كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    الديوان الملكي السعودي: خادم الحرمين الشريفين يغادر المستشفى بعد استكمال الفحوصات الروتينية    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تقارير: القوات المتمردة تتأهب لهجوم في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلتي لأمريكا
نشر في الصحافة يوم 26 - 09 - 2011

كانت فرصة جيدة تلبية الدعوة التي وجهت لي من قبل جمعية الدراسات السودانية لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية، وتقديم ورقة حول الوحدة والانفصال في السودان، لقد كان هذا المؤتمر سانحة ممتازة للالتقاء بكوكبة من الباحثين السودانيين والأفارقة والأمريكان والمهتمين بالشأن السوداني، والتعرف على رؤاهم ووجهات نظرهم حول الموضوع المطروح أو مجمل القضايا الاجتماعية والثقافية والاجتماعية ببلادنا وتداخلاتها مع المنظومة الدولية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، ومعرفة المزاج السوداني هناك، خاصة أنها أصبحت قبلة لهجرة كثير من الأسر السودانية، ومدى مواءمتهم وتأقلمهم مع هذه المجتمعات أو نفرانهم منها. ولقد لاحظت اهتماماً دقيقا بقضايانا من هؤلاء المؤتمرين، وباعتبار أن السودان الحالي والقديم ظل يشكل في وجدانهم أنه أرض لأرقى الحضارات الإنسانية الأولى، وإذا كانت المجموعات الأثرية تأتي للسودان وتحفر داخل الأكوام وباطن الأرض لسبر أغوار هذه الحضارة، كذلك ينقب هؤلاء الأنثربولوجيون والأكاديميون داخل مكونات الشخصية السودانية المتفردة، ومكونات النسيج الاجتماعي السوداني، ولقد التأم هذا المؤتمر بجامعة ولاية أوهايو مدينة كولومبس، وكادت تطير آمالي بحضور المؤتمر نسبة للظروف المالية، لولا التزام من جانب رئيس الجمعية ريتشارد لوبان بدفع جزء من نفقات الإقامة من حساب الجمعية، على أنهم لن يستطيعوا أبداً المساهمة في تذكرة الطائرة، هكذا كانت نبراته واضحة معي عبر خط التليفون، وريتشارد لوبان وزوجته أمرهما عجباً فهما ظلا على علاقة بالسودان منذ السبعينيات، وهما عالمان أنثروبولوجيان، أعطيا نفسيهما اسمين سودانيين، فهو يلقب بعبد الفضيل الماظ «الرمز التاريخي المعروف لثورة 1924م» وأما زوجته كارولين فتلقب بمهيرة «بنت أحد ملوك الشايقية التي وقفت ضد الأتراك تحرض الرجال على القتال». وعنوان المؤتمر كان «قضايا الوحدة والانفصال بعد الاستفتاء في 2011م»، وتمت استضافة المؤتمر بواسطة شعبة الدراسات الإفريقية بجامعة ولاية أوهايو بمدينة كولومبس، وينبغي التفريق بين هذه الجامعة وجامعة أوهايو بمدينة أثينا، أو قرية أثينا كما يطلق عليها د. عبد الله عثمان الذي يعمل محاضراً بذات الجامعة، وبدأت فعاليات المؤتمر من يوم الخميس 12/5 إلى يوم الأحد 15/5/2011م، ولقد افتتح المؤتمر بواسطة عميد كلية القانون والفنون الذي تتبع له شعبة الدراسات الإفريقية، وتحدث كذلك رئيس قسم الدراسات الأمريكية الإفريقية، ولقد قدمهما وبشكل جيد د. كالتشي كالو النيجيري الشاب، وقدم لأعضاء الجمعية إيذاناً ببدء الفعالية، وكان هناك ازدحام في الأوراق وكثافة، وفي خلال 3 أيام تم تقديم حوالى ثلاثين ورقة وبحثاً ومحاضرة و7 جلسات غير البرامج التعريفية والترفيهية.
وتم فيها نقاش لمختلف جوانب القضية، والأبعاد التاريخية والاجتماعية والثقافية للصراع في السودان وإمكانية تحقيق سلام مستدام، قدمت فيها مجموعة من الأكاديميين من أمثال ريتشارد لوبان وجي أسبولدنق، وكارولين لوبان، وراندال فقل وتيرنس والز باحث مستقل، وجورج هاتك من جامعة بريستون، ومورتيز ميهاتش من جامعة أكسفورد، وريموند براون دبلوماسي سابق بالخارجية الأمريكية، والباحثتان كارولين فاريا وجينيفر اندرسون، ومن الجنوبيين شارك كل من د. ايكوبس بوقو من جامعة ولاية أوهايو، لاكو تونقن من كلية بترزر، وسام لاكي من الجامعة الوسطى وبثياه يونقو.
ومن شمال السودان قدمت أوراق كل من د. عبد الله جلاب، ومحمد القاضي، ومعتصم الشيخ ود. محمد عابدين من جامعة طوكيو، وعبده مختار موسى من جامعة أم درمان الإسلامية.
وقد قدمت ورقة يوم السبت 14/5/2011م وكانت تحت عنوان «الدولة الوطنية: بين التعددية وتقرير المصير أو التشرذم دولة السودان «نموذجاً» بين الوحدة والانفصال».
ولقد لاقت رواجاً ونقاشاً جيداً من قبل المؤتمرين، وتشعب النقاش بين الجانب التاريخي والسياسي لينتهي بمسائل الهوية، ولقد ناقش الحضور من الجنوبيين بهمة وحماس، وكذلك الدكتورة سعاد تاج السر و د. بقيع، خاصة فى موضوع السودانوية وجدلية الهوية والمواطنة. وبحق كانت فرصة ذهبية لنستمع لآرائهن ولآرائهم بعد طول غياب عن السودان ومواضيع الساعة والاحتكاك مع الاجيال الجديدة.
وبعد نهاية المؤتمر تجولت بعدة ولايات في العمق الأمريكي، بدءا بولاية أوهايو ونورث وساوث كارولينا، ثم كلورادو وتكساس ووست فرجينيا ونيويورك وواشنطون وبنسلفانيا وفرجينيا.
من أين تستمد أمريكا قوتها؟
مع نهاية الحرب الأهلية الأمريكية بدأت حالة من الاستقرار والازدهار التنموي تشهدها القارة الأمريكية الشمالية، وتمكن الرئيس إبراهام لنكولن من إنهاء عهود طويلة من الاسترقاق، وأعطيت الحقوق المدنية للسود مثلما هي للبيض، وتم تأسيس اتحاد الولايات الخمسين، القائم على الحكم الفدرالي، وأعطي لكل ولاية نظام تشريعي قد يختلف مع أية ولاية أخرى، وهذا الاختلاف أعطى حرية الحركة المطلوبة للتنقل من ولاية لأخرى والمرونة المطلوبة لإدارة الولاية، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، برزت الولايات المتحدة الأمريكية ذات النظام الفيدرالي الفريد للوجود بوصفها إمبراطورية عملاقة، وتمكن الأمريكيون من ربط كل الولايات بشبكة طرق وجسور وكبارٍ معلقة، وطرق قارية تربط بين كل الولايات التي بدأت بعشرين ولاية لتنتهي بخمسين ولاية تدخل الاتحاد الأمريكي، كما بدأ العمل في الطرق بوسائل تقليدية متواضعة وبسيطة وبل بدائية، وبدأوا من عشرينيات القرن الماضي العمل اليدوي وباستخدام الدواب، لينتهي الأمر باستخدام أرقى الوسائل من بلدوزرات وقاطعات للجبال وغيرها لتقوم هذه الشبكة الحديدية بين مجاهيل القارة، وكذلك بواسطة الطائرات التي تربط بين هذه الولايات، مما سهل التنقل والحركة بين الولايات، وفتح أسواقا للعمل ورواجاً للاستثمار، فإذا لم تجد عملاً هنا، يمكنك أن تجده هناك، وكذلك الحركة من أجل العلاج والتعليم وخاصة الجامعي وفوق الجامعي، وبل للتنزه والسياحة، وفعلا تعتبر السياحة مصدراً ومورداً مالياً مهماً، وأغلب السياح في أمريكا هم من الولايات المتحدة نفسها، وهم لضغوط العمل اليومي، يوظفون أيام إجازتهم الأسبوعية أو السنوية للسياحة والتجوال والزيارات بين الولايات، ويتميز الأمريكان بحبهم لبلادهم ومناطقها المختلفة مثل جبال الروكي في ولاية كلورادو، والشواطئ الدافئة في ميامي وفلوريدا وساوث كارولينا، والكونغرس والبيت الأبيض في واشنطون دي سي، والمدينة الخلابة نيويورك، وولايات الأسماك في ألاسكا، والترفيه في نيفادا ونيومكسيكو، وإذا كان حتى الأجانب مولعين بحب أمريكا والهجرة إليها فما بالك بالأمريكان.
وأضف إلى ذلك أن أمريكا يحكمها قانون تقوم عليه حقوق مواطنة متساوية وقوانين للعمل راسخة، فهناك موارد من الغابات والمعادن بل الأنهار، وتوفر المياه العذبة بصورة لا تجدها في أي مكان آخر في العالم، وكل هذه الأنهار تحمل أسماءً هندية، مثل نهر أوهايو وسياوة، وكلورادو ومسيسبي وميسوري، والجليد كذلك يعلو الجبال الشاهقة وسلسلة جبال الروكي التي تمتد إلى داخل الأراضي الكندية، ويبلغ ارتفاعها حوالى 15000 قدم فوق سطح البحر، وهي من المناطق التي تجذب السياح، وخاصة ممارسة التزحلق على الجليد، وركوب الخيول المروضة، ولهذا تعتبر جبال الروكي وولاية كلورادو من أكثر المناطق جذباً للسياحة، ونجد بها كل مقومات السياحة من حدائق ومطاعم وبقالات وكافتريات، وكل أنواع الرياض، من تزحلق وركوب خيل ولعبة الحبل والفولي والباسكيت وكرة القدم، حتى أنني وجدت لعبة جر الحبل وبنفس الطريقة التي كنا نقوم بها في السودان، وتقوم بها بعض العائلات هناك.
وأمريكا ونتيجة لهذه المياه العذبة الوفيرة، نجد أن بها أكبر موارد غابية، وممنوع قطع الأشجار الجائر وغيره، وبالرغم من أن لهم مصانع للأثاثات فإنهم يستوردون الأخشاب من كندا، ووسط هذه الغابات والحدائق الغناء نجد كل أنواع الحيوانات ترتع في هذا الجو المفعم بالخضرة والجمال، فنجد أبقار الوحش والأيائل والغزلان والأرانب وهي تسرح وتمرح إلى جانب السناجب.
ثقافة القانون والمؤسسة والعمل وحقوق المواطنة:
فإذا كانت للمجموعات الإنسانية أو حتى الدول أو الأفراد ثقافتها المميزة وخصوصيتها المتفردة التي تميزها عن الآخرين، فإن ما يميز الدولة الأمريكية والمواطن الأمريكي هو حكم القانون والليبرالية، وصار هناك حكم القانون والقيم الليبرالية هي الثقافة السائدة، ولكي تعيش في حالة من الاستقرار ولا شيء يعكر صفوك، ما عليك إلا الإلمام بفقرات القانون الحاكم، ومواكبة حركة المجتمع بروح ليبرالية والليبرالية LIBERATION تعني التحرر والانفتاح. وبالرغم من أن المجتمع الأمريكي يعتبر من أكثر المجتمعات محافظة ولكن يمكن اعتبار المجتمع الأمريكي مجتمعاً متنوعاً يتراوح من حيث قيم المحافظة أو اليبرالية، فقد تجد مجتمعات أقرب ما تكون للمجتمعات الشرقية وأخرى طابعها الانفتاح، وواحدة طابعها ثقافي، وكل شيء موجود، وسيادة حكم القانون والمؤسسة ارتبطا إلى حد كبير بالعمل وقوانينه، والقانون مرتبط بحياة الناس العملية، ولذا نجد أن أهم شيء هو العمل والوظيفة، وكل حياتهم مرتبطة بالعمل، وحتى حركتك وسكنك وفق مكان عملك، ولذا نجد قيم إحياء قيم العمل ومحاربة البطالة، بالرغم من استشرائها، وباتت خطراً يداهم المجتمع الأمريكي قاطبة، إلى جانب مكافحة المخدرات، مما يؤثر سلباً على ميزان الموضوعات الذي بلغ العجز فيه 1.1 تريليون دولار، مما يدفعهم للاستدانة الأمر الذي خلق الأزمة الأخيرة.
وكما ذكرت سابقاً فإن الدولة الأمريكية تحكم بالقانون الذي لا يميز بين البشر من حيث اللون أو العرق أو الدين أو الثقافة أو العنصر، أو المهنة أو المنصب، فالجميع سواسية أمام القانون، بل إننا نجد أن القانون يضع مواد عقوبات قاسية على الجرائم ضد النساء والأطفال، وخاصة قضايا كالتحرش والاعتداء الجنسي على النساء والقصر والقاصرات، وكما تأتي قضايا مثل إنجاب الأطفال غير الشرعيين ومحاولة ذويهم الهروب من مسؤولية تكاليف تربية الطفل، فنجد أنهم متى ما حدث اختلاف، فإن الوسيلة المستخدمة وهي فحص الحامض النووي DNA تعتبر وسيلة ناجحة ولا يتحدث بعدها متحدث ولا يغالط بعدها مغالط، وإنما يحسم الأمر تماماً، وكما يقال قطعت جهيزة قول كل خطيب، وجهيزة هنا هي الحامض النووي، ومن منا لا يتذكر قصة كلينتون ومونيكا، وفحص الحامض النووي متوفر في كل ركن، ويمكن القيام به بسهولة، ويا ريت هذه الوسيلة تستخدم في السودان ويتم توفيرها، لأنها وسيلة إثبات قانون وسند معضد.
كما أن العمل مرتبط بالقانون، ومهما كانت للشخص سوابق جنائية، أو كما نطلق عليه هنا «الفيش وسخان»، فإنه لا يستطيع العمل بتاتا في أية ولاية من الولايات إلا بشروط مهينة ومذلة، والعمل في أمريكا هو الذي يحدد للشخص مساراته ويحدد مكان سكنه وحركاته بناءً على مكان العمل، وتتوقف عليه معيشته، ولذا نجد المواطن الأمريكي يعمل ويعمل حتى يوم مماته، ولا راحة أبداً، ومن يوم الإثنين بداية الأسبوع إلى يوم الجمعة آخر الدوام، وينبغي أن ينام حوالى الساعة العاشرة مساءً حتى يستطيع أن يصل الى مكان عمله في التاسعة صباحاً، ولكن تبدأ الرحلات بين ليلة السبت وليلة الأحد من كل أسبوع، وتجدهم يجهزون عرباتهم للانطلاقة عبر القارة الأمريكية ولا يعودون إلا ليلة الإثنين ليبدأ أسبوع عمل جديد، وهذا للشخص الذي يعمل في القطاع العام أو الحكومة، أما العمل في القطاع الخاص فهو بالساعة، وبالرغم من أن إجازة الأحد هي إجازة عامة، لكن بعض الناس يعملون يوم الأحد لأنه متاح لهم العمل فقط يوم الأحد، والعمل بالساعة والعمل مجزٍ، وأي إنسان يدخل أمريكا ويتحصل على SOCIAL CARD يمكنه العمل، حتى وإن لم تكن له أية شهادات.
فأغلب الأعمال هي أعمال يدوية: عتالة، تعبئة، قيادة سيارات، ولذا فالعامل غالٍ جداً، وساعته تبدأ من 8 دولارات في الساعة إلى 15 دولاراً في الساعة، ولذا نجد كثيراً من الشركات الأمريكية تصنع بضائعها في الخارج وخاصة آسيا وجنوب شرق آسيا، نسبة لتدني الأجور هناك مقارنة بأمريكا.
كما نجد أن الشعب الأمريكي يحب العمل، وتجدهم دائما في حالة من الاجتهاد والكسب، وفي ذات الوقت يمتازون بالبساطة، فيمكن أن تجد مدير شركة ولكنه يرتدي تي شيرت ورداءً وسفنجة، وهذا عادي جداً، عكس الأوروبيين من حيث الهندام والمظهر، وإن اتفقوا جميعاً في احترامهم للمواعيد والالتزام الصارم.
أما الثقافة فأمرها عجب، فتكاد تكون الثقافة السائدة هى حكم القانون وحقوق المواطنة وحقوق العمل، وحقوق الإنسان عموماً، أي أن القانون والمؤسسة هي الثقافة السائدة، فنجد أن اللغة السائدة هى اللغة الإنجليزية الأمريكية، تنافسها اللغة الإسبانية التي تأتي في المرتبة الثانية، وإن بدأت بعض المؤسسات تعترف بذلك، ونجد كلمات لاتينية كثيرة في الشوارع واليافطات.
ومن حسنات الأمور هناك، تقام سنوياً احتفالات تسمى باسم المدن، ولقد حضرت احتفالاً في مدينة دايتون «المدينة التاريخية المعروفة التي تم فيها التوقيع على استسلام ألمانيا وإيطاليا ودول المحور» وبها متحف طيران وقاعدة جوية مشهورة، وحضرت احتفالاً هناك ضم دولاً وثقافات عالمية من حيث ثقافة الأكل والشرب، وثقافة الغناء والرقص والمسرح، ولقد استطاع العم محمد إبراهيم «من مقاصر» إقامة معرض نوبي رائع، فكان ملفتاً للنظر وجذب الانتباه، فالتحية له وهو مقيم بدايتون.
وفي أمريكا الثقافة السائدة هي ثقافة الموضة ومتابعة كل ما هو جديد، وبمعنى أشمل تسود القيم الليبرالية كما ذكرت آنفاً، ولذا نجد أن أغلب المشاهير من عالم السينما والغناء والموسيقى، ثم لاعبو كرة السلة، ومهندسو ميكروسوفت والطبقة الرأسمالية، ثم السياسيون، وبالرغم من أن الدولة قائمة على العلم فإن العلماء نجد دورهم دائماً في مؤسساتهم، اما في المجتمع فلا نجد لهم ذكراً، إلى جانب المشاهير ونجوم هوليوود والمغنين والمغنيات من أمثال «ريحانا» وهي مغنية وراقصة في ذات الوقت، ونجد رواجاً للراقصين وخاصة راقصات الإستربتيز، ويأخذون أجوراً عالية نسبياً، كما أن الفتيات يجدن فرصاً للعمل في الكباريهات والأندية الخاصة بهذا النوع من الرقص.
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هل تستمر أمريكا بهذه الوضعية وإلى متى؟ وما هي المؤثرات التي ساعدت أو تساعد في خلخلة بنية الدولة الأمريكية؟ يخيل لي من أكبر العوامل هو انتشار الجيش والمارينز والقوة الأمريكية في كل أنحاء العالم، وتدخلهم باستخدام القوة لفرض رؤاهم وهذا يكلفهم باهظاً، وإن كانوا يأخذون أضعافه، وأكثر ما يثير الشارع في أمريكا هو غلاء الأسعار، فالناس هناك يريدون أشياء جيدة وبأسعار زهيدة، وأية زيادة في سعر لتر الوقود حتى ولو بالسنت يخلف حالة من الهلع والذعر، فكل شيء محسوب لديهم وكل يريد أن يوزن راتبه حسب منصرفاته، ولأن الإنسان الأمريكي تقليدي ومحافظ فهو لا يقبل الجديد بسهولة، ولكي يتعايش معه يحتاج لزمن، والفرد الأمريكي نجده يحاول أن يحافظ على رتابة الحياة ويتبع طريقة أبويه.
وبالرغم من القيم الديمقراطية والليبرالية السائدة في الدولة والمجتمع الأمريكي، إلا أننا نجد أن المهاجرين قد أثروا على هذه الثقافة السائدة، وبالرغم من أن أمريكا قد كونها المهاجرون على حساب المجموعات الهندية التي حل محلها هؤلاء المهاجرون، إلا أن زيادة نسبة الهجرة كانت كبيرة خاصة من آسيا وأفريقيا، وهذه المجموعات تحمل رؤى وثقافات قد تكون مناقضة للواقع الأمريكي، ونجد في أمريكا أفراداً خاصة من الأصوليين الإسلاميين، من يلعن الأمريكان وقوانينهم ونمط حياتهم الليبرالي ذي الطابع المسيحي الذي يتعارض مع رؤيته السلفية والأصولية، فلذا نجد أن ضربة الحادي عشر من سبتمبر وتفجير برج التجارة تم من داخل أمريكا وليس من خارجها، وعليه فإن الهجرة الأخيرة سوف تجلب لهم كارثة، فنجد مثلاً أن اللوتراب وهذا مصطلح حديث، أولاً بعضهم لا مهنة له وتقنياً ضعيف، وهو يحمل قيماً مناقضة للمفاهيم السائدة في المجتمع الأمريكي، فإما أن يكبت هذه القيم وبالتالي يحدث انفصام في الشخصية، أو تتحول في العلن إلى تفجيرات للبنيات التحتية، وفي ذات الوقت بالرغم من الإمكانيات الواسعة من جامعات ومعاهد ومراكز استشارة وتطوير، فهؤلاء وبحكم أعمالهم بعيدون عن مراكز الاستشارة، وهم يذهبون للعمل وفي المساء يذهبون للمسجد لأداء الصلوات، وهناك يجدون من يثبت لهم رؤاهم السلفية، ويتفه لهم ما وصلت إليه الحضارة الغربية، وهكذا يستمر الحال إلى أن تحدث كارثة بفضل هذه القناعات التي لم تكلف الاستنارة الأمريكية نفسها لسبر أغوارها والتعامل معها بجدية.
السكان، الجغرافيا، التاريخ والاقتصاد:
تقع الولايات المتحدة الأمريكية بين المحيط الأطلنطي والمحيط الباسفيكي من الشرق والغرب، وتحدها كندا من الشمال والمكسيك من الجنوب، وروسيا من الغرب، وتبلغ مساحتها 3.79 مليون ميل مربع، ويقطنها حوالى 312 مليون نسمة من البشر، ولذا تعتبر هي الثالثة أو الرابعة عالمياً من حيث السكان ومن حيث المساحة، ولقد تم اكتشاف أمريكا بواسطة الرحالة الإسباني كريستوفر كولمبس عام 1492م الذي كان يقصد الهند فوجد نفسه في جزر جامايكا بأمريكا الوسطى، ليتوج الرحالة كوكوستادور اكتشافه بولاية فلوريدا بالجنوب ومن ثم أمريكا الشمالية عام 1513م، ولقد كان يسكنها سكان أصليون لمدة 12000 40000 سنة، ويعتقد أن سكان الاسكا قد هاجروا منذ ذلك التاريخ من آسيا، ولقد حازت على استقلالها من الإمبراطورية البريطانية 4 يوليو 1776م، وفي 17 سبتمبر 1787م بدأت تتبلور فكرة الاتحاد الفدرالي الحالي، وفي القرن التاسع عشر تم اعتماد ولاية فلوريدا من الجنوب سياسياً، وكذلك نيومكسيكو وكاليفورنيا، وبدأ العد التصاعدي للاتحاد حتى أخذت شكلها الحالي، خمسون ولاية فيدرالية، وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية وبحق الأنموذج المثالي للدولة الوطنية القائمة على الحدود الجغرافية السياسية وحكم القانون والمؤسسات الدستورية، والدولة التي تعتمد على الجيش والوطن والشرطة ولها علم ونشيد، وتعتمد حقوق المواطنة كأساس راسخ دستوري، ولذا فهي تعتبر أكبر دولة وطنية قطرية من حيث الموارد والمقومات، وبها ثروة غابية ضخمة وحيوانية ومائية، وبالرغم من أن الخمسين ولاية اتحادية مرتبطة ببعضها البعض بشبكة عملاقة للمواصلات والسكك الحديدية والطائرات والمطارات الضخمة، إلا أن هذه الطرق والجسور لم تؤثر على الغابات والغطاء النباتي، وكما هو واضح فإنهم يعملون بخطط ومنهج مدروس في مسألة البنيات التحتية، فالغابات والحدائق الخضراء موجودة جنباً إلى جنب مع الطرق السريعة المعروفة بأرقامها المميزة من الجنوب إلى الشمال، أو من الشرق إلى الغرب بطرق قارية، إلى جانب التوصيلات المختلفة من مياه وكهرباء وغيرها، ولا ننسى الموارد المائية في أمريكا، حيث تتوفر المياه العذبة من الأنهار التي تأخذ أسماءً هندية بدءاً من أوهايو وكلورادو ومسيسبي، وبذوبان الجليد من تلك الارتفاعات الشاهقة تسيل المياه عذبة. وبوجود هذه الشبكات من المواصلات لك الخيار إن كنت تريد بصاً أم قطاراً أو طائرة، ففي رحلة تعتبر قصيرة من كولومبس أوهايو إلى نورث كارولينا مثلاً، بالبص تمر على حوالى خمس ولايات، ويأخذ البص حوالى 12ساعة يبدأها من أوهايو مروراً بوست فرجينيا وثم كنتاكي أو بنسلفانيا ثم تنتهي إلى نورث كارولينا، وقطع ولاية واحدة حسب الحجم قد يكون 4 ساعات أو 6 ساعات، ومثال آخر وهذه المرة بالطائرة، حيث نجد أن الخطوط الداخلية للطيران مثل الولايات المتحدة للطيران أو أمريكا للطيران أو ناسا، فرحلة من شارلوت بنورث كارولينا بالجنوب الشرقي إلى دنفر بولاية كلورادو بالغرب مرتفعات جبال الروكي تستغرق حوالي 4 ساعات ونصف الساعة تقطع فيها الطائرة سهولاً من ولاية مثل تنسي وتكساس لتدخل مرتفعات جبال الروكي بفلوريدا، ويمكن أن تأخذ 10 ساعات إلى الاسكا في أقصى الشمال.
وكما ذكرت سابقاً فإن أكبر المؤثرات على الاقتصاد الأمريكي هبوط وصعود البترول وسوق البترول وسوق العمل، فبالرغم من الاحتياط النفطي الضخم بها فإنها تحتاج لاستيراد الوقود والطاقة، حتى أن أغلب الحروب التي تدخل فيها هي بسبب الوقود، واعتمادهم الكلى على الوقود، وثانياً على سوق العمل، وتهدد البطالة الولايات المتحدة الأمريكية، لأن الدولة تدعم العاطلين عن العمل والعجزة وأصحاب المعاشات، وكما ذكرت سابقاً فإن العجز في الميزانية الأمريكية بلغ 1.1 تريليون دولار «تريليون ومائة ألف مليون دولار»، ولقد عايشت وقائع وإحداثيات أزمة الديون الأمريكية، فالرئيس أوباما ومن معه الديمقراطيون يريدون منه رفع سقف الاستدانة لإنعاش الاقتصاد الأمريكي وتخفيف الضغط، والجمهوريون يرفضون ذلك البتة ويستغلون فرصة أن الأغلبية لهم في مجلس النواب، والرئيس بدأ سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية خاصة في مجال البنيات التحتية وتحديث شبكة الطرق، وما لم تتم الاستدانة هذه فمن الصعب إنجاز هذه المهام، وبالفعل صدر قرار الاستدانة وفق شروط صعبة.
كما يعتبر التنوع المناخي والتضاريس مصدر ثراء كما هو الحال للمجموعات السكانية، فالولايات المتحدة الأمريكية يبدأ مناخها الاستوائي من الجنوب في ولايات مثل فلوريدا وأريزونا، وهناك مناخات صحراوية كما في نيفادا، ومناخات جليدية كما في ألاسكا وكلورادو والشمال عموماً، وتتراوح وفقاً لذلك التضاريس من جبال الروكي الشهيرة التي تصل بينها وبين كندا، وهناك الصحراء في الوسط، والبحار التي تضم القارة والبحيرات الخمس، ومجموعة الأنهار المعروفة كالمسيسبي وكلورادو وأوهايو والمسيسبي بولاية ميسوري فهو من الأنهار الخطرة الذي يسبب كثيراً من الكوارث والفيضانات في المنطقة، وكما أن هناك إعصاراً مثل الذي يسمونه المفرمة لأنه يفرم الأشياء مثل الأشجار والبيوت وغيرها.
إذن أمريكا تتنوع تضاريسها ومناخاتها مثلما تتعدد قومياتها وشعوبها، ولكن يحكمها قانون واحد، ومواطنة واحدة. وهذا الحديث غيض من فيض، ورغم كثرته إلا إن هناك جوانب لم يغطها ويظل إشارات حسب تجربتى المتواضعة، وبانتظار من هو أكثر الماما مني ومتبحر فى شؤون هذه القارة العملاقة التى لا تنتهي عجائبها.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.