يواجه أصحاب الماشية في ولاية القضارف ،خاصة في البطانة، صعوبات بالغة في إطعام مواشيهم وسقياها بعد أن شهدت المناطق الرعوية جفاف المراعي ونضوب الحفائر جراء شح الأمطار مما دفع الرعاة في بعض المناطق مثل الكويشر والرحمانية وأبو سبيكة إلي استعمال "تناكر" المياه لسقاية الماشية ،وشد آخرون الرحال إلي ولايتي الجزيرة والنيل الأزرق بحثا عن مراع ومياه،وبدأ بعض رعاة البطانة التخلص من مواشيهم حتى لا تهلك من الجوع والعطش ويعتصرهم الألم ؛ لأنهم يفعلون ذلك مكرهين وليس من خيار أمامهم ،وصار فقد مصدر رزقهم مخرجا من مستقبل أسوأ?ينتظرهم. ويعكس وجه الأزمة تزايد العرض في أسواق الماشية خلال الأسابيع الماضية مما سيؤدي إلى خفض أسعار المواشي بصورة مؤقتة قبل أن تشهد ارتفاعا مضطردا، ولكن رعاة القضارف يندبون حظهم لأنه لا سلطة قومية أو محلية تشعر بمحنتهم وعليهم مواجهة مصيرهم بأنفسهم ..قلوبنا معكم. وفي ولاية شمال كردفان وخصوصا في بادية الكبابيش الوضع لا يقل قتامة عن بادية البطانة ومناطق ولاية القضارف الأخرى التي ضربها الجفاف وقلت فيها معدلات الأمطار، فشمال كردفان يقدر عدد الثروة الحيوانية فيها ب 25 مليون رأس من الماشية تعادل نحو 20 في المئة مما يمتلكه السودان، وضعفين ونصف الضعف لثروة هولندا المصنفة بأنها أكثر دول العالم تصديرا لمنتجات الحيوان ومشتقاته. ومناطق الكبابيش المنكوبة بالجفاف تواجه مواشيها من الضأن والجمال النفوق بسبب جفاف المراعي ونضوب المياه،ورغم محاولتهم البحث عن مراع فإنها رغم بعدها لا تكفي شهرين لتزاحم كل ثروتهم في مساحات محدودة،وهجر شبابهم تربية الماشية إلى مناطق الذهب الذي تذخر به المنطقة في أربعة مواقع تنتج كميات مقدرة يوميا تدر على الولاية ريعا مئات الملايين من الجنيهات،ولكن أهل المنطقة عطشى وتغيب عنهم الخدمات (التعليم والصحة)، وتواجه مواشيهم الموت جوعا وعطشا. جالست خلال عطلة العيد عددا من رموز الكبابيش فوجدتهم في حيرة من أمرهم ويعتصرهم الألم ويستبد بهم الإحباط والغبن، فلا حكومة ولايتهم تهتم بأمرهم وتشعر بمعاناتهم ولا الحكومة الاتحادية تدري بحالهم،وليس أمامهم إلا بث شكاويهم علها تجد قلوبا رحيمة ترأف بهم وتواسيهم في محنتهم. مناطق تعدين الذهب الأهلي الأربع في مناطق الكبابيش ينبغي ان يخصص جزء من ريعها أي الرسوم التي تفرضها حكومة الولاية لصالح الخدمات وتنمية المنطقة حتى لا يشعر مواطنوها بالغبن ويتحرك شبابها ضد الشركات التي ستمنح امتيازا للتعدين باعتبار أنها ستنهب ثرواتهم ولا تسهم في دعم الموطنين. نخشى أن تؤدي الأوضاع في المنطقة إلى تحركات واحتكاكات سكانية تكون سبباً في تغيير طبيعتهم وسبل كسبهم، كما حدث للنازحين من شمال كردفان إبان فترات الجفاف الأخيرة الأمر الذي كان له بالغ الأثر على وضعهم النفسي والاجتماعي و المعيشي ونتج عن ذلك فاقد تربوي كبير، كما تأثر الإنتاج الزراعي و الرعوي في المنطقة وحدثت هزة سكانية عنيفة لا تزال آثارها مستمرة. الجهات المعنية مطالبة بتحرك عاجل فالظروف المناخية ما زالت متقلبة وقد ضربت منطقة القرن الأفريقي في العامين الأخيرين موجة جفاف عنيفة أهلكت الزرع والضرع والسودان ليس بعيدا عن ذلك، كما أن شمال كردفان لم تشهد قيام أي مشروع تنموي من شأنه أن يحول دون نزوح الناس إذا تعرضوا لهزة أو كارثة مماثلة، ولذلك فإن الأولوية ينبغي أن تكون لتنفيذ مشاريع ذات جدوى اقتصادية تتناسب مع ظروف موطني المنطقة و طرق معيشتهم.