عادت مجموعة الأزمات الدولية المهتمة بالنزاعات فى العالم للشأن السودانى ، بعد طول غياب ، بتقرير حذرت فيه من امكانية تحول الحرب التى تدور رحاها فى منطقتى النيل الأزرق وجنوب كردفان هذه الايام الى حرب أهلية شاملة فى السودان ومنطقة أبيى. وطبقا للتقرير الذى صدر يوم الاثنين الماضى وتلقت «الصحافة» نسخة منه «فان تمدد الحرب المتعددة الجبهات يسبب تأثيرات خطيرة على البلاد ، وعلاقتها بالدولة الوليدة فى الجنوب وعلى الاستقرار فى كل المنطقة المحيطة». وعزا التقرير المعنون ب «وقف تمدد الحرب الأهلية الثانية فى السودان» امكانية عودة الحرب بشكل اشمل بسبب عدم التطبيق الكامل لاتفاقية السلام الشامل الموقعة بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان فى العام 2005 ، خاصة البنود المتعلقة بالمشورة الشعبية والترتيبات الأمنية فى ولايتى النيل الأزرق وجنوب كردفان وحل منطقة أبيى المتنازع عليها بين البلدين، هذا فضلا عن الفشل فى التحول الديمقراطى- طبقا للتقرير - ومحاولة الحكومة ايجاد حلول عسكرية للمشكلات فى المنطقتين بدلا عن الحلول السياسية، وهو الامر الذى يجعل الخصوم السياسيين للحكومة يلجأون للتمرد وحمل السلاح. ودعت مجموعة الأزمات الدولية التى يقول بعض المسؤولين الحكوميين انها غير محايدة فى تقاريرها عن السودان ، المجتمع الدولى بالتدخل ووقف ما اسمتها تمدد الحرب الأهلية الثانية الى كل السودان وانتقالها الى جنوب السودان» هنالك امكانية حقيقية لتمدد الحرب الأهلية اذا لم يقم اللاعبون الاساسيون فى المجتمع الدولى بمحاصرتها. . والقتال سينتشر ويتمدد الى جنوب السودان». وهذا السيناريو الذى ذهب اليه التقرير هو ذاته ماحذر منه رئيس الوزاء الاثيويى ملس زيناوى الذى زار السودان لمرتين خلال فترة وجيزة ، وقدم مبادرات متعددة - لم تجد قبولا عند الحكومة - لحل الأزمة فى منطقتى النيل الأزرق وجنوب كردفان، وفى اول رد فعل له على التقرير ، وصف حزب المؤتمر الوطنى - الحاكم ، تقرير الأزمات الدولية بانه تهويل للامور وتضخيم للوقائع. وقال القيادى بالحزب الدكتور ربيع عبد العاطى « ماذهب اليه التقرير لايعبر عن الواقع ، الذى يعيشه السودان حاليا ، وليس هنالك معارك بالمعنى المعروف فى النيل الأزرق ولا جنوب كردفان ومساحة التمرد قد انحسرت ، وليس هنالك أي مجال لحرب جديدة». واضاف عبد العاطى الذى كان يتحدث «للصحافة» عبر الهاتف « الأزمات الدولية هى واحدة من المنظمات التى تريد تشويه صورة السودان ، وتريد ان تفتح الباب للتدخل الدولى فى شئون البلاد . . وتقاريرها متحاملة وهى تأخذ معلوماتها من المعارضين للحكومة». ودخلت منطقة النيل الأزرق وجنوب كردفان فى حروب ومعارك متقاطعة منذ انفصال جنوب السودان عن الشمال فى يوليو من هذا العام ، بسبب رفض الحركة الشعبية لنتائج الانتخابات فى جبال النوبة التى فاز بها حزب المؤتمر الوطنى بمنصب حاكم الولاية ، فيما لم يعرف السبب الرئيس وراء الحرب التى اندلعت فى جبال الانقسنا فى ظل اتهام كل طرف للاخر باطلاق الرصاصة الاولى. وامس الاول ، اكد رئيس الجمهورية عمر البشير انه ملتزم ببند الترتيبات الأمنية الواردة فى اتفاقية السلام الشامل ، ولكنه عاد وشدد خلال مخاطبته حفل تخريج ضباط ذوى رتب رفيعة بقوله «نحن لانقر بجيشين فى بلد واحد». واضاف بانه وبالرغم من ان اتفاقية السلام الشامل لاتلزم الحكومة باستيعاب افراد قوات الحركة الشعبية من ابناء ولايتى النيل الأزرق وجنوب كردفان ، الا ان الدولة قررت اجراء عملية الدمج واعادة تسريح الافراد السابقين فى الجيش الشعبى، اما والي ولاية جنوب كردفان أحمد هارون فقد اكد ان المشورة الشعبية ستقام فى ولايته بعد ان تهدأ الاوضاع قليلا فى الولاية. وفيما يتعلق بالمشورة الشعبية ، فان المفوضية المعنية بالامر فى النيل الأزرق ، قالت انها اكملت تقريرها النهائى بشأن المشورة الشعبية وانها سترفعه للمجلس التشريعى المحلى ليقرر فيه. وقال سراج الدين عطا رئيس المفوضية خلال تصريحات صحافية، ان المفوضية اكملت كافة مراحل اجراء المشورة خلال الفترة الماضية. يأتى هذا فى ظل استمرار المعارك بين القوات المسلحة والجيش الشعبى فى بعض مناطق الولاية المترامية الاطراف ، واعلان حالة الطوارئ بها ، واستلام الوالي الجديد اللواء الهادي بشرى لمهامه قبل يومين فقط. ويعتبر المحلل السياسى الدكتور الطيب زين العابدين ان التهاون فى حل المشكلات فى مناطق النيل الأزرق وجبال النوبة سيقود الى كوارث كبيرة. وقال «للصحافة» «هنالك مشكلات سياسية فى مناطق النزاع بما فيها دارفور ، ويجب ان تحل بشكل سياسى ، لأن الحل الامنى لايجدى ولن يقود الى نتيجة سلمية. ونفس النتيجة التى خلص اليها زين العابدين ذهبت اليها مجموعة الأزمات الدولية ، التى تتخذ من بروكسل مقرا لها ، عندما قالت «ويتمثل الحل الشامل فى هذه القضية هو الوقف الفورى لاطلاق النار ومن ثم الدخول فى حوار مع المكونات الداخلية بين المركز والمناطق المهمشة ، والاتفاق حول اللامركزية ، واعادة قسمة السلطة التى تقود الى دستور جديد ناتج عن قيام انتخابات جديدة». وتشهد الخرطوموجوبا توترا فى علاقتهما بعد اتهام الاولى للثانية بالوقوف وراء تأجيج الصراع فى منطقتى النيل الأزرق وجنوب كردفان من خلال دعم قوات الجيش الشعبى بالجنود والعتاد ، واستضافة قادة الحركات المسلحة فى دارفور ، ومن ثم اشتكى السودان دولة جنوب السودان رسميا فى مجلس الامن الدولى ، ولم تهدأ التوترات بينهما بالرغم من توقيع الطرفين على اتفاق ، الاسبوع الماضى ، لضبط الحدود المشتركة بينهما ، بعد زيارة قام بها مسؤولون رفيعون من جوبا شملت وزراء الدفاع والداخلية والأمن.