«تقوم العلاقات الدولية على مبدأ التوازن في القوى.. أي أنها تقوم على الصراع.. وهذا الصراع لا تمليه عوامل الاختلاف في المصالح فحسب.. بل أنه يتيح لكل دولة زيادة قوتها القومية على حساب غيرها.. مما يدفع إلى التحدي والمواجهة». تسوية المنازعات الدولية - ص8 (1) ٭ لم يكن انفصال (جنوب السودان) عن (الدولة الأم) استناداً إلى (حق تقرير المصير)، كما أوردته اتفاقية نيفاشا 2005 ونص عليه الدستور الانتقالي لسنة 2005، بعيداً عن قراءة التاريخ. فقد قامت الوحدة السياسية ابتداءً منذ غزو محمد علي باشا للبلاد. ومحاولته السيطرة على منابع النيل الأبيض، على القضاء العسكري الذي يحقق البعد الاستراتيجي لامبراطورية، وهي نظرة سجلها (سلاطين باشا) في نهاية كتابه المعروف (السيف والنار) وظل الجنوب يحمل على مدى الدولة المهدية والحكم الثنائي وإلى حين اندلاع مواجهة الثلاثاء 18 أغسطس 1955 في تور?ت جينات رفضه للوحدة السياسية مع الشمال وقد توالت تلك الاشارات بصورة مباشرة أو غير مباشرة فيما بعد كثيراً: مؤتمر جوبا 1947 بنظرة الجنوبيين الثاقبة إلى اللامركزية السلسة، اندلاع حركة الأنانيا بقيادة جوزيف لاقو، مؤتمر المائدة المستديرة 1965، اتفاقية فبراير 1972، اندلاع حرب جيش تحرير السودان مايو 1983 بقيادة جون قرنق، ولم يكن (حق تقرير المصير) أيضاً بعيداً عن رؤى القوى السياسية (مؤتمر أسمرا 1995 - لقاء (علي الحاج ود. لام أكول) في المانيا ...الخ، اتفاقية السلام السودانية 1997. وفي كل هذه الأحوال فان «للصراع» بي? الشمال والجنوب جذورا تاريخية غذتها العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية وكان صراعاً مزمناً طابعه الاثنو/سياسي، وأدت تكلفة الصراع إلى خسائر بشرية ومادية كان لها نتائج خطيرة على مستوى التنمية والنزوح والجوع والمرض مما أثر سلباً على حركة تطور الوطن سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. ولقد ارتبطت مشكلة الجنوب على أرض الواقع بكل التغيرات السياسية في السودان. ثورة اكتوبر 1964 - انقلاب مايو 1969 - الصراع السياسي في الديمقراطية الثانية 1985 - 1989، بالاضافة إلى ان المواجهات العسكرية خلال فترة الانقاذ أدت ?لى تدويل وأقلمة الصراع إلى حسن نهايته في نيفاشا 2005 وتكوين الجنوب دولته المستقلة المعترف بها دولياً. (2) ٭ دولة جنوب السودان - وبحكم الواقع - علاقاتها الدولية والاقليمية فهي ذات سيادة واستقلال وقد حدد مشروع حقوق الدول وواجباتها الصادر عن الجمعية العامة بالقرار 375 بتاريخ 6 ديسمبر 1949 الحقوق: - الحق في الاستقلال وممارسة جميع السلطات القانونية بحرية. - الحق في ممارسة الولاية القانونية على اقليمها وكل ما فيه في اشخاص وأشياء. - الحق في المساواة أمام القانون مع أية دولة أخرى. - الحق في أن تدافع عن نفسها بشكل فردي أو جماعي ضد أي اعتداء. ولقد عنى ذلك بالضرورة الخروج في العلاقة من سياق واختصاص القانون الدستوري إلى سياق واختصاص القانون الدولي - وفي هذا الاطار - فإن انفصال جنوب السودان يكون قد نقل معه العديد من الاشكاليات والأزمات للدولة الوليدة وفي الدولة الأم. ٭ تاريخ مشترك (سياسي/ ثقافي/ اقتصادي/ اجتماعي/ عسكري) طيلة الفترة من 1820 - 2011 (مائة واحد وتسعون عاماً). ٭ مظالم نفسية ومرارات اجتماعية لم تتصد - للأسف - الحكومات الوطنية لعلاجها أو الاعتذار عنها، مما أدى إلى ردود فعل قاسية. ٭ تداخل فكري في الرؤى السياسية نقل العديد من الأفراد شمالاً وجنوباً إلى خانة القوى السياسية التي طرحت (مشكلة الجنوب) من أهم محاور أجندتها: تقاطع فكري حاد، بين الرؤى السياسية المطروحة بين السلطة السياسية الحاكمة الآن والقوى السياسية في الجنوب. ولم يكن بعيداً عن حالة التداخل الفكري الدعم المادي والمعنوي الذي قدمته سلطة الحركة في جنوب السودان لامتداداتها الفكرية في أحداث أبيي، وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وما تعلنه عن مواقف التأييد للحركات المناوئة للحكومة في دارفور وشرق السودان ، وفي ذات الوقت فان لحكومة الشمال امتداداتها الفكرية ومسؤولياتها القانونية والأخلاقية في الدفاع عن أمنها القومي ومصالحها الاقتصادية. وليس خافياً أن للدولة الأم وللدولة الوليدة (مشاكلهما) التي تهدد استقرار كل منهما في داخلهما في ذات الوقت الذي تهدد فيه تلك المشاكل كيانهما السياسي معاً، ولكل أوراقه الضاغطة محلياً واقليمياً ودولياً وهي أوراق كفيلة بوضع (البلدين) في حافة حرب (مدمرة). - استقواء دولة الجنوب بالقوى الدولية والاقليمية (اسرائيل - الولاياتالمتحدةالامريكية - الاتحاد الاوربي). - مياه النيل (الصراع الذي يحتدم الآن حول قسمة المياه بين دول حوض النيل). - امكانية (حلف عسكري) في دول الجوار الافريقي باتجاه (حكومة الخرطوم). - النفط الجنوبي - والحروب الاقتصادية الواضحة وغير الواضحة. ان (مظاهر) المواجهة العسكرية والاقتصادية المتبادلة، بما فيه من احتمالات النتائج (الراجحة) ليست بعيدة عن القراءات العلمية (لطبيعة العلاقات الدولية) فقد أشار تقرير للسكرتير العام للأمم المتحدة إلى أن الدول التي تخرج من النزاعات تواجه مخاطر الردة للنزاع وأعمال العنف مرة أخرى بنسبة 44% خلال السنوات الخمس الأولى من عمر الفترة الانتقالية UNISEC. GEN. REPORT 77E/2002 خصوصاً إذا كان التحدي المباشر للمصالح المشتركة - وهو فيما نرى تقاطع الرؤى الفكرية - مازال قائماً ويمكن الاشارة في هذا الصدد إلى: - (مدى) تحقق العدالة JUSTICE في الشيء المختلف حوله بين أطراف النزاع (القضايا العالقة). - مدى (معرفة حدود وقناعة كل طرف بحقوقه). WHATIS OURS, OR DUE TO US AND WHAT IS THEIRS OR DUE TO THEM. - يشكل (الصراع) في كل الأحوال نوعاً من أنواع «الخلاف» CONTEST، الذي يحاول أن يحقق فيه مكسباً على حساب الطرف الآخر، مما يؤدي إلى تعارض INCOMPATIABLE كامل في الرؤى يؤدي إلى المواجهة الشرسة، ويكون ذلك أكثر ما يكون واضحاً اذا اعتمدت أي من الدول في أجندتها، اسقاط النظام السياسي أو ضرب المجال الحيوي أو خنق مسارات الاقتصاد في الدولة الأولى. (3) ٭ ان الفهم الصحيح للصراع بين الدولة الأم ودولة جنوب السودان الوليدة يقتضي الرجوع المسؤول للتاريخ المشترك في ايجابياته وسلبياته ومعطيات كل منهما وهو تاريخ له رموز اصطلح على تسميتها (بالحمائم والصقور) ولكنها في النهاية ذات تأثير مباشر سواء باتجاه الصراع إلى أقصى أو أدنى درجاته. - التصعيد ESCALATION - التهدئة ABATEMENT - الاستقرار STABULIZATION الانتهاء TERMINATION والاستراتيجية الأكثر قبولاً ومنطقاً في حالة الصراع الماثل هو انهاء الصراع عن طريق سياسة خارجية عاقلة وموضوعية تقوم على: - وسيلة التجنب AVOIDANCE بايقاف الاعمال (المتبادلة محل المتعارضة). - وسيلة التسوية COMPROMISE بتراجع الدولتين عن بعض (النزاع). ويسوق ذلك بالضرورة من خلال أعمال قيمة التاريخ المشترك إلى الاتفاق المتبادل MUTUAL AGREEMENT - عن طريق الرضا المتبادل MUTUAL CONSENT - ومما يساعد على ذلك هو الفهم المتبادل MUTUAL UNDERSTAND - للقيادات السياسية في البلدين - لظروف وتداعيات المرحلة. ويبدو في أفق العلاقة بين الدولتين - قراءات جديدة بالنظر: - الصراعات السياسية الداخلية في كل منهما وأثرها ونفوذها على مسار السياسة الخارجية عموماً ومع أي من الدولتين خصوصاً (المعارضة جنوباً وشمالاً). - كما جاء في أدبيات العلاقات الدولية.. (من هو الذي في حالة الرفع) - ومن في حالة (الجر والنصب) - من القاتل ومن المقتول.. من هو المطرقة.. ومن هو السندان. - مدى قوة الدولتين (بالفعل). - الصراع العسكري الجنوبي/ جنوبي (بامتداداته شمالاً). - الصراع العسكري الشمالي/ شمالي (بامتداداته جنوباً). - قبائل التماس المتداخلة (بحدود 1973 ) - بؤر العنف في أبيي - جنوب كردفان - جنوب النيل الأزرق (بامتداداتها الفكرية والبشرية والمكانية جنوباً). ٭ ان (غياب الرؤية الموضوعية) لطبيعة الصراع ومدى تداعياته يقود بالضرورة إلى عدم الاستقرار في أي من البلدين ويفتح ذلك الباب للتدخل الدولي والعسكري، فلم تعد (السيادة) على أرض الواقع هي (السيادة التقليدية) وهو مما ردده (كوفي عنان) الأمين العام للأمم المتحدة في الدورة 54 للجمعية العمومية للأمم المتحدة في 5 سبتمبر 1999 وكرره (بطرس غالي). (4) ان (المجتمع المدني) في كل من الدولتين وبحكم التاريخ المشترك، مطالب بالتحرك باتجاه اطفاء كل محاولات الحريق بالمزيد من تسليط الضوء على طبيعة الصراع وضرورات تجاوز تداعياته الخطيرة وهي فرصة للتأكيد على امكانيات متعلقة لتأكيد السلام من خلال علاقات مستقرة. وبعد فان القراءة الاستراتيجية الثاقبة تقول بأن استقرار كل من البلدين رهين تماماً بالبلد الأخر.. فكل منهما يعرف الآخر تماماً.. وقد قيل في المثل «أبو القدح بيعرف يعضي أخوه وين»!!