كانت على دفاترِ الزمانِ ... إسمها «أليس». وكان يومها يجيشُ بالمياهِ ... والطيورِ والخرزْ. ووفرةِ الزروعِ والثمارِ والبيوعْ ... كانت سخيةً رخيةً كديمةٍ سمحاءَ ... إن تنزلَ الخريفْ. زرقاءُ كانت مثل قبةِ السماءْ .. عند ساعةِ الزوالْ. كان أهلُها مسالمونَ طيبونْ. يمنحون للمسافرِ الطعامْ ... ويأخذونَ حفنةً من الترابِ إن خطا مغادراً لكي يعودْ !! و كي تباركُ الأسلافُ دربَهُ !! فى وحشةِ الطريقْ. كانوا على نقاءِ الثلجِ ... فى مراقي الجبالْ. بيوتهم من القصبْ. والطينِ والخشبْ. لكنهم لا يلحفون فى السؤال .. كانوا كباراً .. قانعون ... مؤمنون ... صادقون. لا يسألون الزائرَ الغريبَ ... إن أطلَّ وجهُه من عتمة الظلامْ ..، أو هجعةِ المساءِ وإندلاقةِ المطرْ ...، عن أصلهِ أو وشمهِ ... أو فرعِ دوحهِ الذى ... يغور فى التراب .. أو يرتقى إلى معارج السماء ... سُلَّماً من الدماء !! . كانوا جميعاً موقنون أنهم ... بشر ... وآدم « قد جاء من تراب !! « وللتراب عاد فى نهاية الطريق. كانوا على مشارفِ الصحراءِ ... أو مداخلِ الغاباتِ يمرحونْ .. ويرقصونْ .. ويضربون الطبلَ للخسوفِ إن تحجَّب القمرْ ويحملون فى الأكفِ نذرهم .. إلى النهرْ .. وينحرون فى رحاب الأضرحة. ويؤمنون « بالقضاء والقدر ..» كانت «أليسُ» مثل .. قلبِ الجوهرة !! يغفو الزمانُ فوق فرعها .. ليستريحْ. ويستضئُ الدربُ من لآلائها وضوئها الفسيحْ. ويشربُ المسافرونَ والتجارُ الجائلون .. من رحيق ثديها ... ما ترضع الجذورُ من مطرْ. كانت وريفةً ... وريقةً ... لفاء مونقةْ زرقاءَ ... مثلٍ برقِ الرمح ِ فى سحابِة الغبارْ. زاهية بلونها الأزرقِ.. حينما يصيحُ الديكُ .. عندَ نجمةِ السحرْ. أو حينما يطلُ ضوءُ الشمسِ ضاحكاً على المياهِ والشجرْ .. الله ما أبدعها مدينةً كانت... تغوص للقيعان فى غرارة النهر. لتلقط النجومَ للخلودِ والبقاءْ والأثر وتنحت الصخور معبداً ومئذنة ومرقداً يطيب فى اللحود مدفنه وتبتنى لكل طائرٍ يرفُ فى الفضاءِ مسكنهْ فتلتقي بكل زهوِ ريشها ... ونقشِ سَمْتِها الطيورُ ... فى براءة ومرحمة الله ما أروعها مدينة كانت محصنه. بالحبِ من براثنِ الشقاقِ ...، ومن محافل النفاق. ومن دموع الكاذبات ... عند حضرة المنافقين . الطاعمين عند كل مأدبه. الواقعين كالذباب عند كلِ مشربه الله ما أروعها مدينة كانت ... لكنها واحسرتاه ... !! قد ثوت جنوبها على صِحافِ الآكلينْ . من كل كاسرٍ وجارحٍ .. ينوش شلوها ... على عيون الشمس !!! أو شهود الحاضرين . الله ما أروعها مدينة كانت .. كما العطور حينما تضوع من مباخر السنينْ. * ملحوظة: مدينة أليس هى مدينة الكوة الحالية على النيل الأبيض.