يدور ، هذه الأيام ، صراعٌ خفىٌ وحاد بين ولاة دارفور الثلاثة من جانب ورئيس سلطة دارفور الانتقالية الدكتور تجانى سيسى من جانبٍ آخر .. وقد طغى هذا الصراع على وسائل الاعلام .. ليبدأ التراشق الاعلامى غير المباشر بين الطرفين خاصة بين والي شمال دارفور السيد عثمان محمد يوسف كبر والدكتور سيسى .. أما لماذا الوالي كبر هو الأعلى صوتاً من بين سائر الولاة الثلاثة؟ فربما يعود ذلك الى أن كبر هو عميد ولاة السودان بحكم أنه الأقدم فى الحكم .. أما مضمون الصراع فهو يتلخص فى الأحاديث التى أصبحت تدور فى مجالس الخرطوم ومجالس ?دن ولايات دارفور وعلى وجه الخصوص مدينة الفاشر .. والتى تؤكد أن رئيس السلطة الانتقالية عازمٌ على تغيير الولاة الثلاثة واستبدالهم بولاةٍ آخرين وهو أمر لم يعجب السادة الولاة الذين يعتقدون أنهم ولاة منتخبون ولا يحق لأحد أن يقيلهم من مناصبهم دون اللجوء الى الدستور الانتقالي الذى ظل يُحكم به منذ أن صيغ بعد توقيع اتفاق نيفاشا. بدأ الصراع عندما سربت حركة التحرير والعدالة الموقعة مع الحكومة على وثيقة الدوحة ما يفيد بأن رئيس سلطة دارفور الانتقالية سيعمل على تغيير الولاة فى دارفور .. ليسرى هذا التسريب سريان النار فى الهشيم ويُصبح حديث الساعة فى ولايات دارفور ، فبدأ كبر ، بعد أن شعر بتعاظم الحديث عن إقالته ، فى الدفاع العلنى عن منصبه كوالٍ لولاية شمال دارفور .. ولذا أكثر من الحديث الى وسائل الاعلام المقروء منها والمشاهد .. ففند ودحض كل الحجج التى تقول بامكانية ذلك .. ليرد عليه الدكتور سيسى رداً عابراً للقارات ، فمن فلادلفيا بالولا?ات المتحدةالأمريكية والتى زارها قبل أيام لحضور ورشة واشنطن بخصوص دارفور ، قائلاً بأن ولايات دارفور سيُعاد تقسيمها، وان الولاة ذاهبون بأمر طوارئ ، واكد أن القرار سيصدر بأمر الطوارئ الذى تم تأجيله فى دارفور لهذا الغرض ، وانتقد سلوك بعض الولاة فى التعامل مع اتفاقية الدوحة ، مبيناً أنهم أبلغوا حزب المؤتمر الوطنى ورئاسة الجمهورية بذلك .. انتهى الاقتباس من الندوة..نستشف من حديث الدكتور أن هناك من همس له فى أذنه من نافذى الحكومة بفكرة اقالة الولاة ، وأن اتفاقه مع الحكومة وجد صدوداً من ولاة دارفور أيضاً .. ولكن ?لحكومة دوماً عودتنا أن ما تهمس به شئ وما تُعلنه وتجهر به هو شئٌ آخر تماماً ، بيد أن المُثير والمُدهش هو حديثه عن قانون الطوارئ الذى تم تأجيله وأنه سيُفّعل ويُقال بموجبه الولاة الثلاثة !! لست أدري كيف يكون قانون طوارئ ويُطبق بأثر رجعى !؟ معلوم أن مثل هذا القانون يُعلن وليد لحظته وفى ظرف استثنائي مباغت لمعالجة أوضاع عنَّت على حين غرة مما يستدعى اعلان سريانه على الفور .. آخر سابقة أُعلن فيه القانون المذكور وبموجبه أُقيل والٍ من منصبه هى تلك الحالة التى حدثت فى النيل الأزرق حيث تمت اقالة مالك عقار ، فهل تمرد?ولاة دارفور على حكومة حزبهم ليتم اعلان الطوارئ ومن ثم اقالتهم ؟ رغم أن قناعتنا الراسخة ازاء هذا الأمر هى أن دارفور أصلاً كانت فى حالة طوارئ منذ عام 2003م وهى حقيقة جعلت المراقبين ينتقدون كل اجراءات العملية الانتخابية التى جرت فى الاقليم بدءاً من التعداد السكانى ومروراً بتوزيع الدوائر الجغرافية وانتهاءً بعملية الاقتراع والتصويت ، اذ لا تُجرى الانتخابات أصلاً فى ظل سريان حالة الطوارئ . اجمالاً ، فان نصوص وثيقة الدوحة توضح بجلاء أن رئيس السلطة ليس لديه الحق فى تغيير الولاة وأنه ليس لديه عليهم سلطان ، وعلى خصوم الوالي كبر أن لا يستبد بهم الفرح كثيراً كما عليهم أن يُعيدوا قراءة المادة «10» الفقرات 59 - 60 - 61 من وثيقة الدوحة حتى يكونوا على بينةٍ من أمرهم ، فما الذى يُقلقه ويقض مضجعه اذاً ؟ معلوم أن المؤتمر الوطنى لم يترك يوماً عضويته تتمحن فى مثل هذه المواقف، اذ لم نعهد فى طول عمره الوطنى المديد « ال 22 عاما » أن تخلى عن أحد أعضائه مهما كانت الأسباب التى تدعو لذلك .. والشواهد كثيرة لا?تُحصى ولا تُعد ، فضلاً عن أن الوالي كبر هو أفضل من يُنفذ سياسات المؤتمر الوطني فى ولاية شمال دارفور فهما صنوان لايختلفان في شئ. على كل حال الصراع بين الولاة فى دارفور والسلطة الانتقالية قديم قدم اتفاق أبوجا وهناك تجربة متكاملة فى هذا الصدد أرجو ألا تذهب مع الريح ويتعلم منها أخوة الدوحة ، فهو محض صراع حول السلطة فى ولايات دارفور لا أكثر ولا أقل.. فالولاة يعتقدون أن أي نجاح تحققه السلطة الانتقالية في دارفور سيسحب البساط من تحت أقدامهم ..لأن المنطق يقول اذا كانت الحكومة الموجودة في دارفور ستحقق للحكومة المركزية راحة البال وتُبقى على الأمن مستتباً والاستقرار متاحاً دون أن تسدد هى الفواتير الباهظة فما حاجتها لغير مثل هذه الحكومة بشر? بقاء المعادلات المجحفة على حالها ، اذ أن هذا لا يهم!! ولذا يخشى الولاة أن تحقق السلطة الانتقالية نجاحاً يُقر بلابل حكام الخرطوم الذين يتوقون لحكومات ولائية تُنجيهم من الغرق فى مستنقع اقليم دارفور الآسن ، ولهذا السبب يتجلى وجل الولاة وخشيتهم من السلطة الجديدة . ندعو الجميع ، وخاصةً الذين يتحفزون لسماع قرار الاقالة ، الى الانتظار ريثما يتبدد ضباب حسن الضيافة الذى تُبديه الحكومة للوافدين الجدد ويتم تشكيل السلطة الانتقالية الجديدة وتضمن الحكومة بقاء الحركة الوافدة حيناً من الدهر أمام أعينها وتزول نشوة الانتصار الذى تعتقد أنها حققته بتوقيعها لوثيقة الدوحة .. وعندها سيستجدى أصحاب السلطة الوليدة مجرد تعاون الوالي عثمان كبر وزملائه ولا يجدونه دع عنك مسألة تغييرهم ، ونؤكد للدكتور سيسى أنه لو أمد الله عمره فى منصبه هذا ، سيأتى يوم لا يستطيع فيه تغيير أحد المفوضين الذين?يعملون معه تحت امرته ان أراد ذلك ولأى سببٍ من الأسباب المنطقية ، فيُوصى باقالتهم ولكن لن يُستجاب له !. أما سريان الاشاعة بتلك القوة فنرده الى عدم قراءة الوثيقة جيداً .. اذ لم يميز كثيرٌ من الناس بين السلطة الاقليمية ما قبل الاستفتاء وما بعده .. فقبل الاستفتاء سيظل الوضع كما هو عليه .. وبعد الاستفتاء اذا ما اختار أهل دارفور الاقليم الواحد سيتم اجراء انتخابات ، حرة ونزيهة على غرار سابقتها وقع الحافر على الحافر ، لاختيار حاكم للاقليم ومجلس اقليمى تشريعى .. بعدها يحق للحاكم الجديد أن يُقيل ولاة الولايات أو يُبقى عليهم .. ولكن سيظل هناك سؤالٌ عصيٌ علي الاجابة ، اذ كيف يستطيع مناصرو الاقليم الواحد الفوز فى الا?تفتاء وحكومة المؤتمر الوطنى تُصر على الوضع الحالى لشتات ولايات دارفور ؟ وكيف يفوزون والمؤتمر الوطنى وحده من ينظم الاستفتاء ويصيغ قوانينه ويعين رئيس المفوضية التى تشرف عليه ، « بمشاركة شكلية من حركة التحرير والعدالة » ؟ ثم منذ متى والمؤتمر الوطنى يخسر مباراةً ينظمها على أرضه ويُعين طاقم التحكّيم الذى يحكمها ويشرف علي كل صغيرةٍ وكبيرةٍ أثناء مجرياتها !؟ . الحالة الوحيدة التى يمكن أن تجعل الوالي كبر يقلق هو أن يُعلن الدكتور سيسى انضمامه للمؤتمر الوطنى ثم يحرص على أن ينال عضوية المكتب القيادى فيه ، وحينها فقط على الولاة أن يقلقوا ، لأنه ساعتها فقط يستطيع أن يؤثر رئيس السلطة فى أمر بقائهم أو ذهابهم .. أو بمعنى آخر أن يضيف قوة منصبه كرئيس للسلطة الاقليمية فى دارفور بالاضافة الى قوة نفوذ عضويته فى المكتب القيادى للمؤتمر الوطنى ليصبح ذا قوة ثنائية تُمكنه من اقتلاع الولاة من كراسيهم الوثيرة فى ولايات دارفور ، والا فسينتظر خصوم كبر طويلاً ليكون الوالي السابق ل?مال دارفور.