٭ يلاحظ القاريء العزيز بعض التكرار في الموضوعات التي اطرحها.. في هذه المساحة.. مساحة «صدى» وانا اقول لاصحاب الملاحظة انها واردة، وذلك لسبب واحد هو ان هذا اللقاء يشكل جزءا شفافاً بيني وبينكم وهو يلملم اصداء ما يدور حولنا.. وهو ينقل كل ما احسه وألاحظه في الحياة من حولي وحسب رؤيتي لكل هذه الجوانب.. جوانب الحياة المبهج منها والقاتم.. والكتابة في حد ذاتها عمل إنقلابي كما يقول نزار قباني. ٭ واليوم ايضاً اطرق موضوعاً طرقته مراراً.. وساظل اطرقه طالما ظل يسد الافق في وجه الانسان السوداني المغلوب على امره. ٭ كلكم تلاحظون ان الشكوى ما عادت ذات جدوى.. الإنكفاءة على الذات والانين الخافت يمزق احشاء الكيان الاجتماعي.. قبل ان يمزق اعماق الجائع او المريض او البائس. ٭ امام كل الظاهرات التي تطالعنا بها الصحف كل صباح.. ظاهرات العنف مع الآخرين ومع النفس.. القتل بين الاصدقاء والزملاء والأخوة... والازواج والعنف مع النفس بالانتحار.. كلها ظاهرات خلفها سؤال يطرح نفسه بالحاح شديد سؤال من شقين الشق الأول يكمن في سيادة العطالة.. في جيوش الخريجين الذين تدفع بهم الجامعات للحياة كل عام، والشق الثاني هل دخل العامل أو الموظف أوالحرفي الصغير أو الجندي أو المزارع يتكافأ مع اعباء الحياة ام لا؟ ٭ قد يقول قائل ان حال حياة البشر ان تتفاوت دخولهم ومستويات حياتهم وهذا شأن الحياة وتفاوت الارزاق.. وهذه حقيقة ولكن هناك حقيقة اكبر وهي مسؤولية ولاة الامر في ايجاد حد من التكافل يحفظ الحد الادنى من السلام الاجتماعي، وهذه المعادلة ناقشتها الاديان السماوية عن آخرها والنظريات الوضعية.. للحد الذي يفرض على الدولة دعم الاساسيات للفقراء واصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة وتجعل الخدمات الضرورية على الاقل مجاناً كالعلاج والتعليم والماء النظيف. ٭ من خلال الواقع الذي يعيشه المجتمع السوداني وبالذات قطاع العمال والموظفين نلمس عمق الانقلاب الذي حدث في حياتهم من جراء الموجة المستمرة والمتصاعدة لارتفاع الاسعار الذي بدأ مع اعلان سياسات التحرير واستمر لعقدين من الزمان. ٭ على الرغم من التزامات الحكومة برفع الأجور وصرف المنح في بعض المناسبات.. الا ان ذلك لم يمنع من انهيار الوضع الاقتصادي لهؤلاء، للحد الذي جعلهم تحت حزام الفقر، وذلك بسبب غول الاسعار النهم الشره. ٭ من الناحية الثانية فقد ادى التضخم الذي كاد ان يذهب بالجنيه الجديد بعد ان قضى على الجنيه القديم وعلى الدينار تماماً.. وادى بشكل واضح ومخيف الى ظهور اعداد كبيرة من «المليارديرات» الذين تمكنوا من استغلال جو التحرير في تكوين ثروات طائلة لا يمكن بحكم العقل والمنطق فهمها أو تبريرها. ٭ والسؤال الذي يتردد بصورة ملحة ايضا هو لماذا لا تفكر الحكومة في وضع برنامج لإيجاد التوازن بين الدخول والاسعار؟ بل لماذا لا تقف على نتائج إدارة سياسة التحرير هذه؟ فالمواطن لا يريد ان يعرف تفاصيل المدارس الاقتصادية ونتائجها على المدى القريب او البعيد.. ولكنه يريد ويعرف ان تبحث له الحكومة عن علاج يخرجه من مسلسل الشقاء الذي ادخلته فيه هذه السياسة اللعينة.. سيما العلاج فمن الممكن ان يحتمل الأب والأم جوع اطفالهما، ولكن من المستحيل ان يحتملا انات المرض التي تنبعث من اعماق اطفالهما التي فرقها الجوع والحرمان قبل المرض ويستحيل عليهم الدواء. ٭ ولكن يبدو ان الحكومة اصبحت تتبنى سياسة التعايش مع هذا الواقع الذي ادى الى الخلخلة الاجتماعية الراهنة. ومع حمى الانتخابات لم نسمع اي حديث عن مراجعة هذه السياسات لا من قبل أهل الانقاذ ولا من باقي الفعاليات السياسية الاخرى. هذا مع تحياتي وشكري