المريخ يكرم القائم بالأعمال و شخصيات ومؤسسات موريتانية تقديرًا لحسن الضيافة    مجلس إدارة جديد لنادي الرابطة كوستي    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    خطوة مثيرة لمصابي ميليشيا الدعم السريع    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    برمجة دوري ربك بعد الفصل في الشكاوي    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    شاهد بالصورة.. السلطانة هدى عربي تخطف الأضواء بإطلالة مميزة مع والدتها    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    رئيس مجلس السيادة يلتقي السفير الفلسطيني بمناسبة إنتهاء فترة عمله بالسودان    "مصر وسوريا".. إدارة ترامب تدرس إضافة 36 دولة إلى قائمة حظر السفر بينها دول عربية    توجيه عاجل لرئيس الوزراء السوداني    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    وصول 335 من المبعدين لدنقلا جراء أحداث منطقة المثلث الحدودية    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    ترامب يبلغ نتنياهو باحتمال انضمام أمريكا إلى العملية العسكرية ضد إيران    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    كيف أدخلت إسرائيل المسيرات إلى قلب إيران؟    مدرب المريخ يصل الي القاهرة    خلال ساعات.. مهمة منتظرة لمدرب المريخ    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    تنفيذ حكم إعدام في السعودية يثير جدلاً واسعًا    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    معركة جديدة بين ليفربول وبايرن بسبب صلاح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    شاهد بالفيديو.. الفنانة إنصاف مدني تثير ضجة غير مسبوقة: (ميادة قمر الدين تملك جنبات وصلب وشطرنج دايرة ليها راجل بس) والجمهور: (شكلك كترتي من الشربوت)    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    تفاصيل اللحظات الأخيرة لأستاذ جامعي سعودي قتله عامل توصيل مصري    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    مسؤول سوداني يطلق دعوة للتجار بشأن الأضحية    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    علامات خفية لنقص المغنيسيوم.. لا تتجاهلها    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلتي لأمريكا
نشر في الصحافة يوم 26 - 09 - 2011

كانت فرصة جيدة تلبية الدعوة التي وجهت لي من قبل جمعية الدراسات السودانية لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية، وتقديم ورقة حول الوحدة والانفصال في السودان، لقد كان هذا المؤتمر سانحة ممتازة للالتقاء بكوكبة من الباحثين السودانيين والأفارقة والأمريكان والمهتمين بالشأن السوداني، والتعرف على رؤاهم ووجهات نظرهم حول الموضوع المطروح أو مجمل القضايا الاجتماعية والثقافية والاجتماعية ببلادنا وتداخلاتها مع المنظومة الدولية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، ومعرفة المزاج السوداني هناك، خاصة أنها أصبحت قبلة لهجرة كثير من الأسر السودانية، ومدى مواءمتهم وتأقلمهم مع هذه المجتمعات أو نفرانهم منها. ولقد لاحظت اهتماماً دقيقا بقضايانا من هؤلاء المؤتمرين، وباعتبار أن السودان الحالي والقديم ظل يشكل في وجدانهم أنه أرض لأرقى الحضارات الإنسانية الأولى، وإذا كانت المجموعات الأثرية تأتي للسودان وتحفر داخل الأكوام وباطن الأرض لسبر أغوار هذه الحضارة، كذلك ينقب هؤلاء الأنثربولوجيون والأكاديميون داخل مكونات الشخصية السودانية المتفردة، ومكونات النسيج الاجتماعي السوداني، ولقد التأم هذا المؤتمر بجامعة ولاية أوهايو مدينة كولومبس، وكادت تطير آمالي بحضور المؤتمر نسبة للظروف المالية، لولا التزام من جانب رئيس الجمعية ريتشارد لوبان بدفع جزء من نفقات الإقامة من حساب الجمعية، على أنهم لن يستطيعوا أبداً المساهمة في تذكرة الطائرة، هكذا كانت نبراته واضحة معي عبر خط التليفون، وريتشارد لوبان وزوجته أمرهما عجباً فهما ظلا على علاقة بالسودان منذ السبعينيات، وهما عالمان أنثروبولوجيان، أعطيا نفسيهما اسمين سودانيين، فهو يلقب بعبد الفضيل الماظ «الرمز التاريخي المعروف لثورة 1924م» وأما زوجته كارولين فتلقب بمهيرة «بنت أحد ملوك الشايقية التي وقفت ضد الأتراك تحرض الرجال على القتال». وعنوان المؤتمر كان «قضايا الوحدة والانفصال بعد الاستفتاء في 2011م»، وتمت استضافة المؤتمر بواسطة شعبة الدراسات الإفريقية بجامعة ولاية أوهايو بمدينة كولومبس، وينبغي التفريق بين هذه الجامعة وجامعة أوهايو بمدينة أثينا، أو قرية أثينا كما يطلق عليها د. عبد الله عثمان الذي يعمل محاضراً بذات الجامعة، وبدأت فعاليات المؤتمر من يوم الخميس 12/5 إلى يوم الأحد 15/5/2011م، ولقد افتتح المؤتمر بواسطة عميد كلية القانون والفنون الذي تتبع له شعبة الدراسات الإفريقية، وتحدث كذلك رئيس قسم الدراسات الأمريكية الإفريقية، ولقد قدمهما وبشكل جيد د. كالتشي كالو النيجيري الشاب، وقدم لأعضاء الجمعية إيذاناً ببدء الفعالية، وكان هناك ازدحام في الأوراق وكثافة، وفي خلال 3 أيام تم تقديم حوالى ثلاثين ورقة وبحثاً ومحاضرة و7 جلسات غير البرامج التعريفية والترفيهية.
وتم فيها نقاش لمختلف جوانب القضية، والأبعاد التاريخية والاجتماعية والثقافية للصراع في السودان وإمكانية تحقيق سلام مستدام، قدمت فيها مجموعة من الأكاديميين من أمثال ريتشارد لوبان وجي أسبولدنق، وكارولين لوبان، وراندال فقل وتيرنس والز باحث مستقل، وجورج هاتك من جامعة بريستون، ومورتيز ميهاتش من جامعة أكسفورد، وريموند براون دبلوماسي سابق بالخارجية الأمريكية، والباحثتان كارولين فاريا وجينيفر اندرسون، ومن الجنوبيين شارك كل من د. ايكوبس بوقو من جامعة ولاية أوهايو، لاكو تونقن من كلية بترزر، وسام لاكي من الجامعة الوسطى وبثياه يونقو.
ومن شمال السودان قدمت أوراق كل من د. عبد الله جلاب، ومحمد القاضي، ومعتصم الشيخ ود. محمد عابدين من جامعة طوكيو، وعبده مختار موسى من جامعة أم درمان الإسلامية.
وقد قدمت ورقة يوم السبت 14/5/2011م وكانت تحت عنوان «الدولة الوطنية: بين التعددية وتقرير المصير أو التشرذم دولة السودان «نموذجاً» بين الوحدة والانفصال».
ولقد لاقت رواجاً ونقاشاً جيداً من قبل المؤتمرين، وتشعب النقاش بين الجانب التاريخي والسياسي لينتهي بمسائل الهوية، ولقد ناقش الحضور من الجنوبيين بهمة وحماس، وكذلك الدكتورة سعاد تاج السر و د. بقيع، خاصة فى موضوع السودانوية وجدلية الهوية والمواطنة. وبحق كانت فرصة ذهبية لنستمع لآرائهن ولآرائهم بعد طول غياب عن السودان ومواضيع الساعة والاحتكاك مع الاجيال الجديدة.
وبعد نهاية المؤتمر تجولت بعدة ولايات في العمق الأمريكي، بدءا بولاية أوهايو ونورث وساوث كارولينا، ثم كلورادو وتكساس ووست فرجينيا ونيويورك وواشنطون وبنسلفانيا وفرجينيا.
من أين تستمد أمريكا قوتها؟
مع نهاية الحرب الأهلية الأمريكية بدأت حالة من الاستقرار والازدهار التنموي تشهدها القارة الأمريكية الشمالية، وتمكن الرئيس إبراهام لنكولن من إنهاء عهود طويلة من الاسترقاق، وأعطيت الحقوق المدنية للسود مثلما هي للبيض، وتم تأسيس اتحاد الولايات الخمسين، القائم على الحكم الفدرالي، وأعطي لكل ولاية نظام تشريعي قد يختلف مع أية ولاية أخرى، وهذا الاختلاف أعطى حرية الحركة المطلوبة للتنقل من ولاية لأخرى والمرونة المطلوبة لإدارة الولاية، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، برزت الولايات المتحدة الأمريكية ذات النظام الفيدرالي الفريد للوجود بوصفها إمبراطورية عملاقة، وتمكن الأمريكيون من ربط كل الولايات بشبكة طرق وجسور وكبارٍ معلقة، وطرق قارية تربط بين كل الولايات التي بدأت بعشرين ولاية لتنتهي بخمسين ولاية تدخل الاتحاد الأمريكي، كما بدأ العمل في الطرق بوسائل تقليدية متواضعة وبسيطة وبل بدائية، وبدأوا من عشرينيات القرن الماضي العمل اليدوي وباستخدام الدواب، لينتهي الأمر باستخدام أرقى الوسائل من بلدوزرات وقاطعات للجبال وغيرها لتقوم هذه الشبكة الحديدية بين مجاهيل القارة، وكذلك بواسطة الطائرات التي تربط بين هذه الولايات، مما سهل التنقل والحركة بين الولايات، وفتح أسواقا للعمل ورواجاً للاستثمار، فإذا لم تجد عملاً هنا، يمكنك أن تجده هناك، وكذلك الحركة من أجل العلاج والتعليم وخاصة الجامعي وفوق الجامعي، وبل للتنزه والسياحة، وفعلا تعتبر السياحة مصدراً ومورداً مالياً مهماً، وأغلب السياح في أمريكا هم من الولايات المتحدة نفسها، وهم لضغوط العمل اليومي، يوظفون أيام إجازتهم الأسبوعية أو السنوية للسياحة والتجوال والزيارات بين الولايات، ويتميز الأمريكان بحبهم لبلادهم ومناطقها المختلفة مثل جبال الروكي في ولاية كلورادو، والشواطئ الدافئة في ميامي وفلوريدا وساوث كارولينا، والكونغرس والبيت الأبيض في واشنطون دي سي، والمدينة الخلابة نيويورك، وولايات الأسماك في ألاسكا، والترفيه في نيفادا ونيومكسيكو، وإذا كان حتى الأجانب مولعين بحب أمريكا والهجرة إليها فما بالك بالأمريكان.
وأضف إلى ذلك أن أمريكا يحكمها قانون تقوم عليه حقوق مواطنة متساوية وقوانين للعمل راسخة، فهناك موارد من الغابات والمعادن بل الأنهار، وتوفر المياه العذبة بصورة لا تجدها في أي مكان آخر في العالم، وكل هذه الأنهار تحمل أسماءً هندية، مثل نهر أوهايو وسياوة، وكلورادو ومسيسبي وميسوري، والجليد كذلك يعلو الجبال الشاهقة وسلسلة جبال الروكي التي تمتد إلى داخل الأراضي الكندية، ويبلغ ارتفاعها حوالى 15000 قدم فوق سطح البحر، وهي من المناطق التي تجذب السياح، وخاصة ممارسة التزحلق على الجليد، وركوب الخيول المروضة، ولهذا تعتبر جبال الروكي وولاية كلورادو من أكثر المناطق جذباً للسياحة، ونجد بها كل مقومات السياحة من حدائق ومطاعم وبقالات وكافتريات، وكل أنواع الرياض، من تزحلق وركوب خيل ولعبة الحبل والفولي والباسكيت وكرة القدم، حتى أنني وجدت لعبة جر الحبل وبنفس الطريقة التي كنا نقوم بها في السودان، وتقوم بها بعض العائلات هناك.
وأمريكا ونتيجة لهذه المياه العذبة الوفيرة، نجد أن بها أكبر موارد غابية، وممنوع قطع الأشجار الجائر وغيره، وبالرغم من أن لهم مصانع للأثاثات فإنهم يستوردون الأخشاب من كندا، ووسط هذه الغابات والحدائق الغناء نجد كل أنواع الحيوانات ترتع في هذا الجو المفعم بالخضرة والجمال، فنجد أبقار الوحش والأيائل والغزلان والأرانب وهي تسرح وتمرح إلى جانب السناجب.
ثقافة القانون والمؤسسة والعمل وحقوق المواطنة:
فإذا كانت للمجموعات الإنسانية أو حتى الدول أو الأفراد ثقافتها المميزة وخصوصيتها المتفردة التي تميزها عن الآخرين، فإن ما يميز الدولة الأمريكية والمواطن الأمريكي هو حكم القانون والليبرالية، وصار هناك حكم القانون والقيم الليبرالية هي الثقافة السائدة، ولكي تعيش في حالة من الاستقرار ولا شيء يعكر صفوك، ما عليك إلا الإلمام بفقرات القانون الحاكم، ومواكبة حركة المجتمع بروح ليبرالية والليبرالية LIBERATION تعني التحرر والانفتاح. وبالرغم من أن المجتمع الأمريكي يعتبر من أكثر المجتمعات محافظة ولكن يمكن اعتبار المجتمع الأمريكي مجتمعاً متنوعاً يتراوح من حيث قيم المحافظة أو اليبرالية، فقد تجد مجتمعات أقرب ما تكون للمجتمعات الشرقية وأخرى طابعها الانفتاح، وواحدة طابعها ثقافي، وكل شيء موجود، وسيادة حكم القانون والمؤسسة ارتبطا إلى حد كبير بالعمل وقوانينه، والقانون مرتبط بحياة الناس العملية، ولذا نجد أن أهم شيء هو العمل والوظيفة، وكل حياتهم مرتبطة بالعمل، وحتى حركتك وسكنك وفق مكان عملك، ولذا نجد قيم إحياء قيم العمل ومحاربة البطالة، بالرغم من استشرائها، وباتت خطراً يداهم المجتمع الأمريكي قاطبة، إلى جانب مكافحة المخدرات، مما يؤثر سلباً على ميزان الموضوعات الذي بلغ العجز فيه 1.1 تريليون دولار، مما يدفعهم للاستدانة الأمر الذي خلق الأزمة الأخيرة.
وكما ذكرت سابقاً فإن الدولة الأمريكية تحكم بالقانون الذي لا يميز بين البشر من حيث اللون أو العرق أو الدين أو الثقافة أو العنصر، أو المهنة أو المنصب، فالجميع سواسية أمام القانون، بل إننا نجد أن القانون يضع مواد عقوبات قاسية على الجرائم ضد النساء والأطفال، وخاصة قضايا كالتحرش والاعتداء الجنسي على النساء والقصر والقاصرات، وكما تأتي قضايا مثل إنجاب الأطفال غير الشرعيين ومحاولة ذويهم الهروب من مسؤولية تكاليف تربية الطفل، فنجد أنهم متى ما حدث اختلاف، فإن الوسيلة المستخدمة وهي فحص الحامض النووي DNA تعتبر وسيلة ناجحة ولا يتحدث بعدها متحدث ولا يغالط بعدها مغالط، وإنما يحسم الأمر تماماً، وكما يقال قطعت جهيزة قول كل خطيب، وجهيزة هنا هي الحامض النووي، ومن منا لا يتذكر قصة كلينتون ومونيكا، وفحص الحامض النووي متوفر في كل ركن، ويمكن القيام به بسهولة، ويا ريت هذه الوسيلة تستخدم في السودان ويتم توفيرها، لأنها وسيلة إثبات قانون وسند معضد.
كما أن العمل مرتبط بالقانون، ومهما كانت للشخص سوابق جنائية، أو كما نطلق عليه هنا «الفيش وسخان»، فإنه لا يستطيع العمل بتاتا في أية ولاية من الولايات إلا بشروط مهينة ومذلة، والعمل في أمريكا هو الذي يحدد للشخص مساراته ويحدد مكان سكنه وحركاته بناءً على مكان العمل، وتتوقف عليه معيشته، ولذا نجد المواطن الأمريكي يعمل ويعمل حتى يوم مماته، ولا راحة أبداً، ومن يوم الإثنين بداية الأسبوع إلى يوم الجمعة آخر الدوام، وينبغي أن ينام حوالى الساعة العاشرة مساءً حتى يستطيع أن يصل الى مكان عمله في التاسعة صباحاً، ولكن تبدأ الرحلات بين ليلة السبت وليلة الأحد من كل أسبوع، وتجدهم يجهزون عرباتهم للانطلاقة عبر القارة الأمريكية ولا يعودون إلا ليلة الإثنين ليبدأ أسبوع عمل جديد، وهذا للشخص الذي يعمل في القطاع العام أو الحكومة، أما العمل في القطاع الخاص فهو بالساعة، وبالرغم من أن إجازة الأحد هي إجازة عامة، لكن بعض الناس يعملون يوم الأحد لأنه متاح لهم العمل فقط يوم الأحد، والعمل بالساعة والعمل مجزٍ، وأي إنسان يدخل أمريكا ويتحصل على SOCIAL CARD يمكنه العمل، حتى وإن لم تكن له أية شهادات.
فأغلب الأعمال هي أعمال يدوية: عتالة، تعبئة، قيادة سيارات، ولذا فالعامل غالٍ جداً، وساعته تبدأ من 8 دولارات في الساعة إلى 15 دولاراً في الساعة، ولذا نجد كثيراً من الشركات الأمريكية تصنع بضائعها في الخارج وخاصة آسيا وجنوب شرق آسيا، نسبة لتدني الأجور هناك مقارنة بأمريكا.
كما نجد أن الشعب الأمريكي يحب العمل، وتجدهم دائما في حالة من الاجتهاد والكسب، وفي ذات الوقت يمتازون بالبساطة، فيمكن أن تجد مدير شركة ولكنه يرتدي تي شيرت ورداءً وسفنجة، وهذا عادي جداً، عكس الأوروبيين من حيث الهندام والمظهر، وإن اتفقوا جميعاً في احترامهم للمواعيد والالتزام الصارم.
أما الثقافة فأمرها عجب، فتكاد تكون الثقافة السائدة هى حكم القانون وحقوق المواطنة وحقوق العمل، وحقوق الإنسان عموماً، أي أن القانون والمؤسسة هي الثقافة السائدة، فنجد أن اللغة السائدة هى اللغة الإنجليزية الأمريكية، تنافسها اللغة الإسبانية التي تأتي في المرتبة الثانية، وإن بدأت بعض المؤسسات تعترف بذلك، ونجد كلمات لاتينية كثيرة في الشوارع واليافطات.
ومن حسنات الأمور هناك، تقام سنوياً احتفالات تسمى باسم المدن، ولقد حضرت احتفالاً في مدينة دايتون «المدينة التاريخية المعروفة التي تم فيها التوقيع على استسلام ألمانيا وإيطاليا ودول المحور» وبها متحف طيران وقاعدة جوية مشهورة، وحضرت احتفالاً هناك ضم دولاً وثقافات عالمية من حيث ثقافة الأكل والشرب، وثقافة الغناء والرقص والمسرح، ولقد استطاع العم محمد إبراهيم «من مقاصر» إقامة معرض نوبي رائع، فكان ملفتاً للنظر وجذب الانتباه، فالتحية له وهو مقيم بدايتون.
وفي أمريكا الثقافة السائدة هي ثقافة الموضة ومتابعة كل ما هو جديد، وبمعنى أشمل تسود القيم الليبرالية كما ذكرت آنفاً، ولذا نجد أن أغلب المشاهير من عالم السينما والغناء والموسيقى، ثم لاعبو كرة السلة، ومهندسو ميكروسوفت والطبقة الرأسمالية، ثم السياسيون، وبالرغم من أن الدولة قائمة على العلم فإن العلماء نجد دورهم دائماً في مؤسساتهم، اما في المجتمع فلا نجد لهم ذكراً، إلى جانب المشاهير ونجوم هوليوود والمغنين والمغنيات من أمثال «ريحانا» وهي مغنية وراقصة في ذات الوقت، ونجد رواجاً للراقصين وخاصة راقصات الإستربتيز، ويأخذون أجوراً عالية نسبياً، كما أن الفتيات يجدن فرصاً للعمل في الكباريهات والأندية الخاصة بهذا النوع من الرقص.
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هل تستمر أمريكا بهذه الوضعية وإلى متى؟ وما هي المؤثرات التي ساعدت أو تساعد في خلخلة بنية الدولة الأمريكية؟ يخيل لي من أكبر العوامل هو انتشار الجيش والمارينز والقوة الأمريكية في كل أنحاء العالم، وتدخلهم باستخدام القوة لفرض رؤاهم وهذا يكلفهم باهظاً، وإن كانوا يأخذون أضعافه، وأكثر ما يثير الشارع في أمريكا هو غلاء الأسعار، فالناس هناك يريدون أشياء جيدة وبأسعار زهيدة، وأية زيادة في سعر لتر الوقود حتى ولو بالسنت يخلف حالة من الهلع والذعر، فكل شيء محسوب لديهم وكل يريد أن يوزن راتبه حسب منصرفاته، ولأن الإنسان الأمريكي تقليدي ومحافظ فهو لا يقبل الجديد بسهولة، ولكي يتعايش معه يحتاج لزمن، والفرد الأمريكي نجده يحاول أن يحافظ على رتابة الحياة ويتبع طريقة أبويه.
وبالرغم من القيم الديمقراطية والليبرالية السائدة في الدولة والمجتمع الأمريكي، إلا أننا نجد أن المهاجرين قد أثروا على هذه الثقافة السائدة، وبالرغم من أن أمريكا قد كونها المهاجرون على حساب المجموعات الهندية التي حل محلها هؤلاء المهاجرون، إلا أن زيادة نسبة الهجرة كانت كبيرة خاصة من آسيا وأفريقيا، وهذه المجموعات تحمل رؤى وثقافات قد تكون مناقضة للواقع الأمريكي، ونجد في أمريكا أفراداً خاصة من الأصوليين الإسلاميين، من يلعن الأمريكان وقوانينهم ونمط حياتهم الليبرالي ذي الطابع المسيحي الذي يتعارض مع رؤيته السلفية والأصولية، فلذا نجد أن ضربة الحادي عشر من سبتمبر وتفجير برج التجارة تم من داخل أمريكا وليس من خارجها، وعليه فإن الهجرة الأخيرة سوف تجلب لهم كارثة، فنجد مثلاً أن اللوتراب وهذا مصطلح حديث، أولاً بعضهم لا مهنة له وتقنياً ضعيف، وهو يحمل قيماً مناقضة للمفاهيم السائدة في المجتمع الأمريكي، فإما أن يكبت هذه القيم وبالتالي يحدث انفصام في الشخصية، أو تتحول في العلن إلى تفجيرات للبنيات التحتية، وفي ذات الوقت بالرغم من الإمكانيات الواسعة من جامعات ومعاهد ومراكز استشارة وتطوير، فهؤلاء وبحكم أعمالهم بعيدون عن مراكز الاستشارة، وهم يذهبون للعمل وفي المساء يذهبون للمسجد لأداء الصلوات، وهناك يجدون من يثبت لهم رؤاهم السلفية، ويتفه لهم ما وصلت إليه الحضارة الغربية، وهكذا يستمر الحال إلى أن تحدث كارثة بفضل هذه القناعات التي لم تكلف الاستنارة الأمريكية نفسها لسبر أغوارها والتعامل معها بجدية.
السكان، الجغرافيا، التاريخ والاقتصاد:
تقع الولايات المتحدة الأمريكية بين المحيط الأطلنطي والمحيط الباسفيكي من الشرق والغرب، وتحدها كندا من الشمال والمكسيك من الجنوب، وروسيا من الغرب، وتبلغ مساحتها 3.79 مليون ميل مربع، ويقطنها حوالى 312 مليون نسمة من البشر، ولذا تعتبر هي الثالثة أو الرابعة عالمياً من حيث السكان ومن حيث المساحة، ولقد تم اكتشاف أمريكا بواسطة الرحالة الإسباني كريستوفر كولمبس عام 1492م الذي كان يقصد الهند فوجد نفسه في جزر جامايكا بأمريكا الوسطى، ليتوج الرحالة كوكوستادور اكتشافه بولاية فلوريدا بالجنوب ومن ثم أمريكا الشمالية عام 1513م، ولقد كان يسكنها سكان أصليون لمدة 12000 40000 سنة، ويعتقد أن سكان الاسكا قد هاجروا منذ ذلك التاريخ من آسيا، ولقد حازت على استقلالها من الإمبراطورية البريطانية 4 يوليو 1776م، وفي 17 سبتمبر 1787م بدأت تتبلور فكرة الاتحاد الفدرالي الحالي، وفي القرن التاسع عشر تم اعتماد ولاية فلوريدا من الجنوب سياسياً، وكذلك نيومكسيكو وكاليفورنيا، وبدأ العد التصاعدي للاتحاد حتى أخذت شكلها الحالي، خمسون ولاية فيدرالية، وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية وبحق الأنموذج المثالي للدولة الوطنية القائمة على الحدود الجغرافية السياسية وحكم القانون والمؤسسات الدستورية، والدولة التي تعتمد على الجيش والوطن والشرطة ولها علم ونشيد، وتعتمد حقوق المواطنة كأساس راسخ دستوري، ولذا فهي تعتبر أكبر دولة وطنية قطرية من حيث الموارد والمقومات، وبها ثروة غابية ضخمة وحيوانية ومائية، وبالرغم من أن الخمسين ولاية اتحادية مرتبطة ببعضها البعض بشبكة عملاقة للمواصلات والسكك الحديدية والطائرات والمطارات الضخمة، إلا أن هذه الطرق والجسور لم تؤثر على الغابات والغطاء النباتي، وكما هو واضح فإنهم يعملون بخطط ومنهج مدروس في مسألة البنيات التحتية، فالغابات والحدائق الخضراء موجودة جنباً إلى جنب مع الطرق السريعة المعروفة بأرقامها المميزة من الجنوب إلى الشمال، أو من الشرق إلى الغرب بطرق قارية، إلى جانب التوصيلات المختلفة من مياه وكهرباء وغيرها، ولا ننسى الموارد المائية في أمريكا، حيث تتوفر المياه العذبة من الأنهار التي تأخذ أسماءً هندية بدءاً من أوهايو وكلورادو ومسيسبي، وبذوبان الجليد من تلك الارتفاعات الشاهقة تسيل المياه عذبة. وبوجود هذه الشبكات من المواصلات لك الخيار إن كنت تريد بصاً أم قطاراً أو طائرة، ففي رحلة تعتبر قصيرة من كولومبس أوهايو إلى نورث كارولينا مثلاً، بالبص تمر على حوالى خمس ولايات، ويأخذ البص حوالى 12ساعة يبدأها من أوهايو مروراً بوست فرجينيا وثم كنتاكي أو بنسلفانيا ثم تنتهي إلى نورث كارولينا، وقطع ولاية واحدة حسب الحجم قد يكون 4 ساعات أو 6 ساعات، ومثال آخر وهذه المرة بالطائرة، حيث نجد أن الخطوط الداخلية للطيران مثل الولايات المتحدة للطيران أو أمريكا للطيران أو ناسا، فرحلة من شارلوت بنورث كارولينا بالجنوب الشرقي إلى دنفر بولاية كلورادو بالغرب مرتفعات جبال الروكي تستغرق حوالي 4 ساعات ونصف الساعة تقطع فيها الطائرة سهولاً من ولاية مثل تنسي وتكساس لتدخل مرتفعات جبال الروكي بفلوريدا، ويمكن أن تأخذ 10 ساعات إلى الاسكا في أقصى الشمال.
وكما ذكرت سابقاً فإن أكبر المؤثرات على الاقتصاد الأمريكي هبوط وصعود البترول وسوق البترول وسوق العمل، فبالرغم من الاحتياط النفطي الضخم بها فإنها تحتاج لاستيراد الوقود والطاقة، حتى أن أغلب الحروب التي تدخل فيها هي بسبب الوقود، واعتمادهم الكلى على الوقود، وثانياً على سوق العمل، وتهدد البطالة الولايات المتحدة الأمريكية، لأن الدولة تدعم العاطلين عن العمل والعجزة وأصحاب المعاشات، وكما ذكرت سابقاً فإن العجز في الميزانية الأمريكية بلغ 1.1 تريليون دولار «تريليون ومائة ألف مليون دولار»، ولقد عايشت وقائع وإحداثيات أزمة الديون الأمريكية، فالرئيس أوباما ومن معه الديمقراطيون يريدون منه رفع سقف الاستدانة لإنعاش الاقتصاد الأمريكي وتخفيف الضغط، والجمهوريون يرفضون ذلك البتة ويستغلون فرصة أن الأغلبية لهم في مجلس النواب، والرئيس بدأ سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية خاصة في مجال البنيات التحتية وتحديث شبكة الطرق، وما لم تتم الاستدانة هذه فمن الصعب إنجاز هذه المهام، وبالفعل صدر قرار الاستدانة وفق شروط صعبة.
كما يعتبر التنوع المناخي والتضاريس مصدر ثراء كما هو الحال للمجموعات السكانية، فالولايات المتحدة الأمريكية يبدأ مناخها الاستوائي من الجنوب في ولايات مثل فلوريدا وأريزونا، وهناك مناخات صحراوية كما في نيفادا، ومناخات جليدية كما في ألاسكا وكلورادو والشمال عموماً، وتتراوح وفقاً لذلك التضاريس من جبال الروكي الشهيرة التي تصل بينها وبين كندا، وهناك الصحراء في الوسط، والبحار التي تضم القارة والبحيرات الخمس، ومجموعة الأنهار المعروفة كالمسيسبي وكلورادو وأوهايو والمسيسبي بولاية ميسوري فهو من الأنهار الخطرة الذي يسبب كثيراً من الكوارث والفيضانات في المنطقة، وكما أن هناك إعصاراً مثل الذي يسمونه المفرمة لأنه يفرم الأشياء مثل الأشجار والبيوت وغيرها.
إذن أمريكا تتنوع تضاريسها ومناخاتها مثلما تتعدد قومياتها وشعوبها، ولكن يحكمها قانون واحد، ومواطنة واحدة. وهذا الحديث غيض من فيض، ورغم كثرته إلا إن هناك جوانب لم يغطها ويظل إشارات حسب تجربتى المتواضعة، وبانتظار من هو أكثر الماما مني ومتبحر فى شؤون هذه القارة العملاقة التى لا تنتهي عجائبها.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.