"منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    عثمان ميرغني يكتب: «منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود    مجلس السيادةينفي ما يتم تداوله حول مراجعة الجنسية السودانية    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الربيع العربي ومآلاته
نشر في حريات يوم 13 - 07 - 2012


الفاضل عباس محمد علي …..
……..12 يوليو 2012
بدأ ما يسمى بالربيع العربي بالانتفاضة التونسية، 17 ديسمبر 2010 – 14 يناير 2011، وأعقبتها المصرية بنهاية يناير 2011، ثم الليبية فى 17 فبراير 2011، وعلى الفور جاءت السورية فى مارس من نفس العام، وبعدها بشهرين بدأت الانتفاضة اليمنية. ولقد تفاوتت حظوظ هذه الحركات من النجاح…أي فى الإطاحة بالأنظمة المعنية؛ فقد كُتب التوفيق لبعضها بسرعة وبدون تكلفة مادية أوإنسانية باهظة…وبعضها استمرت لشهور عديدة – كما فى الحالة اليمنية – أو لفترة تربو على العام والنصف…كما في سوريا، حيث لا زالت المعاِرك دائرة بكل المدن والقرى، وحيث يقف نظام بشار الأسد بجيشه وقوات أمنه ومجندى حزب البعث، أو ما يسمون بالشبيحة، فى جانب….ويقف الشعب السورى بكل مكوناته السياسية والإثنية والطائفية والجهوية..فى الجانب الآخر، يمثله من حيث القيادة السياسية تنظيم شبه موحد للأحزاب المعارضة (المجلس الوطني السوري)، بالإضافة لمليشيا مسلحة أفرزتها الحاجة للدفاع عن النفس، تعرف بإسم (الجيش السوري الحر)، مع دعم مثابر وجهود دبلوماسية لم تتوقف من جانب الجامعة العربية.
فما هي حقيقة هذا الربيع العربي؟ وما هي الظروف التى قادت لهذه التحركات؟ وما هو سر التزامن أو التتابع الذى اتسمت به هذه الثورات؟ وهل هناك سوابق عالمية لثورات فى شكل موجات كاسحة شملت عدة دول؟ وما هي القوى التى لحقت بالانتفاضة فى منتصف الطريق، والتى سيطرت عليها (أو اختطفتها) فى آخر الأمر؟ وما هي مآلات هذا الحراك؟ وما أثر هذا الحراك على القضية العربية المركزية… وهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟
هذه هي محاور المبحث الذى نحن بصدده، ومن الواضح أنها تلافيف شائكة ومعقدة، وقد تتعذر الإجابة على الأسئلة التى تنطوى عليها بالوضوح الكافى، إذ أن غبار المعارك لم يهدأ.. والصورة النهائية لم تتضح بعد، والوضع فى كل الدول المعنية ما زال زئبقياً وهلامياً وفى حالة تشكيل وتخلّق.. ولم يتوصل لصورته النهائية فى الغالب الأعم؛ وهو فى الحالة السورية مثلاً ما زال حرباً ضروساً وزلزالاً أمنياً خطيراً، وليس معروفاً إذا ما ستُخمد النيران السورية فى موضعها… أم سيمتد أثرها للمنطقة المجاورة،… علماً بأن هذه المنطقة تتربع فى وسطها إسرائيل التى تحتل جزءاً من سوريا منذ 1967، كما تحتوى المنطقة على لبنان الذى تساند شريحة منه الحكومة السورية (خاصة حزب الله والشيعة بصفة عامة)، وتساند شريحةٌ أخرى الشعبَ السوري… بالإضافة إلى أن النظام السوري يحظى بالتأييد المطلق والدعم المستمر من الحكومة الإيرانية، وكذلك روسيا والصين… وهكذا، فإن بوابة التدويل فى سوريا مشرعة تماماً، والموقف هاهنا محاط بمخاطر جمة تهدد أمن المنطقة والسلام العالمي.
وبالرغم من الحالة السورية، تبقى هنالك ظاهرة تسمى الربيع العربي يمكن الغوص فيها ودراستها، والنظر فى ملامحها المشتركة، على ضوء المحاور المطروحة أعلاه.
1. حقيقة الربيع العربي:
قامت انتفاضات فى كل من تونس ومصر وليبيا واليمن… أطاحت بالأنظمة التى كانت تسيطر على تلك الدول؛ وهي عبارة عن انفجارات سمحت بتنفيس الاحتقانات السائدة فى تلك الدول. ولهذه الانتفاضات العديد من القواسم المشتركة العظمى فيما بينها، وقادت جلُها لتغيير الأنظمة بما قد يفتح الأبواب لعلاج الاحتقانات من جذورها… وهذه الأبواب سيتعذر فتحُها إذا لم يعقب ذلك التغيير نقلة نوعية سياسية واقتصادية تمهد لعلاج جذور المشاكل، ….ومن ناحية أخرى، من الممكن أن يقود التغيير إلى فوضى وانتكاس وتنكّب للطريق… وربما حرب أهلية أو كارثة ماحقة… كما حدث للكثير من الثورات محلياً وعالمياً التى لا تسير فى خط مستقيم على الدوام، بل قد تتعرض لاختطاف أو ردة أو نكوص على الأعقاب: مثل الثورة الفرنسية، ومثل بعض الإنتفاضات التى حدثت فى السودان وأطاحت بأنظمة عسكرية دكتاتورية (أكتوبر 1964 وأبريل 1985).. ولكنها لم تكن سوى حلقة فى سلسلة دائرية شريرة ضربت ذلك البلد، وهي:- إنقلاب عسكري..ثم ديمقراطية غير مستقرة…ثم إنقلاب عسكري جديد…وهكذا.
على كل حال، سارت الأمور بصورة سلسة فيما يختص بالحالة التونسية، وتم انتقال هادئ نسبياً للسلطة من النظام السابق للوضع الجديد، وسادت حزمة من الحريات المكتسبة التى نظّمت فى أجوائها الإنتخابات البرلمانية والرئاسية. وكان هناك تخوف من استيلاء الإسلاميين على الثورة وانفرادهم بالأمر…مما كان سيخلق استقطاباً حاداً بينهم وبين العلمانيين والعناصر المدنية الأخرى. ولكن الذى حدث هو أن الإسلاميين (أي، حزب النهضة بزعامة راشد الغنوشي) تحلّوا بدرجة عالية من العقلانية والمرونة والانفتاح والبرجماتية، فعقدوا حلفاً مع العديد من الأحزاب والشخصيات اليسارية والعلمانية المعتدلة؛ ورغم أنهم اكتسحوا الإنتخابات النيابية (41%)، إلا أنهم تنازلوا عن رئاسة الدولة لشخصية علمانية معروفة بوطنيتها وبمواقفها الصلبة والثابتة ضد نظام زين العابدين بن علي، وأشركوا العناصر الوطنية والأحزاب العلمانية وشباب الإنتفاضة فى الحقائب الوزارية وفى العديد من مفاصل السلطة الجديدة. ومن ناحية أخري، فقد خفّف الإسلاميون التونسيون من حدة خطابهم الإيديولوجي لكي يلملموا اللحمة الوطنية… ويحققوا الوحدة بين القوى الوطنية بغرض الشروع فى التنمية الإقتصادية والتحول الإجتماعي … بدون الغرق فى المماحكات الحزبية والمزايدات السياسية التى أودت بالعديد من الديمقرطيات فى العديد من الدول العربية. ولهذا السبب، فقد تصرّم العام الأول من الثورة التونسية والأوضاع فيها تسير من حسن إلى أحسن، وقد حققت تونس نمواً إقتصادياً لا بأس به… ونشطت الحركة التجارية والسياحية فيها، ويبدو على الوضع بصورة عامة ملامح الاستقرار والسير الجاد نحو معالجة الأسباب الأساسية للتخلف والركود وكل ما أصاب المجتمع بسبب ممارسات النظام السابق، والذى تجلت مظاهره فى عطالة آلاف الشباب… وتردى الحالة المعيشية… والفوارق الطبقية الحادة بين القلة الحاكمة المحظوظة وسواد الشعب، بسبب ما كان سائداً من حكم غير رشيد وبعد عن الشفافية وحرمان للجمهور من المشاركة فى إتخاذ القرار… والإستحواذ على موارد البلاد من قبل رهط بن على وكوادر الحزب الحاكم.
وشيء من هذا القبيل حدث بالنسب للحالة المصرية. فقد كانت الثورة سلمية، بمعني أن المنتفضين لم يلجأوا للسلاح كما حدث فى ليبيا مثلاً، رغم الضحايا العديدين الذين سقطوا برصاص قوات الأمن. ولقد سارت الترتيبات اللاحقة للإنتفاضة على ما يرام، حتى تكللت بالإنتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة التى تمت بشفافية ونزاهة بشهادة العديد من الجهات المحلية والعالمية. ومرة أخرى، كما فى تونس، حقق الإسلاميون نجاحاً باهراً فى الإنتخابات، وفازوا برئاسة الجمهورية، (رغم أن نصف الذين صوتوا لمرشح الإخوان – الدكتور مرسي – جاءوا من اتجاهات سياسية أخرى، وبالتحديد من قوى الإنتفاضة التى كانت تخشى فوز منافسه أحمد شفيق ممثل النظام الذى انتفضوا ضده). ولم تتضح الصورة تماماً حتى هذه اللحظة فيما يختص بتكوين الحكومة الجديدة وإشراك الآخرين فى الأمر؛ ولكن، على كل حال، يتحدث الإسلاميون المصريون هذه الأيام عن الإنفتاح على الاتجاهات الأخرى، وعن اللحمة الوطنية.. والدولة المدنية الديمقراطية، وعن ضرورة إبعاد شبح الاستقطاب بينهم وبين الآخرين، رغم أن العديد من العلمانيين والوطنيين الآخرين يتخوّفون من الإخوان المسلمين وحزبهم (الحرية والعدالة)، حيث أنهم لم يوضحوا تماماً موقفهم من الدولة الدينية ومن قضية الأقليات غير المسلمة ومسألة المرأة….الخ. ولقد أبدى الرئيس الجديد زهواً بالسلطة الجديدة وميلاً للإنفراد بالأمر وعدم احترام للمؤسسية وللفصل بين السلطات وعدم تفهم لضرورة وجود كوابح وتوازنات بين تلك السلطات (القضائية والتنفيذية والتشريعية)… فى أسبوعه الأول بكرسي الرئاسة، إذ أمر بإلغاء قرار المجلس العسكري بحل مجلس الشعب، ودعا المجلس للإنعقاد مخالفاً حكم المحكمة الدستورية العليا وقرار المجلس العسكري. ولكنه سرعان ما تراجع عن ذلك القرار لما حكمت المحكمة ببطلانه…وهي على كل حال بادرة غير طيبة و لا تبشر بخير فيما يختص بعمليات الإنفتاح وإشراك الآخرين، بل يرى المراقبون فيها شبح الدولة الثيوقراطية التى ربما يسعى الإخوان لتأسيسها، على غرار السودان وأفغانستان الطالبانية وما يحدث الآن فى شمال دولة مالي والنيجر بإفريقيا على يد منسوبي القاعدة.
أما الوضع فى ليبيا، فهو فى حالة من الاستقرار النسبي منذ نجاح الثورة قبل بضعة شهور، ويشهد شهر يوليو الجارى المعركة الانتخابية للمؤتمر الوطني الذى سيتولى صياغة الدستور وإدارة البلاد فى المرحلة الإنتقالية. ورغم وجود القوي الإسلامية فى الساحة، إلي أن الحديث يتجه كذلك نحو الحفاظ على اللحمة الوطنية، خاصة مع ظهور الإتجاهات المنادية بالإستقلال الذاتي بالنسبة لإقليم برقة الشرقي الغني بالنفط. ومن المفارقات الملفتة للنظر أن الإسلاميين الليبيين ليس لهم نفس الشعبية التى يتمتع بها (إخوانهم) المصريون، رغم بلائهم فى النضال ضد نظام القذافي، ورغم التدين الشديد الذى يتسم به المجتمع الليبي المحافظ للغاية. وهنالك إتجاه وسط قوى الإنتفاضة لإرساء دعائم التحالف بين الإسلاميين وغيرهم من القوى الوطنية، على الأقل حتي عبور المرحلة الانتقالية. ولقد جاءت نتيجة الإنتخابات مفاجئة لجميع المراقبين، (وهي التى تم إعلانها أثناء إعداد هذا البحث)، إذ لأول مرة تفوز العناصر الوطنية (تحالف القوى الوطنية بزعامة محمود جبريل)، ويتراجع الإخوان المسلمون (العدالة والبناء)، بعد النجاحات التى حققها الإسلاميون فى الإنتخابات المغربية… (والمغرب بالطبع ليس جزءاً من دول الإنتفاضات)… ثم التونسية و المصرية… فى الفترة القريبة الماضية؛ وذلك مما يعطى مؤشراً جديداً حول طبيعة هذه الإنتفاضات، وحول ديناميكية الإنتخابات التى تعقبها فى كل بلد على حِدة.
وبخصوص اليمن، فقد كانت هناك وساطة نشطة من دول مجلس التعاون الخليجي تمكنت بعد نيف وعام من الحوار والدبلوماسية الماكوكية.. من التوصل لحل قبلته كل الأطراف المعنية. ونتيجة لذلك، تمت تنحية الرئيس على عبد الله صالح بهدوء ويسر لصالح نائبه، وتم تنفيس الاحتقان الحاد الذى أوشك على التحول إلى حرب أهلية كاسحة. عموماً، لا زال اليمن يعاني من مظاهر عدم الاستقرار والتخلف الإقتصادي والاجتماعي الذى يحتاج لأكثر من مجرد تغيير فوقي للنظام..لعلاجه، إذ أنه يحتاج لثورة حقيقية تشمل كل نواحى الحياة، ونظرة جديدة غير قبلية أو طائفية أو مناطقية، وتقسيم جديد عادل للسلطة والثروة، وإشراك لمجمل الشعب فى عملية التقدم الإقتصادي والإجتماعي. ( إن الثورة ليست فقط فعل إرادة تستهدف واقعاً استبدادياً طلباً للحرية، ولكنها تغيير لواقع وبناء لطريقة فى التفكير وتأسيس لنمط سلوكي معين يتجاوز حدود تغيير الواقع ليخلق بدائل تمكن مكتسبات هذا التغيير من مواجهة محاولات إطاحتها وإجهاضها.) “الربيع العربي ص 40)
وبالنسبة لسوريا، فما زالت الإنتفاضة فى أوجها، وما زال النظام متشبثاً بالحكم، ولم يساعد التدخل الخجول من الأسرة الدولية فى تحريك المياه نحو أي حل يقود لإيقاف نزيف الدم أو إلى إحداث تغيير فى بنية النظام بشكل أو بآخر، كما حدث فى ليبيا. و لا زالت محاولات الجامعة العربية لتحريك الأسرة الدولية للتدخل تتكسّر أمام حق النقض الذى تستخدمه باستمرار كل من روسيا والصين العضوان الدائمان بمجلس الأمن…دفاعاً عن النظام السوري.
2. ما هي الظروف التى قادت للحراك؟
معظم الدول التى شهدت الإنتفاضات المذكورة كانت ترزح تحت أنظمة أتوقراطية يسود فيها الحزب الأوحد، حزب الحكومة، مع غياب كامل أو شبه كامل للشفافية وحرية الرأي، وحضور مكثف للمحسوبية والفساد المالي والإداري… وللتقسيم غير العادل للثروة، مع إتجاه نحو التوريث. ولقد توقفت النهضة الإقتصادية التى شهدتها السنوات الأولي بعد الإستقلال من المستعمر، فأخذت الأوضاع المعيشية تتردّى وسط غالبية الشعوب… وتفاقمت البطالة، فى ظل الازدياد المضطرد فى عدد السكان..مع شح الخدمات كالتعليم والصحة…وانهيار البنية المؤسسية وتردى صحة البيئة. ولقد أصبحت الدولة جهازاً بيروقراطياً مترهلاً ، وعبئاً باهظاً على الموارد المتناقصة. وما عادت هذه الدول منافساً يعتدّ به فى الأسواق العالمية، سواء فى المجالات التجارية أو الصناعية أو الزراعية أو السياحية، أو فى مجال تصدير العمالة ذات الكفاءة للدول التى تحتاج لمثل تلك العمالة. وبقدرما تشبثت تلك الأنظمة بالحكم فى دولها، بقدرما سخّرت موارد بلادها للصرف على الأجهزة الأمنية ، خاصة الجيوش التى تم تجيهزها بأغلى الأسلحة وبالتدريب باهظ التكلفة، لا لتخوض المعارك ضد العدو الخارجي، ولكن لتعمل على حماية النظام الحاكم من شعبه. ومع تضاؤل الموارد المحلية، وضعف الإنتاج القومي، وانحسار المصادر الذاتية للنقد الأجنبي، واختلال الميزان التجاري بصفة مزمنة…. دخلت هذه الدول فى عمليات اقتراض ضخمة من المنظمات النقدية العالمية ومن الدول التى قد تمنح القروض بشروط سياسية واقتصادية تصب فى مصلحة الدائن وليس المدين. وكانت المحصلة النهائية لهذه الأوضاع هي التهميش والبؤس والقنوط الذى ران على شعوب هذه الدول، مما جعلها تنتفض شيئاً فشيئاً، عبر حراك عمالي ومهني وشبابي، متدرجة نحو الانتفاضة العامة النهائية التى أودت بتلك الأنظمة.
ولقد تدرجت تلك الإنتفاضات فعلاً عبر عدة مراحل، بدءاً بالإضرابات العمالية المحدودة والمحلية، مثل إضراب عمال المحلة فى مصر قبل الانتفاضة بعامين (6 أبريل 2008)؛… وكان لثورة تقنية المعلومات القدح المعلى فى تدعيم وتركيز وتصعيد هذه الجهود والسير بها نحو الانتفاضة الشاملة، خاصة الشبكة العنكبوتية ومعطياتها المختلفة، الفيس بوك والتويتر والفديوكنفرنسنج…والموبايل ورسائل الإس إم إس،… ولقد ازدهرت مقاهي ومنتديات النت فى كل ربوع العالم، بما فى ذلك العالم العربي، ونشأت نتيجة لذلك أندية ومجموعات شبابية تواصلت مع بعضها البعض بواسطة هذه الأدوات الإلكترونية. وكان ذلك التواصل لأغراض إجتماعية محضة فى بداية أمره، ولكنه تطور حتى بلغ مستوى التنسيق السياسي الهادف لتجميع القوى باتجاه النشاط السياسي المحدد والمبرمج…الهادف للقيام بالإنتفاضة،… ولهذا فهي تعرف الآن بإسم (ثورة الشبكة العنكبوتية.) “الربيع العربي ص 64″.
3. التزامن والتتابع:
لقد ساهم الإعلام الإجتماعي فى ربط شباب كل دولة مع بعضهم البعض،… وأخذ أولئك الشباب يعدّون بحصافة وذكاء شديد، بعيداً عين أعين الأجهزة الأمنية، لتجميع صفوفهم. ففى الحالة المصرية، على سبيل المثال، بدأت الحركة عام 2008 بإضراب عمال المحلة الكبرى الذى قمعته قوات الأمن بصورة وحشية، مما أدى لقيام مجموعة من الشباب بقيادة المهندس أحمد ماهر بتأسيس مجموعة أسمت نفسها (شباب 6 أبريل)، تهدف لإحياء الذكرى السنوية لتلك الحادثة، بالتواصل الإلكتروني بين المتصفحين للنت؛ ثم انضم لهذه الحركة وائل غنيم الذى أسس حركة (كلنا خالد سعد)، ولكنه لم يتوقف عند حد التضامن مع عمال المحلة، إنما أخذ يدعو لموقف سياسي ضد النظام بأكمله. وبالإضافة لذلك، نشأت العديد من المجموعات الشبابية الأخرى التى كانت تستخدم الإعلام الإجتماعي فى تنظيم صفوفها ومخاطبة بعضها البعض، مثل حركة (كفاية)…. ولقد بدأت هذه المجموعات الشبابية ببضع مئات، وصلت بضع آلاف عام 2010،… ولما تداعوا للحضور لميدان التحرير فى يناير 2011 كان العدد لا يتجاوز 6000 عضواً… وبسبب التواصل الذى يسّره الإعلام الإجتماعي، كان الذين وصلتهم الدعوة للحضور لميدان التحرير مائة ألف، بيد أن الذين حضروا بالفعل، منذ أول يوم، تجاوزا المائتي ألف… مما رفع المعنويات، وشجع الحضور على مواصلة البقاء فى ميدان التحرير حتى النصر، وظهرت معجزة المسيرات المليونية، ليس فى العاصمة فقط…إنما فى كل مدن مصر..مما أرهق الأجهزة الأمنية وشتت جهودها.
وبينما ربط الإعلام الإجتماعي بين شباب الوطن الواحد، كما حدث بالنسبة للمصريين، فقد ساهم كذلك فى عمليات التواصل بين الشباب العربي من كافة دول المنطقة، مما عمق الصلات وأسس لحوار عربي/عربي شبابي تمت عبره عمليات تأثير وتأثّر واستفادة من خبرات الآخرين…أضف إلي ذلك أن معطيات القرية الكونية قد تناهت لكل دول المنطقة تقريباً، وأصبح من العسير على الأنظمة الحاكمة أن تحجب شعوبها عن التعرض لما تبثه القنوات الفضائية العالمية والإذاعات التى أصبحت محصنة ضد السنسرة والتدخل بفضل الإستعانة بالأقمار الصناعية وبتقنيات مكافحة القرصنة الإسفيرية. وما كان يحدث فى المعسكر السوفيتي من حجب وتشويش على الإذاعات والمحطات التلفزيونية الغير مرغوب فيها طوال فترة الشيوعية، أصبح من الصعوبة بمكان فى هذا العصر، ربما باستثناء إيران والصين اللتين تحاربان الأطباق الخاصة وتشوشان على إرسال القنوات التى تتناهى إلى دولهم.
وعلى هذا، فقد مكّنت الفضائيات المعروفة فى العالم العربي، مثل الجزيرة والعربية والبى بى سي والسي إن إن، … مكنت الشباب العربي من متابعة إحداثيات الحراك والانتفاضات التى قامت هنا وهناك، مما رفع من معدلات التضامن بين الشعوب، وأدى لمحاولات التقليد التى نجحت أحياناً، كما فى الحالة المصرية والليبية واليمنية، وما زالت متعسرة فى بعض المناطق، كما فى سوريا والسودانً. وقد أخذ التضامن شكلاً آخر، إذ أخذت حتى الأنظمة التقليدية فى المنطقة التى كانت تصنف كمحافظة..أخذت تقف مع الشعوب المقهورة على أمرها عندما تنتفض وتتعرض للبطش وللعنف المفرط؛ وهكذا نرى السعودية، مثلا، التى وقفت موقفاً رافضاً للإنتفاضة المصرية فى أول أمرها، تقف بعد ذلك موقفاً مغايراً تماماً فيما يختص بالأزمة السورية، وهي الآن فى طليعة الدول العربية المدافعة عن الشعب السوري والداعمة سياسياً ووجدانياً ولوجستياً لجهوده الرامية للإطاحة بنظام الأسد وحزب البعث، بغض النظر عن نوعية النظام الذى سيتمخض عن ذلك فى النهاية. كما يلاحظ أن أول دولة يعتزم الرئيس المصري الجديد زيارتها هي السعودية.
4. السوابق العالمية:
(أ‌) الثورات معدية فى كثير من الأحيان، وقد تتفجّر فى مكان معين، ثم تنتقل لدول أخرى مجاورة لها ظروف مشابهة تستدعى تغيير نظام الحكم عن طريق التظاهرات الاحتجاجية والاعتصامات والعصيان المدني والحراك الجمعي، كما حدث مؤخراً فى تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا. وهنالك شواهد من تاريخ البشرية على سلسلة من التطورات المتزامنة أو المتلاحقة من هذا القبيل، بما يشبه الموجه أو الطوفان:-
فقد تفجّرت ثورة المستعمرات البريطانية فى أمريكا الشمالية ، مثلاً، عام 1776 بقيادة جورج واشنطن والعصبة المسماة (الآباء المؤسسون)…وحققوا استقلالهم من بريطانيا واتفقوا على الدستور الأمريكي فى بنسلفانيا – فلادلفيا، وأقاموا دولتهم الإتحادية المدنية الديمقراطية العلمانية التى لا زال يحكمها ذلك الدستور.
بعد ذلك بعشر سنوات، اندلعت الثورة الفرنسية – عام 1789 – وتم إعلان حقوق الإنسان فى عام 1791 ، وصدر القانون الفرنسي بتحريم الرق وتجارة الرقيق. (ولكن، بعكس الثورة الأمريكية، تنكّبت الثورة الفرنسية طريقها، وأكلت بنيها، ثم عادت الملكية فى ثوب الإمبراطور نابليون الذى أشعل الحرب فى أوروبا كلها ..حتى تمت هزيمته عام 1815).
موجة أخرى من الثورات عمت أوروبا عام 1848، سرت كالنار فى الهشيم عبر خمسين دولة أوروبية، وقد أخمدت جميعها بالحديد والنار، ولكنها كانت بمثابة نقلة نوعية كونية، غيرت مجرى التاريخ تماماً،… إذ انتهى من جرائها عهد الإقطاع، وتقلصت سلطات الملوك لصالح المؤسسات التشريعية، واعتلت البرجوازية الحضرية سدة الحكم من خلال البرلمانات المنتخبة فى كل أوروبا الغربية، مما دفع بالثورة الصناعية خطوات للأمام… ومعها حقوق الإنسان.. التى أخذت تدافع عنها النقابات العمالية (المعروفة بإسم الحركة السندكالية).
وعمت أوروبا موجة ثورية أخري قرب نهاية القرن التاسع عشر: ففى عام 1871 قامت انتفاضة فى باريس نظّمها عمال المخابز وثلة من حلفائهم الباريسيين المطحونين؛ وحكم أولئك المنتفضون فرنسا لثلاثة أيام،.. ولكن سرعان ما تم إجهاض تلك الحركة التى عرفت بإسم “كميونة باريس”… وسُحق منفذوها بقسوة مبالغ فيها. بيد أنها أيضاً حرّكت المياه الآسنة، وخلّفت وراءها أثراً تاريخياً لم ينقطع حتى اليوم، وهو الإتجاه الإشتراكي الديمقراطي فى السياسة الأوروبية. ونتيجة لذلك الحراك أصبح الإشتراكيون الأوروبيون أكثر تنظيماً، وما هي إلا بضع سنوات حتى قام فصيل منهم بانتفاضة فى روسيا عام 1905 ثم عام 1917 عرفت بالثورة البلشفية التى قضت على حكم القياصرة فى الإمبراطورية الروسية، وأتت بالنظام الشيوعي الذى استمر لسبعة عقود – حتى انهيار المعسكر الإشتراكي بشرق أوروبا مع نهاية القرن العشرين.
وثمة طوفان تحرري آخر عمّ دول العالم الثالث المستعمرة مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية 1939-1945، بدءاً بالهند وإندونيسيا اللتين استقلتا عام 1947، حتى الدول الإفريقية والآسيوية التى نالت استقلالها فى خمسينات وستينات القرن المنصرم، باستثناء دولة الفصل العنصري التى استمرت بجنوب إفريقيا حتى تم تفكيكها عام 1994، ودولة الكيان الصهيوني التى ورثت فلسطين من الوصاية البريطانية… بتواطؤ مع الحكومات الغربية، منذ 1948 حتى الآن.
وجاء مدّ آخر من الثورات فى الثلث الأخير من القرن العشرين، وفق عملية تداعى الضمنة domino effect ، وهي تحديداً الإنتفاضات التى عمّت أمريكا اللاتينية وقضت على الأنظمة العسكرية الشمولية المدعومة من قبل المخابرات المركزية الأمريكية، والتى كانت مسخّرة لخدمة الإحتكارات الأمريكية… مما أفقر شعوبها واستنزف مواردها؛ وما هي إلا بضع سنوات بعد ذلك حتى نهضت كثير من هذه الدول وحققت معجزات فى التقدم والتحول الإقتصادي، خاصة البرازيل.
وعلى نفس المنوال، أتى تسونامي آخر على المنظومة الشيوعية بأكملها… لأنها تحولت من يوتوبيا تحلم بالعدالة والمساواة الطبقية وإنصاف العمال والفلاحين… إلى أنظمة أوليقاركية بيروقراطية متحجرة… ودكتاتوريات خانقة… ودول بوليسية تحت قبضة الأجهزة الأمنية القمعية،…فانهار الإتحاد السوفيتي وجميع دول المنظومة الإشتراكية، وتشظّى كل من الإتحاد السوفيتي وتشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا إلى عدة دول.
(ب‌) وبما أن الموجة العربية التى نحن بصددها – الربيع العربي – هي إنجاز شبابي بالدرجة الأولى، فلا بد أن نذكر موجة أخرى من الثورات الشبابية سبقتها ببضع عقود، و لا بد أنها على الأقل مختزنة فى الذاكرة الجمعية ، على الأقل بالنسبة لأجيال المثقفين العرب كبار السن… آباء الشباب الذين أنجزوا الإنتفاضات الأخيرة:-
فقد عمّت أمريكا وأوروبا الغربية انتفاضة شبابية احتجاجية عنيفة للغاية فى الفترة 19064 – 1968،…بدأت فى أروقة الجامعات الأمريكية احتجاجاً على تورط الولايات المتحدة فى حرب فيتنام ..التى صعّدها كل من الرئيسين جون كندى ولندون جونسون، والتى قادت للتجنيد الإجباري للشباب الأمريكي…ليلقي الآلاف منهم حتفهم فى فيتنام. ولقد تنامت فى تلك الأيام حركة السود المطالبين بالمساواة فى أمريكا، خاصة فى الولايات الجنوبية التى كانت تمارس التفرقة العنصرية ضد الملونين، وبرز إسم مارتن لوثر كنج زعيم تلك الحركة الذى اغتاله عملاء مكتب التحقيقات الفدرالي فى الرابع من أبريل 1968،…ولكن ذلك ساهم فى تسريع القوانين التاريخية التى أصدرها الرئيس جونسون فى نفس العام…المتعلقة بإنهاء كافة أشكال التفرقة العنصرية الرسمية فى الولايات المتحدة، خاصة فى مجال التعليم والخدمات الأخرى كالمواصلات، تأسيساً على القرارات التى كان جون كندى قد أصدرها بهذا الخصوص.
ولقد انتقلت تلك الحركة إلى الجامعات والساحات الشبابية الأوروبية…، بدءاً بألمانيا وإيطاليا عام 1967، ثم فرنسا عام 1968. ولقد تزعم تلك الحركة ما كان يسمى باليسار الجديد، ومن فلاسفته جان بول سارتر، واعتبرت تمرداً ليس فقط على الدولة الاستعمارية الرأسمالية الظالمة، ولكنها استهدفت أيضاً الأحزاب اليسارية التقليدية التى وصفت بأنها متحجرة ومتبلدة وعبء على الحركة الجماهيرية الراغبة فى التغيير الإقتصادي والإجتماعي؛ وكانت هذه الحركة أيضاً ضد الحرب فى فيتنام وضد آخر معاقل الإستعمار فى بعض أجزاء من إفريقيا، مثل أنقولا وموزمبيق وغينيا بيساو، كانت جميعها ترزح تحت الاستعمار البرتغالي.
لم يُكتب نجاح يذكر لتلك الحركة الشبابية، وتفرّعت منها منظمات فوضوية ومتطرفة مثل (بادرماينهوف) الألمانية و (الألوية الحمراء) الإيطالية، وانغمست فى أنشطة إرهابية شاذة أفقدتها تعاطف الشعوب، وتلاشت تلك المنظمات مع مرور الزمن. ولكن ثمة أثر تبقى، إذ توقفت الحرب فى فيتنام بعد أقل من عقد، وكذلك غادر الإستعمار الإستيطاني البرتغالي مستعمراته فى منتصف سبعينات القرن العشرين.
(ج) وأيضاً، طالما نحن بصدد الإنتفاضات العربية الأخيرة التى تنشد الخلاص من الحكم الاستبدادي وتستشرف أنواعاً من الديمقراطية تحفظ للإنسان كرامته وحريته، إن لم تفتح أمامه أبواب التقدم الإقتصادي والتحول الاجتماعي…فلا أقل من النظر فى التجارب والتقاليد الديمقراطية السابقة بالعديد من البلدان العربية، فالديمقراطية ليست مفهوماً غريباً مائة بالمائة على هذه المجتمعات:-
لقد تعرف العالم العربي على الديمقراطية منذ أن طرق بابه نابليون عام 1799 بفتحه لمصر…واستقدامه للآلة الطابعة، وهي بمثابة الكمبيوتر فى عالم اليوم،… كما فتح نابليون أبواب التعليم فى فرنسا للكوادر العربية ، بدءاً بالمثقفين الرواد محمد عبده ورفاعة رافع الطهطاوي…حتى عمالقة القرن العشرين مثل طه حسين وتوفيق الحكيم ويحي حقي وزكي نجيب محمود..إلخ.
وتميز عهد محمد علي منذ العام 1815 بالتحديث والتعليم وبعض المحاولات لإدخال نظام الشورى القريب من الديمقراطية الغربية؛ فقد أنشأ محمد علي (مجلس المشورة) عام 1829 ممثلاً لكل قطاعات الشعب وليس فقط الباشوات الأتراك ممثلو الطبقة الحاكمة، رغم أن ذلك المجلس كان بالتعيين.
وبعد الإحتلال البريطاني لمصر عام 1882 وفرض المعتمد الإنجليزي كحاكم فعليّ لمصر برغم وجود الملك (وهو بالضرورة من سلالة محمد علي) ، استمرت مظاهر الشورى والحكم الذاتي، وظهرت أحزاب الحركة الوطنية التى بدأت بأتباع أحمد عرابي وأحمد سامي البارودي الذين قاوموا الإحتلال البريطاني عام 1882، واستمرت طوال النصف الأول من القرن العشرين بقيادة سعد زغلول وقاسم أمين والنقراشى، قادة ثورة 1919.
ليست مصر وحدها، ولكن باقي دول الشرق الأوسط الساعية للتخلص من ربقة الاستعمار التركي العثماني، قبل وأثناء الحرب العالمية الأولى، جنحت كذلك نحو الديمقراطية الليبرالية، وذلك حتى تتماهى مع حلفائها الإنجليز والفرنسيين اللذين كانوا يساعدونها ضد الوجود التركي العثماني، وذلك لعدة أسباب:
1. إن الحليف (الإنجليزيى والفرنسي) الذى يزعم أنه يبتغي تخليصهم من الأتراك.. هو نفسه ذئب كاسر…ولا يؤتمن على قطعان الحملان، بدليل مستعمراته التى لا تغيب عنها الشمس واضطهاده للشعوب المماثلة الأخرى؛ ورغم أنه سيبقى فى الشرق الأوسط بموجب قرار عصبة الأمم كوصي مؤقت على (محميات) وليس (مستعمرات)…كان العرب يخشون أن يطيب له المقام، خاصة وقد ظهر النفط فى إيران ثم البحرين، وكان البحث جارياً عنه بشدة فى السعودية والخليج، كما بدا فى الأفق التهديد الصهيوني…منذ وعد بلفور 1917….فأراد العرب أن يقلدوا الغرب فى مؤسسات حكمه حتى لا يتهمهم بالتخلف ويجد المعاذير للبقاء…”ليعلمهم ويأخذ بيدهم نحو الديمقراطية”. وهكذا تمت إجازة دستور فى مصر عام 1922 سمح بإنتخابات حرة للبرلمان ..تتنافس عليها أحزاب مختلفة..كما سمح ببعض الحريات التى ظهرت بموجبها حركة صحفية ومسرحية وثقافية نشطة استمرت طوال القرن العشرين. ولقد تمت ترتيبات مماثلة فى العراق وسوريا، وتم الإتفاق على دستور ديمقراطي فى لبنان عام 1942 ساهم فى تحقيق قدر من الاستقرار فى ذلك البلد متعدد الأديان والثقافات… حتى نشوب الحرب الأهلية عام 1976.
2. أدرك طلائع المثقفين العرب الذين تعلموا فى الغرب …. أن الديمقراطية ضمان للتقدم الإقتصادي…وأن ما أحرزته الدول الأوروبية من صناعة متطورة كان بفضل التوزيع العادل للثروة والسلطة …مما شجع كل أفراد القوى العاملة على التفاني فى العمل، بروح معنوية عالية، لا بروح السخرة والعبودية والإنكسار…كما كان عليه الحال فى العصور الإقطاعية.
شهدت دول عربية أخرى نماذج مختلفة من حكم الشورى والديمقراطية؛ فقد عرفت الكويت مثلاً قدراً وافراً من الشورى وحرية التنظيم بعد الحرب لعالمية الأولى، إذ كان هناك (إتحاد التجار) منذ عام 1921، و(مجلس استشاري) ذى شوكة ومستقل.. رغم أنه بالتعيين؛ وكذا الحال فى البحرين على أول أيام الشيخ عيسي.
كما شهدت السعودية منذ الأيام الأولي لعبد العزيز آل سعود (1926) نموذجاً مدهشاً…وهو (مجلس مواطنين) بالإنتخاب….ممثلاً لكافة قبائل نجد والحجاز. ولقد تمتع ذلك المجلس بسلطات تشريعية وتنفيذية واسعة، ولكن لم تكتب له الحياة بعد رحيل العاهل المؤسس.
أما السودان، فقد تجذرت فيه التجربة الديمقراطية منذ أواخر الفترة الإستعمارية 1899-1956، إذ نشأت الأحزاب منذ منتصف الأربعينات، وتبعتها النقابات العمالية والمهنية، وكان هنالك برلمان عام 1948 يسمى (الجمعية التشريعية) سمح للوطنيين السودانيين بالمشاركة المحدودة فى السلطة. ثم كانت هناك تجربة ديمقراطية كاملة منذ 1954 بدستور انتقالي تم بموجبه نقل السلطة تدريجياً من الإنجليز للسودانيين… إلى أن تحقق الإستقلال فى 1/1/1956، واستمرت التجربة الديمقراطية حتى 17 نوفمبر 1958، ومن ثم أناخ على البلاد حكم عسكري دام لست سنوات. وفى أكتوبر 1964 انتفض شعب السودان بما يشبه انتفاضات اليوم فى تونس ومصر…وأطاح بحكم العسكر، وجاءت الأحزاب مرة أخرى وحكمت للفترة 1964-1969؛ ومرة أخرى قفز العسكريون للسلطة وبقوا فيها حتى أبريل 1985عندما أطاحت بهم إنتفاضة شعبية سلمية أخرى، وتربعت الأحزاب على السلطة حتى 30 يونيو 1989،… ومرة أخرى قفز العسكريون إلى السلطة…وظلوا بها إلى اليوم، وهم هذه المرة متكئون على تنظيم الإخوان المسلمين.
- تشير الأدلة المذكورة عاليه إلى أن العالم العربي جزء من العالم، يتأثر به ويؤثر فيه، وأن التجربة الديمقراطية ليست غريبةً على هذه البيئة العربية، بل هنالك أنظمة عربية تقليدية ترى شعوبها أنها أفضل من الديمقراطية بالمفهوم الغربي، فهي ديمقراطية القبيلة التى تجتمع كلها تحت الشجرة وتبارك شيخها أو تحاسبه، وبها قدر عال من الملامسة والتواصل بين الشيخ والرعية، وبها توزيع منصف للثروة والسلطة، وباختصار… بها معظم محاسن الديمقراطية الغربية من حيث المحتوى– رغم شكلها الخارجي المختلف.
- ومن هذا المنطلق، ننظر فى الإنتفاضات الأخيرة لنتبصّر حظها من الصمود والنجاح والسير للأمام، رغم العقبات الكئودة التى تعترض سبيلها. ومن أجل ذلك، لا بد من التعرف على القوى التى قادت هذه الإنتفاضات، وتلك التى قفزت للقيادة فى منتصف الطريق، وتلك التى تحاول أن تختطف زمام القيادة.
5. اختطاف الإنتفاضة:
إذا ركّزنا على الإنتفاضتين التونسية والمصرية، فإننا نجد أن القوى التى كانت تخطط لهما هي أساساً المجموعات الشبابية التى كانت تتواصل مع بعضها البعض عن طريق النت،…إنهم “شباب 6 إبريل” و”كلنا خالد سعيد” و”كفاية”… والمجموعات التونسية المشابهة. وهؤلاء هم الذين قدحوا زناد الثورة، واندلقوا نحو الشوارع والميادين بكثافة وإصرار، وظلوا بها حتى زوال الأنظمة التى كانوا يستهدفونها. وفى هذه الأثناء، كان الإخوان المسلمون فى كل من تونس ومصر هم الأعداء التقليديون الأساسيون لتلك الأنظمة، وكانوا مطاردين ومحاربين ومحاصرين، وكان معظم كوادرهم القيادية إما بالمعتقلات، أو بالمنفى (مثل راشد الغنوشي زعيم الإخوان التونسيين)؛ لذلك، فقد أخذتهم الإنتفاضتان على حين غرة، شأنهم شأن الأنظمة الحاكمة والقوى السياسية التقليدية الأخرى، وكانوا مترددين فى بادئ الأمر، ولكنهم لحقوا بالركب وساهموا فى الإنتفاضتين بكوادرهم الطلابية والشبابية.
ورغم قصب السبق الذى حققته الحركة الشبابية فى البلدين المذكورين، إلا أنها لم تكن بالخبرة التنظيمية التى تتمتع بها الأحزاب الإسلامية، وليس لها قواعد وسط الجمهور، وليس لها إرث من التواصل مع أي فئات أخرى غير الفئات المماثلة لهم فى السن والهوية – تلك التى لديها مقدرة ومعرفة بأساليب التخاطب الإلكتروني، وهؤلاء أقلية فى المجتمع. أما الإخوان المسلمون، فهم فى مصر، مثلاً، لهم جذور تمتد لعشرينات القرن العشرين، لأيام المرشد المؤسس حسن البنا، ولهم سيرة متصلة من النشاط السياسي عبر الثمانية عقود المنصرمة، ولهم شوكة إقتصادية وإعلامية؛ ولقد تتلمذ عليهم الإخوان التونسيون، مثلما فعلت التنظيمات المشابهة فى كل العالم العربي والإسلامي، وذلك يعني أن لكلا التنظيمين المصري والتونسي علاقات إقليمية ودولية، ومصادر للتموين…لم تكن متوفرة لدى الحركات الشبابية التى استنفرت الشعبين للإنتفاضتين.
ولهذا، ما أن هدأت فورة الحماس الأولى، وانحسرت حركة الشارع بعد نجاح الإنتفاضتين، حتى ظهرت التنظيمات الإسلامية لتعبئ الفراغ؛ فهي ليست مرفوضة من الشارع، لأنها من ضحايا النظام السابق، وكان لها حضور فى معارك الإنتفاضتين، رغم الدخول المتأخر. وفى نفس الوقت، تنبّه قادة الإسلاميين فى الدولتين إلى ضرورة تخفيف الخطاب الإيديولوجي بحيث يستوعب الإتجاهات الوطنية الأخرى، وبحيث لا يستعدى الأقليات غير المسلمة. ولما حان موعد الإنتخابات البرلمانية والرئاسية فى البلدين، اتضح أن أي مرشح يحلم بالفوز عليه أن يبحث عن حزب له قواعد وسط الجمهور. إن أصوات شباب الفيس بوك وحدها لا تكفى و لا تسمن ولا تغنى من جوع. وبالفعل، حققت جميع الأحزاب نجاحات متفاوتة فى الإنتخابات، أما المرشحون المستقلون الذين كانوا يستندون على سيرتهم الثورية المحصورة فى الإنتفاضة، إعداداً ومشاركة، فلم يحققوا نجاحاً يذكر. لا غرو، والحالة هذه، أن اكتسح الانتخابات فى البلدين التنظيمات الإسلامية المذكورة.
6. مآلات الإنتفاضة:
هل هذه الإنتفاضات معدية كما كانت ثورة 1848 الأوروبية، أو كما كانت الثورات فى شرق أوروبا التى قضت على النظام الشيوعي؟
على كل حال يختلف الوضع فى الشرق الأوسط عما كانت عليه أوروبا الإقطاعية، أو أوروبا الشرقية التى كانت خاضعة للنظام الشيوعي السوفيتي. فلقد حكمت تلك الأنظمة التى قامت ضدها الثورة أوليقاركيات متشابهة من حيث التوجه الإيديولوجي، ومن حيث الجمود الإقتصادي والسياسي والاجتماعي، ومن حيث القوى المطحونة التى نفذت الثورة. أما الشرق الأوسط، إذا افترضنا أنه الساحة التى يمكن أن تتمدد عبرها الإنتفاضة المذكورة بحكم الجوار الجغرافي أو السمات المشتركة الأخرى ، من لغة وثقافة ومعتقدات، … فإن الصورة تختلف عن أوروبا الإقطاعية وأوروبا الشيوعية:-
صحيح أن هنالك بعض دول فى المنطقة ترزح تحت أنظمة عسكرية متسلّطة، وتعاني من نفس أعراض التكلس والترهل والركود الإقتصادي والتحلل الإجتماعي الذى قاد لانتفاضة تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا. وهي لا بد أن تلحق بركب الإنتفاضات التى تابعتها الجماهير على القنوات الفضائية النشطة والمنتشرة للغاية هذه الأيام.
وهناك أنظمة تقليدية أخذت فى حسبانها ما يدور فى المنطقة من حراك، واستصحبت تجربة البشرية فى باقى العالم، ونزوعها نحو مفهوم الحكم الرشيد والشفافية والتوزيع العادل للثروة والسلطة… باعتبارها فرائض التقدم الإقتصادي والاجتماعي،…. فاتجهت بطوع بنانها صوب الإصلاحات الدستورية السلمية الإستباقية التى أتت أكلها على وجه السرعة؛ وخير مثال لذلك مملكة المغرب التى أعلنت كثيراً من الإصلاحات الدستورية الهادفة لتمكين وتقوية الجهاز التشريعي على حساب السلطات التى كانت من نصيب العرش، وبالفعل تمت انتخابات جديدة للبرلمان اكتسحها الإسلاميون الذين كانوا يعتبرون فى خانة المعارضين للنظام الموجود، إذ فازوا بربع المقاعد، وأصبح واحدٌ من قادتهم رئيس الحكومة الجديد. ولم تظهر على المغرب بعد ذلك أي آثار للإضطرابات أو عدم الاستقرار، ويبدو أن الإصلاحات الديمقراطية عندما تتجذر وتأخذ بعض الوقت …فهي تقود للمزيد من الإصلاحات… وتمهد الأرض للمزيد من الحريات التى تُدخل أكبر قدر ممكن من فئات المجتمع فى دائرة المشاركة فى إتخاذ القرار ، وبالتالي فى صنع والاستفادة من ثروات البلاد، وهذا ما يسمي بالتوزيع العادل للثروة والسلطة.
الحالة القطرية والإماراتية:
يرى العديد من الباحثين أن دولتي قطر والإمارات العربية المتحدة تقدمان نموذجاً متفرداً للدولة العربية الإسلامية بالشرق الأوسط التى أثبتت أنها ليست من نوع الدول التى يستهدفها الربيع العربي، بل التى تماهت مع شعوب ذلك الربيع..وأصبحت ضمن القوى المنتفضة ضد الأنظمة القمعية المتكلسة التى انهارت أمام المد الشعبي.
- لم تشهد هاتان الدولتان أي حراك احتجاجي طوال العامين المنصرمين، لا فى الظاهر… ولا من خلال ما يتناقله الكتاب الإسفيريون وأصحاب المواقع وأعضاء المنتديات الإلكترونية. بل على العكس من ذلك، استمرت الإشادة الشعبية المحلية والعربية بالدور الذى قامت به الدولتان من تضامن مع الشعوب المنتفضة، خاصة ما قامتا به إزاء ليبيا من دعم لقضية الثوار منذ أول أيام ثورتهم، ومن جهود سياسية ودبلوماسية نشطة وغير خجولة…دفعت بالجامعة العربية نحو إتخاذ موقف لم تفعل مثله فى كل تاريخها، وهو الطلب من مجلس الأمن أن يتدخل لحماية الشعب الليبي من البطش الذى كان يتوعده به القذافي، مما حمل مجلس الأمن على إصدار القرارين 1970 و1973.
- واضح جداً أن هاتين الدولتين أصبحتا مرجعية إقليمية ودولية لنصرة الشعوب العربية المغلوبة على أمرها والمنتفضة ضد الأنظمة الإستبدادية القمعية. وواضح جداً أن الدور الذى تقومان به الآن، ومعهما العربية السعودية، فيما يختص بسوريا، هو لصالح الشعب السوري الذى يتعرض لبطش نظام الأسد، بعكس دول كانت تمثل الاشتراكية والطبقة العاملة حتى وقت قريب – وهي تحديداً روسيا والصين – ، وبعكس دولة كانت تدعى زعامة الثورة الإسلامية، وهي إيران.
الخاتمة:
لقد استعرضنا ما شهدته المنطقة مؤخراً من حراك يعرف ب”الربيع العربي”، وفعلنا ذلك على خلفية الحركات الشبيهة فى تاريخ البشرية القديم والحديث.
و لا زال الموقف بالنسبة لبعض الدول العربية والإسلامية غير واضح المعالم: فبرغم جهود الجامعة العربية ومجلس الأمن… لا زالت الأزمة السورية تراوح مكانها.
وقد ظهر ما يشبه الربيع العربي فى السودان خلال الشهر المنصرم، ولكن حركة الشارع السوداني لم تستجمع قواها بعد بنفس الزخم والعنفوان الذى شهدته شوارع القاهرة وتونس وصنعاء وبنغازي إبان انتفاضاتها…ولكن المؤكد أن القرية الكونية تفعل فعلها، وهي حاضرة على الدوام، مما يشير إلى أن مثل هذه الانتفاضة يمكن أن تتصاعد، بمساعدة الإعلام الكوني ومراقبة الرأي العام الإقليمي والدولي…والمفارقة العجيبة فى هذا الخصوص هي أن الإخوان المسلمين الذين تسللوا لقيادة الدول المنتفضة فى المنطقة، وهي تحديداً مصر وتونس، يتعرضون لثورة توشك أن تطيح بهم في السودان…بعد أن حكموا ذلك البلد بالحديد والنار لحوالي ربع قرن…حكماً استبدادياً فاشلاً؛ فالسودان الآن من أكبر ثلاث دول معروفة بالفساد المالي والإداري فى العالم، ولقد أدت سياسات الحكومة العدوانية تجاه معظم مكونات الشعب إلى انفصال الجنوب وإلى حروب شرسة تدور حتى الآن فى دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق. فإما أن الذين صوتوا للإخوان فى مصر وتونس لم يسمعوا بكل هذا…وإما أن الإخوان المصريين والتونسبين قد غيروا جلودهم تماماً…وإما لم يجد الناخب المصري والتونسي أفضل من اؤلئك الإخوان على الإطلاق.
ومن السابق لأوانه معرفة آثار الإنتفاضات المذكورة على القضية العربية المركزية – القضية الفلسطينية –، ولكن من المؤكد أن كل ما يقود لما يرضى الشعوب المنتفضة من حرية وعدالة…سيجعلعها فى وضع أفضل للإلتفات لتلك القضية… وللمساهمة الجادة فى التضامن مع الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره.
وكذا الحال بالنسبة للعلاقات الإقليمية والدولية،… فإن ما تحققه الشعوب المنتفضة من استقرار سياسي ووحدة وطنية وتوافق على برامج إقتصادية واجتماعية تقدمية، هو ما سيجعلها عضواً فاعلاً ومفيداً فى الأسرة الدولية، وهو ما سيساهم فى خلق أجواء عالمية مناسبة للمزيد من التعاون الإقتصادي والسياسي الدولي…من أجل تقدم ورفاهية كل الشعوب.
والسلام.
الهوامش:
1. الربيع العربي ص 40
(مقال: محمد ددة: الحراك الجماهيري العربي، ثورة أم صناعة لفرصة سياسية؟)
2 الربيع العربي ص 64
(مقال : توفيق المديني: ربيع الثورات الديمقراطية العربية.)
المراجع:
1. ”الربيع العربي إلى أين؟ أفق جديد للتغيير الإجتماعي.” العدد 63 من (سلسلة كتب المستقبل العربي) الصادرة عن:
مركز دراسات الوحدة العربية
بيروت سبتمبر 2011
2. فصلية:”مجلة الديمقراطية” ، الصادرة عن ( مؤسسة الأهرام) القاهرة
عدد ابريل 2012
3. موقع “موسوعة التاريخ” http/www.altareekh.com/t53948


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.