العنوان أعلاه مستلف من المثل الذي يقول «تسمع بالمعيدي خيراً من أن تراه»، والمثل يضرب للشيء أو الشخص الذي يكثر الحديث عن قيمته وجمائله ولكن حين تراه رأي العين وتقف أمامه وجهاً لوجه تجده شيئاً ضئيلاً صغيراً أو شخصاً دميماً قصيراً، وهذا هو حال الاستثمار في السودان، حيث تكثر مفوضية الاستثمار بولاية الخرطوم الحديث عنه وعن الميزات الاستثمارية التي تتمتع بها البلاد وعن الآلاف المؤلفة من المشاريع الاستثمارية المصدقة، بينما حقيقة الواقع في الأرض أنك تسمع جعجعة استثمارية ولا ترى لها طحناً، ومن ذلك ما أدلى به مدير خد?ات المستثمرين الذي أحصى لنا ما ينيف عن الألف ومائة مشروع استثماري صدقتها سلطات الولاية، فصلّها كما يلي: «ثمانمائة وأربعة مشروعاً في المجال الصناعي، وستة وتسعون في المجال الزراعي ومائة وستة وثمانون مشروعاً استثمارياً في المجال الخدمي»، ولن نغالط المدير في أرقامه المصدقة على الورق، ولكنا سنسأله بغير براءة عن أين هو أثر هذا العدد الكبير من المشاريع الاستثمارية التي عدّدها على حياة الناس ومعاشهم، وأين هي منتجاتها بل ما هي مساهمتها في حل مشكلة العطالة المتفشية والخريجين الهائمين على وجوههم وما هو دورها في تحقيق?الوفرة وخفض الأسعار التي ما انفكت تتصاعد يوماً بعد يوم.... إننا نخشى أن يكون السيد مدير خدمات المستثمرين قد عنى بمشاريعه الألفية تلك، ذلك النوع من الاستثمارات التي سبق أن أطلقنا عليها مسمى «استثمارات تكفين الميتة» ومن عينتها مصنع الحلاوة والبقلاوة الذي كان يستخدم مواداً منتهية الصلاحية واسرائيلية كمان، لم يكتف باسترخاص أرواح السودانيين وإنما سعى لاذلالهم أيضاً، أم أنه يا تُرى يعني تلك الاستثمارات الصغيرة الهامشية التي لم تقف على الحلاوة والبقلاوة وإنما انداحت وتمددت لتشمل صوالين الحلاقة والمساج وكوافيرات تزيين السيدات ومطاعم البيتزا والمندي والزغني ومحلات الستائر ?الأرائك وغيرها من أعمال وخدمات لا يمكن بأية حال وضعها في خانة الاستثمار الأجنبي الذي يتم جلبه وتبذل له التسهيلات والاغراءات وتدبج له اللوائح والقوانين، وان لم تكن هذه الاستثمارات كذلك فإنها من دون شك لن تكون سوى قطع أراضٍ خالية وتصديقات على الورق، وذلك شك يصدقه الواقع المعيش الذي يكشف الهوة الواسعة بين احصاءات ادارة الاستثمار وما يحصده الناس من معاناة لمجرد البقاء على قيد الحياة بما يكابدونه يومياً من عنت في الحصول على طعام اليوم، ومن المفارقات أيضاً التي لا تدري هل تضحك لها أم تبكي منها هو أن الحديث يدور ?لآن عن هذا العدد الكبير من المشاريع الجديدة في الوقت الذي أغلقت فيه عشرات بل مئات المصانع الوطنية القديمة والعريقة أبوابها وأصبحت مثل الخرابات يسكنها البوم ويأوى إليها المجرمون، وما بقى منها صامداً مازال يصارع بجلد وصبر سكرات الموت والفناء دون مغيث أو معين، فهل في مثل هذه المناخات الضبابية يمكن التعويل على أي حديث يبشر بطفرة استثمارية وصناعية وخدمية جديدة، ان الاقتصاد والاستثمار لا تنطلي عليه ألاعيب السياسة ولا ينخدع بأقاويل الساسة وإدارة الاستثمار ليست هي قطاع التعبئة بالمؤتمر الوطني...