في الفترة الأخيرة كلنا نعيش حالة من ضيق المعيشة لم نألفها بسبب الارتفاع غير المبرر لاسعار وندرة السلع الرئيسة المهمة لحياة المواطن، وعكست الساحة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تبرمها الصريح وارتفع صوتها عالياً وبوضوح منذراً بما صار اليه الحال وما ينتظر من مفاجآت قد تفضي الى ما لا تحمد عقباه اذا لم تتوفر الحلول الناجعة، ومن ثم نشطت المحاولات للمعالجات شعبيا ورسميا وتسارعت الخطى بوصفات جمعية حماية المستهلك حديثة النشأة واعلاء دورها في هذه المرحلة وخلق ما يعرف بالآلية الاقتصادية المستهدفة لاحداث التأثير الم?لوب املا في تغيير الصورة في المدى العاجل والمتوسط والبعيد والنظر في استدامته في ظل متغيرات نعيها ونعلمها في الواقع المحلي والعالمي. وفي تقديري ان بعض القرارات التي صدرت لاحداث حلول تؤدي الى كبح جماح الغلاء والحد منه لا تعدو حتى اليوم ان تكون «تصبيرة» كما قال بذلك الكثيرون ممن يلمون ببواطن الامور ويبقى الامل والمطلوب استشراف حلول ناجعة وعملية وسياسات مدروسة وهادفة تعبر بنا الى بر الامان. وبما انني اود ان تكون مساهمتي في التصدي لاحد المداخيل المهمة والرئيسة التي تخاطب توسيع قاعدة الانتاج للسلع المهمة وتمثل احد محدداته على نطاق القطر ولها دورها المقدر في الحد من ظاهرة الفقر الذي صار سمة مميزة لمجتمعنا رغم تباين الرؤى حول مستوياته في الحضر وفي الريف وفي الاستقرار عامة للمجتمعات. اجد نفسي متوافقاً بدرجة كبيرة مع ما ذهب اليه الاخ والي ولاية الخرطوم بشأن رؤيته لواقع ملكية الارض وارتباطها بحسن الاستغلال لاجل تحقيق الانتاج الذي هو بداية الكفاية ومدخلاً للانطلاق للوفرة واشباع حاجات المواطنين والصاد? كانت تلك ملكية منفعة من اراضي الدولة او ملكية عين مسجلة فلاسباب تتعلق بموروثات قديمة في البلاد وبسبب ممارسات سادت لحقبة طويلة في مجتمعنا ومن ثم تواصلت تحت مظلة وحماية قانون الاستثمار صارت الاراضي سلعة مهمة للتداول التجاري بل اهم سلعة في ايامنا هذه. والكل يشهد ويعي ما آلت اليه الامور في هذا الصدد فاذا نظرنا الى - القطاع - المطري الآلي داخل وخارج التخطيط ومساحته المليونية وحيازاته الواسعة نجد قلة من المالكين يحوزون مساحاتٍ تفوق الآلاف العديدة من الافدنة ولفترة طويلة لا اعتقد ان جهدا جاداً بذل من قبل الولاي?ت لحصرها وتحديد درجة استغلالها بدقة «مركزياً كان أو ولائياً» وقد تم ذلك تحت ظروف سكانية واجتماعية مختلفة. وقد ساعد ذلك وجود القبليات والمحسوبية وطموحات بعض الرأسماليين المتنفذين للحصول على اكبر قدر من الحيازات طالت أغلب ولايات وسط السودان وشرقه دون مراعاة لاوضاع واحتياجات السكان المحليين ومتطلباتهم الحياتية والاجتماعية في تلك الحقبة السابقة، هذا من امر القطاع الآلي المطري الواسع سابقاً غير ان الصورة بدأت تأخذ منحى مشابها في ظل ما نروج له من استثمارات تمنح الارض بسخاء واضح وبابخس قيمة للمواطنين او اجانب، بع? الاحيان يتم ذلك على حساب حقوق مواطنين كما الحال في ولايات الخرطوم والجزيرة ومناطق في الولايتين الشماليتين. هذا الامر قد لا يكون له عواقب سالبة في هذا الظرف المرحلي الذي اذا ارتبط واحكم باحداث توازن بين معادلة تعي متطلبات المناطق وسكانها وحاجة البلاد لرفع كفاءة استغلال مواردها الارضية، فحسن الاستغلال من المواطن المالك او المستثمر لا بد ان يكون المحدد والمبرر لحيازة الارض المخصصة من الدولة وفي عدم ذلك يمكن ان يتم النزع من التعويض فهنالك سجل حافل بالتظلمات من مجتمعات محلية هجر اهلها قراهم الى اطراف مناطق حضر?ة ونعلم ما نتج عن ذلك من مظاهر سالبة، فلا بد من وقفة هنا لوضع اساسيات واستراتيجيات تتوخى العدل في حيازة الاراضي حتى لا تتفاقم ازمة السكان فقيري الارض Land poor population الذي يعرف بانه اسوأ انواع الفقر في مجتمعات الريف إذ يحد من استقراره وتطوره. وتحضرني في هذا الحيز مرحلة سعينا فيها للتخطيط لتنمية ريفية في منطقة بالقرب من الروصيرص بولاية النيل الازرق بتمويل من الصندوق الدولي للتنمية الزراعية «ايفاد» في اوائل التسعينيات يتطلب تخصيص عشرة الف فدان لتحديث الزراعة التقليدية لعدد 004 من سكان المنطقة وكان ذلك صعبا وعصي اذ ان من كان محظوظا «يحوز» 001 ألف فدان يبخل بالتنازل من هذه المساحة المتواضعة لصالح السكان المحليين وكان اهم اسهامه قطع الغابات للفحم وغيره وترك جزء كبير من الارض دون استثمار وعرضه للتعرية والتصحر وهذا مثال ينطبق على ولاياتنا الواسعة. والنمط الآخر الذي ساعد مع ازدياد وتيرة السعي لاستحواذ الاراضي بالقرب من المدن يرتبط بامتلاك اراضي زراعية ومن ثم تحويل الغرض لاراضي سكنية ونشهد ذلك بصورة جلية في منطقة باتت تعرف ب «المثلث الذهبي» في مطعم منطقة ممتدة حتى قرية المسيد التي تبعد 04 كم جنوب بداية ولاية الخرطوم وتمتد غربا نحو النيل الابيض وهنا من الصعوبة بمكان ان تجد شبرا خال من الموانع اذ تحولت اراضي صالحة لاستزراع جناين ومزارع دواجن وتربية الماشية للالبان اغلب مالكيها من المتنفذين وشركات تجارة الاراضي واصحاب المخططات السكنية فقد سال لعاب الولا?ات لعائد جباية الرسوم والدفعيات الاخرى الكبيرة المصاحبة في كل مرة يتم فيها التداول في الملكية او التحسين او تغيير الغرض ويتواصل المسلسل. ومنذ عام 4002م تتابع قيام مدينة «الاحلام- دريم لاند» بولاية الجزيرة كاستثمار عقاري سياحي اجنبي بالقرب من قرى الجديد، الباقير بتخصيص مساحة «مقدرة» تبلغ «2581» فدان جزء كبير فيها تم نزعه من ملاك وكان مستثمرا كمزارع البان ودواجن واعلاف مختلفة ومصدات غابات ما زالت تراوح مكانها في ظل عدم حسم المطالبات والتعويضات لاصحاب الحيازات الذين قاموا بشق القنوات وحفر الآبار وانشاء الحظائر والمباني المزروعة وقررت المحاكم بكل مستوياتها، طيلة هذه الفترة ما زالت تنتظر التنفيذ وحسم قضية الملاك المستثمرين. فاذا كان امر توجيه استغلال الاراضي بنزع الحيازات التي لم يجد الاستغلال لها طريقاً فما احرانا ان نذكر بان الصورة التي نعيشها اليوم مظلمة وفيها ظلم وفساد ونحن نشهد الهرولة للاراضي الزراعية Land hunt في مناطق واسعة اذكر منها منطقة شرق النيل هذه الهجمة للمحاسيب والمتنفذين والمطالبين بحيازات قبلية وغيرها كحقوق موروثة «غير موثقة» ولا غضاضة في رأيي اذا كان الطلب ناتجا عن دراسات جدوى فنية واقتصادية وامكانات كافية وان تتواءم مع توجهات الدولة. انني كفرد انتمي لقبيلة الزراعة وقفت حائرا وانا اتابع مطلب الزراعيين بتخصيص اراض زراعية لهم لاستثمارها بشرق النيل وفعلا تم تحديد موقعها في القطعة 41 وادي سوبا شرق في مساحة 00011 فدان «قبل عشرين عاماً» قاموا جميعهم بدفع ما يليهم في حساب خاص ومن ثم جرى استخراج شهادات البحث لكل مستحق وما زال الزراعيون وهم المعنيون بالاخذ باسباب تطوير الزراعة في البلاد يلهثون لاستلام هذه الارض الزراعية بالقرب من القطاعات السكنية التي خصصت لهم وتم استلامها هذا العام يجري ذلك تحت تبريرات يعلمها القائمون على امر الزراعة في ولاية ا?خرطوم وكل الوزراء والوكلاء المتعاقبين عليها علما بان 08% من المستحقين صاروا معاشيين حاليا ولهم خبراتهم المميزة وتجاربهم ويعرفون طريقهم للتمويل كغيرهم من الشرائح المستحقة وبينهم كذلك الشباب الواعد من الزراعيين الذين نستهدفهم في هذه المرحلة المهمة والحرجة. وأخيراً أرى انه لا بد ان يفرد حيز مهم لامر قوانين حيازة الاراضي وتمليكها والتصرف فيها كمواد دستورية لمواءمة عدالة حقوق المواطنين جنبا الى جنب مع متطلبات الدولة لاحداث الاستثمارات للقطاعات الزراعية صناعية او خدمية في الحقبة القادمة.. والله المستعان. * وزير الدولة للزراعة «سابقاً»