تعاني مصر ما بعد ثورة 25 يناير 2011م، من معضلات التحوّل الديمقراطي والانتقال من حقبة حكم دكتاتوري خانق إلى مرحلة الانفتاح على عهد من الحريات والتعددية السياسية والتفاعل والصراع السلمي في إطار قواعد اللعبة الديمقراطية والذي تتعاظم فيه تحديات الفترة الانتقالية ومعوقاتها وتناقضاتها ما بين سقوفات الثوار غير المحدودة وعقلانية رجال الدولة وتعاطيهم الهادئ والبارد مع الأحداث،ويتجلى التناقض ما بين القيادة العسكرية المحافظة على أدوات الدولة وآلياتها القديمة بجهازها البيروقراطي الذي استمرأ التعاطي مع حركة النظام البا?د البطيئة طوال العقود الماضية وسعيه المستميت في عرقلة حركة الثورة والتغيير . . وبين القيادات المدنية والشبابية التي أفرزتها الثورة وتطلعاتها إلى الحسم الثوري في تحقيق المطالب الشعبية . . دون أن يشفع للعسكر انحيازهم للثورة الشبابية . في حين تنشط القوى السياسية المصرية في استقطاب السند الجماهيري ووراثة سلطة العسكر باللعب على تناقضات الطرفين (العسكر وشباب الثورة) وسرعان ما برز صراع الأجندات السياسية ما بين الأحزاب العلمانية والجماعات الإسلامية حيث تحاول القوى العلمانية التأثير على المد الشعبي المحافظ بالاستثمار في تضخيم الظاهرة الإسلامية واستخدامها كفزاعة مثلما فعل النظام السابق تماهياً مع «الإسلامو فوبيا» في الغرب لاستقطاب الدعم الخارجي من قوى الهيمنة الغربية التي ترمي الآن بثقلها خلف التيارات اللبرالية واليسارية لفرملة الزحف الإسلامي م? خلال أساليب ماكرة «كوثيقة المبادئ الدستورية» التي أعدها نائب رئيس مجلس الوزراء «علي السلمي» ثم ما لبث أن تراجع عن كثير من بنودها تحت ضغط الشارع واعتبرها وثيقة استرشادية غير ملزمة للبرلمان المرتقب . ربما تكون الثورة المصرية شبيهة بالفترة الانتقالية عقب الانتفاضة السودانية في مارس أبريل 1985م، التي أطاحت بحكم الرئيس الراحل/ جعفر محمد نميري حين تسلم السلطة المجلس العسكري الانتقالي بقيادة المشير/ عبدالرحمن محمد حسن سوار الذهب الفريق أول حينها حيث تكونت الحكومة الانتقالية برئاسة الدكتور/ الجزولي دفع الله ولم يتمكن الحكم الانتقالي من تحقيق طموحات الثوار لقصر مدته (سنة واحدة) ولم يكن أداؤه مرضياً لأغلبية القوى السياسية وخاصة اليسارية منها والتي تطلعت لقطيعة تامة مع النظام المايوي وسدنته «الفلول»وقوان?نه (قوانين سبتمبر 1983م) حيث رأت القوى الرادكالية في الفترة الانتقالية امتداداً لنظام الرئيس نميري حتى أسمتها الحركة الشعبية (مايو2) تماما كما يرى بعض المصريين اليوم في المجلس العسكري بقيادة المشير/ حسين طنطاوي امتداداً لعهد الرئيس المخلوع/ حسني مبارك . من الطبيعي أن تشهد الفترات الانتقالية الكثير من التجاوزات السياسية والتحديات الأمنية إثر حل جهاز أمن الدولة وانهيار القوى الأمنية الأخرى على نحو غير مسبوق . . هذا مع الانفتاح نحو عهد من الحريات شبه المطلقة للأحزاب وقوى المجتمع المدني حديثة العهد بالممارسة الديمقراطية الرشيدة، خاصة وأنها حريات تأتي بعد عقود طوال من القمع والكبت والسياسي . . وهو ما ينبغي أخذه في الاعتبار من قبل السلطة العسكرية في التعامل مع الشارع بالحيطة والحذر اللازمين في احتواء الأزمات وامتصاص الغضب الشعبي والتفلتات الأمنية بالحلول السياس?ة وعدم اللجوء للعنف غير المبرر مع الجماهير والتحقيق ومحاسبة ومحاكمة المتسببين في صدام القوى الأمنية بالشباب الثائر الذي يطمح البعض منه في تحقيق أهداف الثورة في الحال . .وهيهات أن تملك أية سلطة عسكرية كانت أم مدنية «عصى موسى» مواجهة معضلات الإدارة والفساد وحل مشكلات الاقتصاد المزمنة وبالغة التعقيد ومن ثم تلبية طموحات الشعب وأشواق الثوار بجرة قلم. فالسياسة تُعرف بأنها فن الممكن لا التطلع نحو المستحيل!! .