أم بادر .. أم مدائن كردفان .. مركز الكواهلة كبرى قبائل السودان.. ترقد بعيداً في الجانب الشمالي الغربي لولاية شمال كردفان تحت حضن وادي تحرسه الوديان.. لم يعرفها الناس إلا بعد أغنية «الليلة أم بادر يا حليلها» بيد أن سيرتها الاولى كانت تحكي قصة زعيمها الذي كسر قلم مدير كردفان في الفترة الاستعمارية «ماكمايكل» .. وهجرها بنوها في السنوات الاخيرة بعد الجفاف الذي ضرب الاقليم .. والآن بعد استكشاف معدن الذهب والتحكم في مياه وادي ام بادر تغير وجه ام بادر الى الأبد.. «الصحافة» تجولت بين سفوح ام بادر وتسلقت ربواتها ونز?ت الي حيث التقى الذهب بالماء في ثنائية الامل التي رسمت الوجه الجديد للمدينة. في كل انحاء المدينة ثمة صور تتداعى من الماضي، ففي كل ناحية كانت قبيلة الكواهلة حاضرة بوجود رجالها وماشيتها وجمالها السوداء الشهيرة، وتعبق في الاجواء قصة زعيم كواهلة كردفان عبد الله ود جاد الله اثناء الحكم الثنائي، الذي كسر قلم مدير مديرية كردفان مكمايكل، تعبيرا عن الغضب من حكم اصدره ماكمايكل في حق القبيلة، فصارت مثلا «كسَّار قلم ماكمايكل»، وفي الاسواق والمنازل مازالت اغنية «الليلة والليلة دار ام بادر يا حليلا » تسمع وان كانت باصوات شابة وليست بصوت ام بلينة السنوسي التي كانت اول من شدا بها عبر برنامج «ربوع ?لسودان». في أسفل المدينة وعند مجرى الوادي الموسمي كانت اولى علامات الاستقرار قد لاحت.. فقد وضع حجر الزاوية الاخير في سد ام بادر الذي تنفذه وحدة تنفيذ السدود في إطار مشاريع حصاد المياه بشمال كردفان.. وبينما كانت شركة شمال الصين مقاول السد تسحب آلياتها بعد اكتمال العمل، كانت مياه الخريف قد توقف جريانها عند السد الخرصاني.. يقول المهندس المقيم محمد البيهقي الفاضل إن السد يقع في مجرى وادي موسمي محاط بسلسلة من الجبال في نصف دائرة، ويقوم بتجميع مياه أمطار الخريف في مساحة تبلغ «458» كيلومتراً مربعاً وسعتة أربعة ملايين ومائ? ألف متر مكعب، مما يمكن من حفظ المياه لحين بدء موسم الامطار القادم، وفي الوقت الذي كانت فيه انباء شح المطر قد سرت في انحاء المدينة، فإن ام بادر كانت محظوظة بحجز مياه الوادي اثناء التشييد. وعلى جانبي البحيرة كانت حركة عربات نقل المياه تتحرك متجهة شمال المدينة وتسير على شوارع ترابية متعرجة، تتبعنا خطى العربات لعلنا نجد في مبتغاها هدى، وفي محطتها النهائية لاحت آلاف الخيام المنصوبة بألوان أغطيتها البلاستيكية الخضراء والرمادية في صورة تكاد تشابه معسكرات النازحين.. انه المكان الذي يتسوق فيه منقبو الذهب التقليدي، وصار البحث عن الذهب ماردا لا يمكن التحكم فيه، وسرعان ما اعترف به وصار موردا مهماً لمحليات الولايات.. حركة دؤوبة في السوق.. آلاف عمال التنقيب يحصلون على مؤن حياتهم من رصيد الهواتف النقالة ?لى الملابس القطنية الشتوية.. وعربات الدفع الرباعي التي يستغلها المنقبون تفوق كل ما ملكته المدينة منذ تاريخها باضعاف مضاعفة. تقول بائعة الشاي «أم عشي» إن المدينة عادت اليها الحياة بعد أن ماتت سنين عدداً، مشيرة إلى أن أعداداً كبيرة من السكان يعملون في السوق ويحققون أرباحاً معتبرة، بينما يقول بائع الرصيد النذير سليمان القادم من مدينة النهود، إن مبيعاتهم ممتازة وأن كثيراً من المنقبين تحصلوا على كثير من الذهب، مؤكداً توسع تجارة الذهب والخدمات المصاحبة، مما يضطر بعضهم إلى احضار اقاربهم لمشاركتهم الاعمال. وفي نهاية السوق كانت طواحين الذهب تهدر باصوات عالية، واكوام من جوالات التبر تحيط بها بانتظار دورها، بينما أخرى تغمر في الاحواض ل?ستخلاص ذهبها. وقدر مصدر بسوق الذهب فضل حجب اسمه بداعي البعد عن الحسد، أن هناك أكثر من مائة ألف شخص يعملون في ام بادر وما حولها في التنقيب عن الذهب، وهو ما يشكل عشرة أضعاف سكان ام بادر، مشيرا الى أن سكان ام بادر يشهدون لحظات من الحظ قد لا تتكرر في أية مدينة اخرى. وعند فراق المدينة كان صوت الام بي ثري يصدح: زولا سرب سربة خلى الجبال غربه.. أدوني لي شربه خلوني أن نقص دربه.