وصلت دعوة سريعة الى اتحاد طلاب المعهد الفني والذين كان لهم القدح المعلى في تحريك الشارع حيث اعلن عن قفل جامعة الخرطوم وصلت الدعوة لرئيس الاتحاد «شخصي الضعيف» لحضور اجتماع صباح الجمعة الثاني والعشرين بمكتب المرحوم عابدين اسماعيل الذي كان يقع امام مجلس تشريعي الخرطوم الآن وساحة المحاكم، وقد توجهت صباح الجمعة الى مكتب المرحوم عابدين اسماعيل حيث تكونت النواة الاولي للجبهة الوطنية، وهناك كان الراحلون عبدالحميد امام وعابدين اسماعيل والسيد بابكر عبدالله ود. محمد عبد الله نور والراحل مبارك شداد ومن العمال ال?يد سعود، وهناك تقرر تقديم مذكرة للفريق عبود تطالب بالتنازل وان لم يستجب لها يعلن الاضراب العام على ان يكون ذلك صبيحة السبت الثالث والعشرين من اكتوبر، وما ان اصبح الصبح حتى كانت المذكرة جاهزة وتقرر ان يبعد عنها الطلاب واحشدت الجماهير امام وزارات الزراعة والعدل على طول شارع الجامعة وتحرك وفد الجبهة على رأسهم عابدين اسماعيل وعبدالحميد امام وأساتذة الجامعة واتحاد المزارعين (الشيخ الامين) وغيرهم وسط هتاف الجماهير واتجهوا نحو القصر الا ان قوات من الشرطة اعترضت طريقهم عند وزارة الثقافة والاعلام وفورا تقدم عب?الحميد امام رحمه الله وامر القوات بالانصراف، ثم تبين ان اتفاقا قد ابرم بأن يقدم المذكرة بعض الافراد واكتظت الجماهير حول عابدين اسماعيل الذي اعتلى احدى السيارات واعلن الاضراب السياسي .. واكتظت الشوارع بالهتافات وبدأت كافة المؤسسات التربوية والخدمية والفنية في الاضراب وتعطل العمل تماما حتى ان الشرطة اختفت من الشوارع وبدأ المتظاهرون في تنظيم سير العربات وانتقلت اجتماعات الجبهة الوطنية للهيئات والتي تكونت من ممثلي كافة المؤسسات والمنظمات انتقلت اجتماعاتها الى جامعة الخرطوم في قاعة الاجتماعات بينما انتقلت ا?تماعات كافة الاحزاب الى مجمع بيت الامام المهدي بامدرمان وظل الجميع يرقب نتائج الاضراب الذي بدأ منذ صبيحة السبت الثالث والعشرين من اكتوبر والاحد الرابع والعشرين والاثنين الخامس والعشرين من اكتوبر حتى مساء الثلاثاء السادس والعشرين حينما اعلن ابراهيم عبود رئيس المجلس الاعلى كما كانوا يسمونه وفي تمام الساعة السابعة مساء حل المجلس الاعلى ومجلس الوزراء، فاجتاحت العاصمة والاقاليم مظاهرات عنيفة استمرت حتى ساعات الصباح الباكر.. وشوهد الكثير من المتظاهرين يرتقون دبابات الجيش يعانقون سائقيها وعمت الفرحة الجميع.?. الا ان الاجتماع الذي انعقد في نفس مساء اليوم للجبهة الوطنية بجامعة الخرطوم ابدى تخوفه من ان تستولى على الحكم أية جهة اخرى مستغلة الفراغ الذي حدث خاصة من قيادة جديدة للقوات المسلحة فأجمع الاجتماع على انتداب ممثلين له للقصر الجمهوري للتفاكر في الفراغ الذي حدث، وظلت الجبهة تنتظر مندوبيها الذين رجعوا بعد ان اخطرهم احد قادة القوات في القصر بأن الرئيس قد اوى الى النوم ولذلك فقد اجمع الاجتماع على استمرار المظاهرات والتحرك بمسيرات حاشدة لمحاصرة القصر تحت شعار : (الى القصر حتى النصر)... وذلك لقطع أية محا?لة للاستيلاء على السلطة، بينما توصلت الاحزاب في ام درمان الى وضع ميثاق (يبين تبادل السلطة وتحقيق التحول الديمقراطي صاغه السيد الصادق المهدي).. وفي صبيحة الاربعاء السابع والعشرين من اكتوبر اكتظت شوارع الخرطوم بالجماهير متجهة الى القصر الجمهوري تدوي بالهتافات (الى القصر حتى النصر).. وزحفت ام درمان وكافة ضواحي الخرطوم الى داخل العاصمة وفي اجتماع الجبهة الوطنية الصباحي تقرر ان ينتظم اعضاؤها في التحرك نحو القصر، وتحرك الاعضاء بشارع الجامعة نحو القصر وما ان وصل الوفد عند وزارة الاشغال التي كانت تبعد عن القصر نحو امتار قليلة الا ودوت اصوات المدافع بدأت وسط فروع الاشجار التي تقطعت على رؤوس الجماهير ثم نزلت بعد ذلك وسط الجماهير واختلط الحابل بالنابل وسقط الشهداء خاصة الذين كانوا عند منطقة ساحة الشهداء حاليا وبدأ الناس في نقل الموتى والجرحى الى المستشفى وساد العاصمة صمت هاديء الا من أصوا? الذين كانوا ينقلون الجرحى والشهداء بالعربات وبالايدي، وتحركت الجماهير تلقائيا الى المستشفى وامتلأت المشرحة بالشهداء وادخل الجرحى الى منطقة الحوادث وعلى رأسهم محاسن عبدالعال والتي شاهدنا فاطمة أحمد ابراهيم تحمل ثوبها الممتليء بالدماء، واصبح المستشفى ملتقى للجماهير... وفورا اجتمعت الجبهة الوطنية للهيئات والتي تلقت خبرا بأن هناك مؤامرة للاطاحة بها واعتقالهم فتقرر نقل اجتماعها الى نادي الاطباء المطل على شاطيء النيل الازرق، وفي هذا الاجتماع تلقت الجبهة طلبا من الاحزاب لضم نشاطي الجبهة والاحزاب سويا اعدا?ا للمحادثات التي اعلنت عنها قيادات بالقصر الجمهوري، فتقرر نقل اجتماع الجبهة الى امدرمان حيث عقدت اجتماعاتها بمنزل الشيخ عبدالرحمن الواقع بسوق امدرمان خلف العدني وبدأ الوفدان الحزبي والنقابي في المحادثات حتي توصلنا الى ان يكون هناك مرشح واحد للاحزاب (الامة ، اتحادي، شيوعي، اخوان) وثمانية مرشحين من الجبهة وهنا ظهرت الخلافات والنعرات الحزبية في الترشيحات خاصة ما بين اليسار واليمين مما حدا بفئة معينة من المستقلين الابتعاد من جو هذا العراك وفي احدى الفسحات الممنوحة للاعضاء اجتمع مندوب اتحاد طلاب المعهد الف?ي (شخصي الضعيف) وخريجي المعهد الفني بقيادة الرشيد ميرغني والفاتح التجاني وادارة واساتذة المعهد الفني بقيادة صديق مدثر واتفقنا على ان نقدم الاستاذ المرحوم سر الختم الخليفة ضمن الثمانية وزراء ليكون وزيرا للتربية، وقد كان رحمة الله عميدا للمعهد الفني ورأينا ان ارتباطه بالتربية واستقلاليته مع جهده المقدر في ادار المعهد الفني طريق لتبؤوه هذا المنصب وقد اوكل لي شخصيا التقدم بهذا الترشيح مع ذكر الاسباب وقد كان مقترحنا مفاجئا للاجتماع اعترض عليه البعض من اهل اليسار بدعوى ان سر الختم سوف لن يقبل الاستوزار و?ن الاحسن افادته اولا وقد هرعت ومعي الشيخ عطية محمد سعيد على عربة بوكس الى المقرن وسط حشود المظاهرات واخطرناه وأتينا بموافقته.. الا ان الاقدار دائما ما تتغير فقد وصل وفدا الجبهة والاحزاب للاجتماع مع وفد القوات المسلحة واستمر الاجتماع حتى الساعة الرابعة صباحا حيث رفض مفاوضو القوات المسلحة كافة مرشحي رئاسة الوزراء خوفا من التقلبات خاصة النقاط الواردة في الميثاق بعدم محاكمة الوزراء السابقين واستمرار عبود لفترة انتقالية واخيرا فوجئنا في الجبهة عند الصباح بأن الاتفاق قد توصل في ان يصبح المرحوم سر الختم الخليفة رئيسا للوزراء فانتشى طلاب وطالبات المعهد الفني للخبر ودوت هتافاتهم امام الجامعة وفي الداخليات الواقعة بالحلة الجديدة? وهكذا كانت الخاتمة الاولى لثورة اكتوبر املا في ان يوظف المؤرخون والباحثون والطلاب طاقاتهم في البحث عن هؤلاء الذين اشعلوا هذه الثورة لتكون نبراسا للشعب السوداني . والعمل يسير دؤوبا بين الاستاذ عبدالمتعال القرشي شقيق الشهيد القرشي وبعض اللصيقين بثورة اكتوبر وجامعة الخرطوم لاخراج مخطوط جديد يحكي عن هذا الشهيد الذي اشعل هذه الثورة المجيدة وارجو ان اتمكن من اكمال باقي احداث اكتوبر والتي تتالت وعلى رأسها المتاريس التي عمت الخرطوم والانقلاب على الحكومة المدنية بحكومة مدنية اخرى وغيرها...