إن أصل الحكاية بدون مقدمات هو أن ترضيات سياسية في ثوب مكافأة أجلة على لفافة ورقة دستورية أعلنت ميلاد ولايتي شرق دارفور «الضعين» ووسط دارفور «زالنجى» واستقبلنا الحدث في دارفور بشعور احتفالي طاغٍ كعادة شعب يمارس السياسة بانطباع التحيز إلى القبيلة والولاء الجغرافي الذي لا يخون حبه.. وتبقى العبرة بالنتائج المرجوة من حصاد تلك الشتلة السياسية التي أثمرت المزيد من الأعباء والكلفة على كاهل المواطن السوداني الدارفوري المصلوب على رصيف الانتظار والتمني.. وبعيداً عن لغو السياسة دعونا نجلس بهدوء على بساط الواقع لجرد ال?ساب بمعيار مردود التنمية وكلفة الإنفاق الحكومي وتمكين دولاب عمل الدولة لأداء مهامه ووظائفه بالكفاءة والقدرة المطلوبة لإسعاد المواطن «الأغبش» قمحاً وتمنياً. ولإزالة الغبار والركام عن الصورة المخملية للسلطة التي هي في أذهان الكثيرين من أهل دارفور بأنها نعمة، بدليل تأكيدهم على ذلك في المثل المتداول «حكم للساق ولا مال للخناق»، وتبقى هذه القناعة المعنوية السلطوية عند أهل دارفور صحيحة في إطارها النظري فقط ..لأن مشهد ممارسة السلطة يؤكد أن فعالية السلطة بالمال وبدون مال يبقى الحكم عبئاً ثقيلاً بلا هيبة وبلا فائدة «يعنى حبال بدون بقر» وهاكم ملامح الصورة لحكم أو سلطة في ظل موارد محدودة ترغم الحاكم على الاستجداء لرعاياه والتسول عند رصفائه الأغنياء، وسجل التأريخ يحوى ال?ثير من مفارقات العلاقة غير الحميمة بين السلطة والفقر «عدم القدرة على الصرف»، واليكم بعض مقاطع المشهد المتوقع في ظل نقص موارد تشغيل ماكينة الحكم بالولاياتالجديدة بدارفور «اللوح». أولاً: محور الصرف الدستوري والإنشاءات ومصروفات التأسيس والتأثيث سيمثل بالوعة «حوض رملة» للموارد المالية التي سيتم ضخها في أوعية وشرايين جسد الولاية الجديدةشرقية كانت أم وسطى. وهذه سمة مصاحبة لمنهجية العمل العام في السودان وغير قابلة للحوار أو المراجعة، مما أحدث خللاً ملحوظاً بخريطة الإنفاق العام في دولة تحرق شمس الفقر السواد الأعظم من سكانها الذين يترددون على دور الإحسان والدعم الاجتماعي أكثر من ترددهم على أماكن التسوق والترفيه. وبما أن هذا المحور في جوهره مرتبط بالصرف السيادي، ومظهر السلطة سيكون فوق كافة الاعتبارات مهما كانت، يتوقع أن يحظى ب 70% في حده الأدنى من دائرة الكتلة الاتفاقية، وهذه النسبة مأخوذة بتحفظ من واقع خريطة الصرف الولائي منذ 1994م تاريخ ميلاد الولايات المتناسلة «ما شاء الله». أما ال 30% المتبقية ستمتصها حتما دون رحمة استحقاقات المرتبات والأجور والبدلات والامتيازات، ودون حرج ستمد يدها في انكسار سائلة «الضمير راجع للاستحقاقات» هل من مزيد؟ تحت وطأة ارتفاع تكاليف المعيشة فى السودان التى ترتبط مصيرياً بالأب الروحي للاقتصاد العالمي«الدولار أبو صلعة» لوجود الخلل المستمر في الميزان التجاري، وتلكم رواية أخرى يحلو بها السمر والأنس الجميل عندما نتحدث عن واقع الاقتصاد السوداني بلغة الأرقام والتحليل الرياضي الإحصائى والأرقام لا تكذب أبدا رغم « بوبار» السياسة وثرثرة الساسة. ثانيا: والصفر «وطبعا الصفر رقم محايد» المتبقى من النسبة المئوية للإنفاق الحكومي فيه العشم الكبير جدا عبر مطالب نقابية وضغوطات أهلية وشعبية وسياسية وربما قبلية، أن يستوعب تنفيذ مشروعات البنية التحتية التي تعنى بخدمات تعبيد الطرق والنقل وشبكات المياه وإمدادات الكهرباء وتحسين بيئة التعليم وتوسعة مظلة العلاج والصحة وتحجيم الفقر، وفرض هيبة الدولة فى ولايات تغلي كالمرجل وتتقطع أوصالها من جراء الفتنة القبلية التي ظلت تحاصر إنسان دارفور منذ منتصف الستينيات من القرن الماضي ولمتين؟ الله وحده يعلم. ثالثاً: والحصل حصل، وتم إعلان هذه الولايات التي ستنضم إلى صف انتظار الدعم الاتحادي ومن ثم البكاء من القسمة الضيزى التي يوزعها المطبخ الاتحادي بوزارة المالية والاقتصاد على الولايات في أوانٍ مختلفة الحجم والنوع واللون وفق معايير تلعب الاعتبارات السياسية ربما فيها دوراً حاسماً ومحورياً أكثر من تلك المعايير المهنية الاقتصادية التي تستخدم للمحاججة والتسويف في الغرف المعزولة عن أضواء السياسة أو في قاعات المؤتمرات. وبما أن هذه الولايات مازالت على البر ربما تبقى أمامها فرصة سانحة للإفلات من كماشة استجداء الدعم الاتحادي، وذلك بالعمل على ترتيب الأولويات وتحديد رؤاها عبر مسارات آمنة للتنمية التحتية وفق خطط واقعية ومنضبطة، مع تحجيم الإنفاق السيادي بتكوين حكومات رشيقة وفاعلة تقف على أرضية خدمة مدنية مسلحة بالخبرة ومزودة بالقدرة على استيعاب الواقع الولائي بحساب المعلومة الصحيحة والإحصاء الدقيق، مع ملاحظة أن أية مغامرة غير محسوبة في إطار المجاملات والولاء الأعمى للقبيلة أو اللون السياسي على حساب عنصر الكفاءة، ستضر بهذه الول?يات، وستقضى عليها في المهد قبل أن تشب عن الطوق، وأن أية خسارة ستحدث يصعب تعويضها في ظل ظروف اقتصادية وسياسية وأمنية بالغة التعقيد يعيشها السودان الجديد بعد خروج عائدات البترول مع انفصال الجنوب. ولا ننسى أننا مجتمع متطلع جداً يعيش في وطن يمارس أهله طقوس حياتهم بمنطق رزق اليوم باليوم، وغالباً ما تلعب الصدفة دوراً كبيراً في تحديد مسارات الحياة عندنا، وبهكذا فهم ستبقى ولايتا الضعين وزالنجي ضمن مفردات النوتة الموسيقية لأغنية الفنان المبدع الراحل هاشم ميرغني «رحمه الله» «خوفي من نفس المصير» التي غناها بنبرة الأس? والحرقة من ظلم الحبيب المتنكر للحب الجميل.. ويا خوفي على جزء من وطني من نفس المصير وغول السياسة الذي لا يرحم. ودمتم. [email protected]