلك على اثر توجيهه من داخل السوق بعدم مضايقتهم من قبل سلطات المحلية ،يعتبر من أكثر الولاة الذين يحظون بمكانة كبيرة وسط قلوب المواطنين وذلك لانه يتبع اسلوباً سودانياً بحتاً في إدارة ولايته يقوم على التواجد في أي مكان ويتسم باتباع سياسة الحسم السريع للقضايا خاصة المتعلقة بالمواطنين ،وكثيرا ماشوهد وهو يرتجل عن عربته داخل السوق والاحياء لالقاء التحايا على تجمعات المواطنين ويفضل دائما سؤالهم عن القضايا التي تشغل بالهم ،ويذكر له مواطنو نيالا موقفاً وجد استحساناً كبيراً وذلك حينما كان عابرا بعربته وشاهد تجمعاً داخل السوق ففضل ان يتعرف على اسبابه وعندما اوقف عربته وتساءل ،جاءاته الافادة موضحة ان (التكاسة) محتجون على دفعهم لرسوم شهرية تبلغ ثلاثون جنيها دون ان تكون هناك خدمات مقدمة خاصة على صعيد الطرق وانهم يريدون معرفة أين تذهب هذه الاموال ؟ولم يتحرج الوالي من الموقف ولم يتصل بالشرطة لتفريغ التظاهرة بل طالب التكاسة بعدم الدفع حتى يعرفوا اين تذهب اموالهم واعلن عن تأييده لهم ،ولكاشا موقف انساني آخر تذكره نيالا باعجاب وذلك حينما طالب بايقاف قرار ارتداء البائعات في الاسواق (للجوارب والجوينتات ) وقال يومها مخاطبا جمعا (بيننا الآن وزيرة الرعاية الاجتماعية (زينب الربيع) وهي لاتردي (جوينتات وجوارب ) فهل تم ايقافها عن العمل ،وبخلاف ذلك يمتاز كاشا بالشجاعة فهو لايخشى الاقدام على خطوات عجز سابقيه على الاقدام عليها مثل زياراته لمعسكرات النازحين وجلوسه على الارض او (البرش) والاستماع لهم بانصات وصبر ،ويعتبر كاشا من اكثر الولاة رفضا للقبلية وكثيرا مايقول (الانتماء للسودان فخر ويجب ان يأتي دائما في المقدمة ) ،وعرف عن الرجل الكرم ومشاركة المواطنين افراحهم واتراحهم ،ويفضل ابن الضعين ارتداء الزي القومي السوداني دائما والدارفوري في بعض الحالات ومن المجيدين لركوب الخيل مثل اهله الرزيقات ،ويفضل دوما زيارة المواطنين في مناطقهم ويرفض ان تذبح له الزبائح وهو من انصار الاكلات الشعبية جميلة المذاق التي اشتهرت بها دارفور ،ويعتبر كاشا نسيجاً قائماً بذاته في التعامل الانساني ورغم انه يتولى اعباء ولاية ملتهبة دوما الا انه يمتاز بالتعامل الموضوعي مع مختلف القضايا . أحمد عباس ..الخط الساخن لوالي سنار أحمد عباس طريقة فريدة لمعرفة شؤون رعاياها ،حيث يعتبر ثاني اثنين من الولاة الذين يردون على كل الاتصالات الهاتفية حتى وإن كان لايعرف رقم المتصل وهاتفه يظل مشغولاً عقب صلاة المغرب حتى الثانية عشر ليلا بصورة متواصلة فما أن يفرغ من سماع شكوى من مواطن حتى يستقبل مكالمة اخرى من احد رعاياها ،وهذه الميزة غير موجودة في معظم الولاة الذين يمتلك بعضهم اكثر من رقم وهناك من لايرد الا على الارقام المدونة في هاتفه ،وآخرون يرد بالانابة عنهم السكرتيرون ،بل هناك والي لايعرف احد رقم هاتفه ،وعباس بخلاف بساطته في الحديث التي اخذها من اهل والده بالشمباتة في شرق سنار واهل والدته بالدندر ،يتصف بحرصه على الاجتماعيات والتواصل مع الجميع ويرفض دوما ابتعاث احد لينوب عنه خاصة في الوفيات التي تأخذ 80% من نشاطه الاجتماعي ويفضل الذهاب دون الحرس الشخصي ،ومثل غيره (يدفع ) في كشف المناسبات السعيدة والحزينة ويدون اسمه بيده في دفتر المناسبة ويكتب (أحمد عباس ..سنار ) والمبلغ ،ويعشق عباس الاستماع الى الفنان الراحل عثمان حسين ودائما يتمنى ان يحافظ الفنانون الشباب على ابداعات العمالقة وعدم تشويهها ،وعباس يشترك مع كاشا في البعد عن القبلية ويفضل دائما متابعة المشاريع بنفسه بعيدا عن التقارير ، يمتاز ايضا بالبرود وعدم الانفعال واذكر في حوار اجريته معه قلت له ان الشارع يتهمك بالثراء عبر تحويل وخصخصة مشاريع عامة لصالحك فلم يغضب واجاب ضاحكا (البقولوا ليهو سمين يقول آمين ) . ايلا ..وعشق البادية من اكثر الولاة اثارة للجدل ..مالايعرفه الكثيرون حوله انه عمل وزيرا اقليميا في عهد الديمقراطية الثالثة ثم مديرا لهيئة الموانئ البحرية ووزيرا اتحاديا لعشر سنوات بالطرق والسياحة واخيرا والي منذ 2005 للبحر الاحمر وهذا يعني انه ظل في السلطة لثلاث عقود متواصلة وهذه الميزة جعلته في نظر الكثيرين عاشقا للسلطة ،غير ان ايلا الانسان يبدو شخصية في غاية البساطة فهكذا يؤكد ابناؤه الثلاثة ،والرجل الذي زار 90 دولة حول العالم يعشق السياحة ويراهن على انها ستكون في يوم من الايام احدى دعومات الاقتصاد الوطني ولقناعاته الراسخة كثف كل جهده على تحويل بورتسودان الى عروس للبحر الاحمر حتى لقب بالوالي السياحي ،وايلا لايتحرج في تطبيق شعار ان الوقت الرسمي للعمل فقط ولايسمح بالاجتماعيات اثناء ساعات العمل الرسمية وهذه ميزة يفتقدها الكثير من الدستوريين بالسودان ،اما في المنزل يفضل عند المساء ان يلتقي كل من يطرق بابه ،ويمتاز ايلا بالطواف في ساعات متأخرة من الليل على انحاء بورتسودان ،ويقول كثيرون انه شوهد يدخل منازل فقراء في عدد من الاحياء الطرفية ،وايلا ايضا يفضل قيادة سيارته بنفسه خاصة عندما يتجول ببورتسودان ،ومن اكثر مايميزه عشقه للبادية والريف فهو لايكتفي بزيارة اهله في جبيت بل يتعدى الامر الى زيارات لقرى وسط الجبال ،ويجيد ايلا لغة البداويت التي يتحدث البجا ولايستعملها عند تواجد من لايجيدها احتراما له ،ويقول صديق مقرب له ان ايلا يخفي وراء شخصيته الرسمية الجادة شخصية اخرى موغلة في الانسانية والكرم والبساطة ،ونفى عنه تهمت التكبر وقال ان ايلا لايزال يزور عدد من معلميه الذين تلقى على يدهم تعليمه ويشير الى انه مستمع جيد للغناء خاصة وردي ومحمد الامين وغناء البجا . الشنبلي .. وأغاني الحماسة لايختلف والي النيل الابيض يوسف محمد نور الشنبلي كثيرا عن مواطني بحر ابيض الذين اشتهروا بالكرم والبشاشة ويعتبر اكثر الولاة سخاء تجاه الفقراء والمساكين وهو صاحب مال قبل ان يكون صاحب سلطة، فأسرته الكبيرة معروفة منذ القدم بممارسة التجارة ،والشنبلي يجمع الكثير من صفات الانسان السوداني فهو بحسب مقربين منه طيب القلب لايعرف الفجور في الخصومة بشهادة اعدائه قبل انصاره ،كما انه اجتماعي من الدرجة الاولى ورغم ان ولايته مترامية الاطراف الا انه يحرص على القيام بواجبه الاجتماعي دون ابطاء وتأخير،وعرف عنه الصدق وعدم قطع الوعود دون الايفاء بها ،وبعيدا عن السياسة للرجل علاقات واسعة مع شخصيات عادية وبسيطة ظل يحرص على التواصل معها رغم اعباء الوظيفة ،كما انه يفي بكلمته واذكر انني تأخرت عن موعد حوار تم تحديده من قبل مستشاره الاعلامي الدكتور محمد شيخ ادريس أكثر من ساعة لظرف طارئ وكان يومها متوجها للخرطوم لأمر طارئ غير انه انتظر وصولنا وطالبني بان اوجه ما اريد من اسئلة دون تحفظ واجاب عليها بكل صراحة ،والشنبلي يهوى الشعر العربي واغاني الحماسة التي تحرك دواخله كما انه يفضل ممارسة الرياضة.ولديه منزلان احدهما في حاضرة الولاية ربك وهو المنزل الحكومي والثاني في كوستي ملكه الخاص يستضيف فيه زواره وأهله . كرم الله ..التربالي اذا كان ايلا من عشاق البادية فوالي القضارف كرم الله عباس الشيخ من العاشقين للزراعة التي ظل لصيقا بها منذ العام 1978 حتى اضحى احد كبار المزارعين بالسودان ،ويفضل الرجل قضاء فترات طويلة بمشروعاته الزراعية ،وعندما كان رئيسا للمجلس التشريعي قبل سنوات كان يقضي اكثر من شهر وسط مزارعه ،مفضلا التواجد في مباني مصنوعة من المواد المحلية وسط المزارعين والعمال ويفضل تناول وجباتهم البلدية ،ويمتاز كرم الله ايضا بعلاقاته الاجتماعية الواسعة خاصة مع الشرائح البسيطة من مزارعين ورعاة ،وفي زياراته المتكررة للبطانة التي يعشقها يفضل ممارسة حياة البادية وكثيرا ماشوهد وهو يرعى الابل ويقوم بعملية (الحليب)، وشخصية الرجل التي يصفها البعض بالمتسرعة والعاشقة للخلافات خاصة في سوح العمل العام تختلف عن شخصية كرم الله المزارع فهو لايعرف العنصرية ويجاهر برأيه دون خوف ويخرج مافي جوفه بعيدا عن الدبلوماسية المعهودة في السياسيين. ويعتقد البعض ان الرجل بعيد عن العمل التنفيذي يتصف بالكثير من الصفات التي يعتبرونها طيبة كالسخاء والكرم وتقوى الله والحرص على التواصل والمشاركة في الاجتماعيات المختلفة ،ويمتاز ايضا بروح الدعابة والفكاهة وسرعة البديهة والتعليق على المواقف بسخرية . فتحي خليل وجامع دنقلا الكبير اكتسب والي الشمالية فتحي خليل من مهنة المحاماة الكثير من الصفات التي لم تفارقه وهو يجلس على كرسي الرجل الاول بالولاية ،والنظرية التي تشير الى ان السياسيين يطلقون الوعود ولايعملون على الايفاء بها لاتنطبق عليه وذلك لأنه يمتاز بالصراحة وهو من الولاة القلائل الذين يفضلون تعاطي الحقيقة دون لبس ،فعندما تطلب منه جهة او مواطنون دعماً او خدمة محددة يقابل ذلك بوضوح فاذا كان لايستطيع يجهر بذلك ولايطلق الوعود ،كما انه يمتاز باحترام الوقت ويشدد كثيرا على ضرورة الاستفادة منه وفي كثير من المناسبات الرسمية يحضر قبل الوزراء والدستوريين احتراما للموعد المحدد سلفا للمناسبة ،وخليل بخلاف صدقه وحرصه على الزمن يتعامل بتهذيب مع المواطنين والموظفين كما اشار احد طاقم مكتبه وقال ان الرجل لايعرف الانفعال ويكره الكذب ويرفض تبديد المال العام في غير اوجهه ،وفتحي متاح للمواطنين في منزله بدنقلا وحلفا القديمة ويفضل دائما الالتقاء بالمواطنين في جامع دنقلا الكبير في السوق ويستمع لملاحظاتهم وقضاياهم ،ويعتبر خليل من الولاة الذين تلاحقهم صفة النزاهة والامانة ،كما انه يشترك مع احمد عباس في صفة الرد على المكالمات الهاتفية المختلفة . زاكي الدين..المهاجم السابق تعتبر اسرة ميرغني زاكي الدين من كبريات الاسر بكردفان وتمثل علامة بارزة في حي القبة التي اتخذته موطنا منذ عقود طوال مضت ،واتصفت بنبوغ ابنائها ومن صلبها خرج المهندس الزراعي ووالي شمال كردفان معتصم ميرغني زاكي الدين الذي عرف بحبه لكرة القدم التي مارسها مهاجما بارعا في فريق الشاطئ سابقا والاتحاد حاليا ،وتمتاز اسرته بالتنوع الفكري والحزبي فشقيقه منصور رئيس حزب الأمة واخوه الزين امير امارة البديرية ولديه شقيق مهندس مدني وآخر مقدم في الطيران ،ومن الاسباب المباشرة التي قادته للجلوس على منصب الوالي اتصافه بالنزاهة وعفة اليد ،عطفا على انه رجل حقاني بشهادة مواطنين بالولاية ،كما يعتبر من الشخصيات التي تفضل عمل الخير واشتهر بتقديم مساعدات انسانية لعدد كبير من الاسر ،كما انه متحدث لبق ويعشق ارتياد وتعمير المساجد. اختلاف نختلف او نتفق في تقييم اداء بعض الولاة التنفيذي، ولكن تظل الحقيقة ان منهم من ظل يحافظ على موروثات وعادات الشعب السوداني ،وكما تمنى احدهم ان يمزج السياسيين العمل العام بقيم تميز الشعب السوداني ومستمدة من الدين الاسلامي كالصدق والنزاهة والايفاء بالوعود والتسامح نشاركه ذات الامنية حتى تحافظ الشخصية السودانية على مميزاتها النادرة والفريدة .