قال الإمام علي كرم الله وجهه (فإنكم لو عاينتم ما قد عاين من مات منكم لجزعتم ووهلتم وسمعتم وأطعتم، ولكن محجوب عنكم ما قد عاينوا، وقريب ما يطرح الحجاب ولقد بصرتم إن أبصرتم وأسمعتم وهديتم إن اهتديتم، بحق أقول لكم لقد جاهرتكم العبر وزُجرتم بما فيه مزدجر، وما يبلغ عن الله بعد رسل السماء إلا البشر) - من كتاب نهج البلاغة. (1) خطأ النظرية ومأساة التطبيق مهما تكن الخطيئة التي ارتكبها العقيد معمر القذافي في حق شعبه من جرم إلا أن الرهان على (حلف الناتو) رهان خاسر، ويبقى هو قمة التسليم لزمام السيادة الوطنية للاستعمار في ثوبه الجديد، بل يعتبر طيئا رضائيا لملف حركات التحرر الوطني في عالم اليوم، وتبقى أية قراءة من باب الشماتة في (الموت) على شاكلة أن المحنة قد تحولت إلى منحة، ما هي إلا قدر لنكران الجميل، حتى اذا كانت القضايا المحلية يجب أن تحل على الدوام فرضاً تمضي بعيداً عن مساهمات الغير من الأشقاء، من الجيران بحجة (إنما أتيت على علم من عندي) كما أتى في مضمون ال?ص القرائي - فما كان (الجوكر أمين) في حاجة إلى اتفاقيات الدوحة ولكن يبقى (الكتاب الأخضر) أو النظرية العالمية الثالثة - هي تجربة تخضع كغيرها للتجريب عبر الحوار، وخاصة (نظام المؤتمرات) والذي يتنزل كسلطات ادارية كيزانية (جماهيرية) عبر اللجان الشعبية في (الأحياء) والمحليات هي عين الفكرة التي نادى بها القائد الأممي - والشيء المؤسف أن موته بدلاً من أن نترحم عليه اعتبره البعض من النافذين في السلطة (مِنحة رابحة) (يا سبحان الله)!!! بماذا سيقول منظر الحوار الجديد (الجوكر) إذا ما شرع غداً حلف (الناتو) بالبند السابع ?لى ضرب نظام السودان - كما ضرب العراق من قبل وليبيا اليوم - هل سيصبح ذلك لشيخ (أمين) مِنحة أيضاً؟! (والسودان لم يرفع بعد من قائمة الارهاب واللا شنو يا حضرة المفكر)؟!!! ٭ وإذا كنا حقيقة يهمنا أمر ثورة ليبيا وشعبها، ونسعى بالحق لاستقرارها لكان من الأول رفضنا (التدخل الدولي) ولما تركنا الدم الليبي يجري أنهاراً فأين دور الاتحاد الأفريقي من المأساة؟! وأين أيادي ليبيا التي ساهمت في تثبيت العديد من الأنظمة بل أين جامعة الدول العربية؟! وأين مردودة جميل القذافي والذي جعل ليبيا وطنا لكل العرب؟! وحتى المنظمات الإسلامية وغيرها أين هي؟! ومالكم كيف تحكمون (ولماذا كثرت السكاكين الآن)؟ ٭ وحتماً حينما تضرب البنيات التحتية للدولة وتختل حركة النظام المحلي أياً ما كان - فبالضرورة فإن ذلك يقود إلى حدوث الفراغ الدستوري - وهذا ما انتهت إليه الحالة الليبية اليوم، بعد أن تحولت كل القوة النظامية إلى مجموعة مليشيات، علماً بأن المؤسسة العسكرية الشمولية والتي حكمت زهاء أربعة عقود ونيف - كان يمكن لها أن ترعوى إذا وجدت ضمانات كما حدث في (لوكربي) أو وجدت من يرشدها من (الأنظمة الحاكمة) مع شكرنا لجهود الأحزاب المعارضة لتلك الأنظمة ومساهمتها (بالنصح) - بل تستعين ببرامجها وتطبقها كنظام في الحكم، ثم من بعد ت?ركها تتخبط، بعد أن حولت ليبيا وما تحوى إلى مخزون من البارود ذي قيمة عالية (من الاشتعال) - وهذا بالضبط ما سعت إليه وشجعته دول الإمبريالية العالمية في العديد من دول الشرق الأوسط بدءاً من المفاعل النووي العراقي - وقيام العديد من المصانع لأسلحة الدمار الشامل - حيث كانت نظريتها واستراتيجيتها من كل ذلك توريط تلك الأنظمة وقد كان، ثم من بعد توفير الأسباب التي تقود إلى التدخل الأجنبي لحلف الناتو والمحصلة النهائية من كل ذلك رسم الطريق بتقسيم دول الشرق الأوسط إلى مجموعة من الدويلات الصغيرة ليسهل قيادتها واعادة استعما?ها من جديد. وذاك المشروع يمتد (من المحيط غرباً إلى الخليج شرقاً) دونما استثناء لدولة وكل من يعول على تحقيق (نظام ديمقراطي) باسم ما سمى بالربيع العربي، فعليه أن يبصم (بالعشرة) على نجاح مشروع الإمبريالية الجديد وخارطة طريقها - وحتماً لكل دولة حصة وكيفية مختلفة (كل حسب واقعه) - فهناك من يحتاج إلى (فركة) أذن فيرعوى - مثل ضرب مصنع الشفا في السودان وهناك من يحتاج إلى أن تتجمع له دول الإمبريالية وأعوانها باسم (التحالف الأطلسي) كما حدث في ضرب العراق الشقيق واعدام صدام حسين صبيحة (عيد الأضحى المبارك) - والنغمة الج?يدة في موبايلات الشباب اليوم هي (الشعب يريد .....) والعجب تعدد الجمعة وبدعة الصلاة في الميادين دون (المساجد)!! والكل يقول (أمريكا تريد ....) أحسب عندك: (1) تصفية النظام السوري، بنفس سيناريو (مصر - وتونس - ليبيا). (2) تصفية كل الأنظمة ذات الارادة الحرة والتي تتحدث عن السيادة الوطنية. (3) مباركة مشروع تبادل الأسرى ما بين (اسرائيل) والسلطة (الفلسطينية) وهو عينة مشروع دولة (أسراطين) الذي طرحه (القذافي) إلى (كوندي) وزيرة الخارجية السابقة لأمريكا - حينما زارت ليبيا لتتيقن من (خلوها) من أسلحة الدمار الشامل بعد الوصول إلى حل (طائرة لوكربي). (وبرضو الشعب يريد اسقاط النظام مش كدا)؟! (4) برحيل القذافي وبالطريقة المأساوية - التي لم تعجب (لا عدو لا صليح) تكون أمريكا وأعوانها قد قضوا على كل مشاريع حركات التحرر الوطني في العالم اليوم وتكون قد طوت تماماً (أسطورة القذافي) متحديها الأول بلا منافس، حتى لو كان عاشقاً لوزيرة خارجيتها السابقة، كما أتى على لسانها بعد رحيله!!! (2) ما هو حق الأسير في القانون الدولي؟! لا يمكن بأية حال من الأحوال أن نمحو من الذاكرة تجربة استطاعت أن تصمد أربعة عقود ونيف - ومهما كانت ضحالة الفكرة وحجم الضحايا، إلا أن للأسير حق (الاجارة) وخاصة إذا ألقى عليه القبض وهو على قيد الحياة فقتله دون (محاكمة عادلة) يعتبر انتهاكا صريحا لحرية الانسان - ومهما كان حجم الجرم الذي ارتكبه فالقاعدة تقول (المتهم بريء) حتى تثبت إدانته!! ٭ أما أن يظهر (صبي) من شباب (الفيس بوك) و(اليوتيوب) وهو يحمل (مسدسا ذهبيا) بحجة أنه هو من أنهى قيادة القذافي - يبقى أين القانون الدولي - وأي قانون ذاك الذي منح هذا (الصبي) حق القتل ولم يمنح الأسير القتيل حق المحاكمة العادلة؟!. وطالما أنه قد ألقى عليه القبض وهو حي يرزق، يبقى القتل الاباحي باسم الثورية هي (البلطجة) بعينها - هذا إذا سمحنا لأخذ الحق بالسلاح ويا للكارثة إذاما أصبحت حقوق الناس مرهونة إلى أيادي كل من يحمل السلاح حتى ولو كان بطريقة غير شرعية. ما ذاك إلا تأكيد للتطرف والارهاب وتبرير لكل التصفيات ?لتي تمت وشهدناها - سواء كان ذلك في دولة الصومال الشقيق أو تأييد ضمني للمجازر التي تمت ما بين الهوتو والتوتسي - ودعوة صريحة لنشوب الحروب الأهلية والقتل الجماعي للشعوب المتمردة على رسم طرق حلف الناتو لخارطة العالم الجديدة!! (3) سيناريوهات الربيع العربي وأكذوبة الدعوة الديمقراطية وتبقى السيناريوهات التي تشهدها الأنظمة العربية - باسم الربيع العربي - ما هي إلا عبارة عن اعادة لنماذج الحروب الأهلية في الحرب العالمية الأولى والثانية (أو بالأصح الحروب الشاملة. وما شهدته من إبادات لشعوب بعينها - وهم في الغالب من شعوب دول (التحالف الأطلسي) اليوم - فهي إما تكون انعكاسا لما تعارف عليها بالنازية الهتلرية - أو البلشفية السوفيتية - أو نابليون وتجربته في الحروب والثورة الفرنسية - هذا بالاضافة إلى موسليني الايطالي وما ارتكبه من جرائم في حق الشعب الليبي (يستوجب الاعتذار لا الدمار) إذا ما استصحبنا?فعل الناتو اليوم. يبقى الربط الجذري ما بين كل ذلك وما هو حادث اليوم يقود إلى مفاد حقيقة ما يسعى له حلف (الناتو) من اعادة تشكيل لخارطة طريق عالم اليوم بعد (التمكين) من اطفاء كل البؤر التي مازالت متمسكة بسيادتها الوطنية بعيداً عن التماهي مع مشاريع العولمة (الاقصائية) والتي تنزل (قسراً) على واقع التخلف في دول العالم الثالث دونما مقومات تستوعب مقدراتها وتقنياتها العالية عبر ما سمى (بالفيس بوك) تلك (الصدمة الحضارية والخلعة) التي أصابت ما سمى (بثورة الشباب العربي) - فلماذا الشباب العربي - لا الأوربي - ولا الأمريكي ولا حتى الأفريق?؟! ٭ علماً بأن مساهمة ذاك الشباب عبارة عن (صفر كبير) والبون مازال شاسعاً وبعيداً ما بينه وتقنية الثورة العلمية المتطورة في مجال الاتصالات، ودورهم إلى اليوم لم يتجاوز محطة ال(user) والذي في استطاعة ال(Lab Top) اختزال كل مقدراته الذهنية في شكل ذاكرة أو صرف زمنه أو حتى سرقته بالجلوس الطويل سارحاً يتصفح شاشات الكمبيوتر وبرامج (النت) وكل ما يحدث هذا ما هو إلا عبارة عن (انقطاعة معرفية) ما بينه وذهنية الابداع والابتكار في التفكير - يبقى إذا ما تحولت ليبيا القذافي إلى مخزن سلاح فليبيا اليوم أحوج إلى جمع السلاح من ?جل تحقيق السلام - أما إذا كنا نسعد برحيل (الدولة) فيها أياً كان شكل نظامها - فليبيا اذا لم يلحق بها العقال فهي مقدمة إلى شكل من الاستلاب الثقافي الجديد - والذي لربما قاد إلى تقسيمها - إلى ما دون حياة (البدو) السابقة - تلك الحالة من التخلف المجتمعي غير قابلة إلى التقدم بالتمرحل الثقافي - وبقدر ما سعد البعض برحيل القذافي - إلا أن المأساة الكبرى - أن ترحل ليبيا نفسها إلى دويلات ورأسمال لشركات، وقبائل تسربلها قشور الثقافة - لتعود إلى العالم و(الصك) دون الادراك لقيمة العملة في ظل غياب دولة المؤسسات بل الذي نأ?له ونرجوه أن يلتفت قيادات ثوارها (الأصهار) إلى حجم التحدي بالانحياز إلى جانب السيادة (المنتهكة) دولياً اليوم، بطيران حلف الناتو. ٭ وإذا كانت ليبيا القذافي تمثل هاجساً وتهديداً أمنياً لبعض دول الجوار - باحتضانها لمعارضيها - ومن هنا أتت الشماتة فليضع الشمات في الحسبان - لربما تجد حتى تلك (الحركات) المعارضة ضالتها اذا ما حدث فراغ دستوري - وهدد النظام أو الوضع الجديد ما بعد رحيل القذافي؟! وسياسة هذه بتلك لا تعتبر مبررا للتدخل في شؤون الدول الأخرى!! (4) التغيير والفرح الزائف إن التغيير (الثورة) في النظام الحاكم، والذي شهدته ليبيا ومن قبلها مصر، وتونس، ولربما سوريا واليمن - ومن قبلهم جميعاً العراق يشتم فيه المراقب والمحلل السياسي روح المؤامرة، واللعب باسم أحلام وتطلعات شعوب الشرق الأوسط في بحثهم عن (العيش الكريم الآمن) ومن هنا يأتي الخوف - فكل الهبات التي تمت اليوم - تفتقد إلى القيادة تماماً وإلى تبادل وتسليم الأدوار المرحلية، ما بين كل جيل وجيل وما يؤكد ذاك ظهور الشاب في الفضائيات، وهو يحمل (مسدسه الذهبي) وهل هو من غنائم (العقيد)؟! لذا فهو فرحان بانهائه لحياة القذافي وهنا تأتي?مأساة الشباب الليبي - ما بعد رحيل القذافي الأبدي. ٭ فشاب عمره لم يتجاوز ثمانية عشر عاماً - مهما كانت مقدرته (الجهادية) على القتال وحمله للسلاح، فهو بالضرورة أحوج إلى (حمل القلم) من أجل العلم ليسطر للعالم مستقبل (ليبيا الجديدة) بالحبر لا بالرصاص والدماء!! ٭ ألم نقل إن الحديث عن شباب الثورات العربية و(الفيس بوك) عبارة عن أكذوبة كبرى - ثم اذا كان حلف الناتو - قد حسم المعركة عبر الضرب (بالطيران) لصالح ثوار ليبيا - بضربه لكل (المدرعات) التي ظلت تحمي القذافي يبقى ما الداعي إلى عرض مسرحية (الشاب) - أليس هذا هو عين (الاستخفاف) وما هو مستقبله في ظل انتصار (الثورة) - هل سيذهب بطلاً إلى قاعات الدرس من الجامعات، أم إلى ساحات القضاء العادل (ليحاكم) بعد أن سمعنا بأن زوجة الراحل القذافي، قد طلبت من الأممالمتحدة حقها الشرعي والقانوني في دم زوجها - الذي (أغتيل)؟! على يد (?لثوار) بعد (الأسر)؟! ٭ وهل في عرف الإمبريالية - ما بعد العولمة وثورة الاتصالات ونهاية (الشيوعية) في عقد التسعينيات من القرن الماضي - من يتحدث عن شرعية ثورية؟!. ومهما كانت نهاية القذافي التراجيدية - فيحمد له أنه لم يبرح ليبيا - وحتى عند (الزنقة) - وما نظن أن من أطلق على نفسه لقب (ملك الملوك) سوف يعدم من (الحاشية) في طخوم مملكته القارية من يستطيع ايوائه وتوفير الحماية له - ولكن من كان يسعى إلى تغيير العالم بنظريته الثالثة - (ما أظنه يهرب) - وبموته هذا قد كتب له تاريخاً جديداً - وتبقى وفاته على الثبات هو مدخلنا إلى رفع الأكف له ب?لرحمة فهو بالضرورة أحوج دون غيره إلى مغفرة الله سبحانه وتعالى وهو بالرغم من الأخطاء الجسيمة والتي حملها أوزاراً إلى العقاب فهو أيضاً اجتهد وكان صادقاً فيما يحمل بالرغم من (جنون العظمة) التي قادته إلى الهلال والنهاية المأساوية. ٭ وختاماً هل آن أوان (الفوضى الخلاقة) وهذا ما صرحت به (كوندي) وزيرة الخارجية (السمراء)؟! ٭ هامش:- أمريكا هي الطاعون، والطاعون أمريكا كما قال شاعر المقاومة الفلسطينية الراحل محمود درويش.