هل اختار الحزب الاتحادي الديمقراطي «الاصل» طريق المغامرة السياسية، وهو يوافق على الشراكة السياسية التي خصها المؤتمر الوطني له؟، قد يتبادر هذا السؤال الى ذهن البعض وخاصة وسط جماهير وقيادات الحزب الرافضة لهذه الشراكة السياسية المرتقبة في مقبل الايام. لكن هذا ليس بمربط الفرس في حد ذاته كما يقال، فالأمر الجلي سياسياً ان الاتحادي «الاصل» ذهب حيث أراد، باعتباره وعاء سياسيا سودانيا عريقا يلتف حوله الكثير من السودانيين، ومن حقه الذي لا يستطيع أحد ان ينازعه فيه خياراته وقراراته السياسية كحزب يمارس العمل السياسي برؤ? وتقديرات تخصه كحزب، وفي الوقت نفسه تؤثر على مستقبل البلاد ايجابيا وسلبياً. ولأن غالبية القراء يعلمون الجدل الذي صاحب مشاركة الحزب الاتحادي في الحكومة المرتقبة، سواء داخل الحزب الاتحادي أو خارجه، او على مستوى الصحافة والاعلام بصورة عامة، تقفز الى الاذهان أسئلة ليست معنية بمشاركة الحزب، لكنها معنية ب «لماذا شارك الحزب في هذا التوقيت العصيب الذي يمر به السودان»، وما الدافع من وراء هذه المشاركة بعد أكثر من 22 عاماً قضاها في المعارضة مواءمة بين العمل المسلح والمعارضة السلمية؟ رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي «الاصل»، محمد عثمان الميرغني، يلخص ل«الشرق الاوسط» الصادرة بتاريخ 26/ 11، حين باح لها دون سواها من وسائل الاعلام والصحف بسر المشاركة بقوله: « المشاركة اقتضتها مسؤوليتنا الوطنية». ورغم هذا الحديث الواضح والمقتضب في امر المشاركة من رئيس الحزب الاتحادي حول مبررات المشاركة، والإسهاب من الناحية الاخرى في الحديث عن التمنيات والدعوات والمبادرات لاجتثاث الازمة السودانية، بمشاركة القوى السياسية كافة، ومع ما يحمله من تناقض أصرح منه بالذي قاله في مشاركة حزبه، وتماهي خطابه بدرجة ما مع م? ظل لازمة لكل خطابات المؤتمر الوطني المتعلقة بمشاركة القوى السياسية كافة في صنع القرار الوطني، ومن ثم سكون هذه الخطابات في مقابل تحريك أي راكد سياسي، أو مشكل اقتصادي. غير ان الأهم الذي أدلى به الميرغني بحسب مراقبين- بالنسبة لمسألة المشاركة، هما شيئان؛ الأول هو الدستور، والآخر هو تركه الباب موارباً حول استمرارية حزبه في الشراكة المرتقبة مع الحزب الحاكم. فمسألة الدستور التي تحدث عنها الميرغني في مقابلته مع «الشرق الاوسط» من الخرطوم، تتعلق بمباحثات وتفاهمات ونقاشات أجراها حزبه مع المؤتمر الوطني حول هذا الام?، ومن ثم طرحها على القوى السياسية لتبدي رأيها أو لتشارك في صناعته، اما الامر الآخر، فهو ربط الاستمرارية في الشراكة مع المؤتمر الوطني بالسير قدماً في «حلحلة» المشكلات الرئيسة، وربما اتاحة الفرصة للحزب الاتحادي من داخل الحكومة المقبلة في المساهمة برأيه على الصعد كافة. إزاء ما يدور بالمشهد السياسي السوداني عامة والذي تُرى صورته سياسياً هكذا؛ حزب حاكم يسيطر على المشهد السياسي برمته، قوى معارضة انشقت أخيراً بمشاركة الاتحادي «الاصل»، معارضات مسلحة بدارفور، تحالف الجبهة الثورية «سياسي مسلح» قضايا عالقة مع دولة جنوب السودان، حرب بجنوب كردفان والنيل الازرق، مشكلة اقتصادية، زائداً قضايا أساسية تعاني منها كل ما تسمى بدول العالم الثالث، فإن محللين يرون ان المبدأ الرئيس الذي انطلق منه الحزب الاتحادي الديمقراطي «الاصل» في مشاركته للوطني، هو تحالف سياسي بالدرجة الاولى - ربما مرحلي? أو استراتيجي- كما يلفتون، بعد الأخذ في الاعتبار ان في نظر تيار قوي ومؤثر داخل المؤتمر الوطني، ان المعركة السياسية التي تدور رحاها بالسودان حالياً، تتجه نحو صراع يتعلق بشكل الدولة وهويتها، بين ما تسمى بقوى الهامش التي تتصف سياسياً بالعلمانية والليبرالية، وبين سطوة المركز والهوية الاسلامية العربية التي يستظل تحت سقفها الاتحادي الاصل اسوة بالمؤتمر الوطني والتي تمثل النمط المسيطر على البلاد منذ استقلالها، وبالتالي تجيءُ مشاركة الاتحادي الاصل من باب الحفاظ على شكل السودان الحالي، وبالضرورة يضمن له هذا نفوذه ال?اريخي ان سارت الامور لمصلحة النظام السياسي القديم، وفي الجهة الاخرى سيدرك من خلال مشاركته في الحكومة المقبلة، حقيقة افكار ورؤى الوطني، وهل سيكون المستقبل له، أم انه يكابد الحياة ليبقى على قيدها، خاصة وانه لم يؤكد استمراريته، بل رهنها بما ستسفر عنه رحلة الشراكة، اي انه في الوقت نفسه باستطاعته القول ان تغيرت الظروف، إنه لم يشارك المؤتمر الوطني الا من باب الحرص على مصلحة الوطن التي أحسها ساعة مشاركته، لكن الوطني تجاهل هذه الوطنية، وهذا ما دعانا للخروج من عباءة هذه الشراكة، ومن ثم الحزب سيواصل نضاله التاريخي م? أجل مستقبل افضل للبلاد، وبحسب المحللين ذاتهم، فإن الاتحادي الاصل يرسل بهكذا مشاركة رسائل سياسية للجميع بدون فرز كما يقولون، والذين يعتقدون انه دائماً ما يقف موقفاً على الاقل يبدو فيه انه مع الجميع رغم كل شيء. غير انه بالمقابل، محللون آخرون يرون ان الدوافع والاسباب التي دفعت بالحزب الاتحادي الديمقراطي الاصل للشراكة مع المؤتمر الوطني عدة، تتمثل في الضغوط الخارجية التي مورست تجاه زعيم الاتحاديين الميرغني من الدول الخارجية« مصر السعودية قطر»، وعدم المؤسسية داخل الحزب، وشخصية ومواقف الميرغني ذاته وعدم استعداده للتضحية، بالاضافة الى براعة نظام الانقاذ في الضغط بالحديث عن الوطنية والظروف المحيطة بالبلاد وما قدمته من قوت الشعب السوداني كهدايا للآخرين من أجل إقناع الاخير بالمشاركة، ويقول أستاذ العلاقات الدولية بجامع? ام درمان الاسلامية، البروفيسور صلاح الدين الدومة، ل «الصحافة» عبر الهاتف أمس، إن مشاركة الاتحادي خطأ عظيم سيحدث بالحزب انشقاقات كبيرة، وبدلاً من أن المؤتمر الوطني كان سيغرق لوحده، فإن الاتحادي سيشاركه المصير نفسه، وان اي مبررات ستساق من قبل الحزب الاتحادي بأن المشاركة اتت لاسباب وطنية وغيره لن تنطلي على احد ولن تكون مقنعة البتة، فهذا الحزب العظيم كما يقول الدومة، لم يعد قادراً على الحديث عن ما كان يسميه عدم اقترانه بأي شمولية، وهذا ما سينسحب على مستقبل الحزب ويضعف من حظوظه المستقبلية. ويضيف الدومة، ان ال?ديث عن انه ربما هنالك تحالف سياسي بغرض صد مد الجبهة الثورية، باعتبار انها تمثل قوى الهامش المهددة لكيان الدولة الحالي، فان مثل هذه الرؤى لا تتوفر فيما جرى بين المؤتمر الوطني والاتحادي الاصل، باعتبار انه كان حواراً بين الاشخاص، ولم يرتقِ لدرجة هكذا غرض كبير على حد وصفه. استاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين، البروفيسور حسن الساعوي، يشير الى أربعة دوافع رئيسة قادت الحزب الاتحادي الديمقراطي الاصل للشراكة مع المؤتمر الوطني، ويقول في حديثه ل«الصحافة» عبر الهاتف أمس، إن العامل خارجي كالكيد السياسي السابق الذي انتهجته احزاب المعارضة، والذي كان تجربة مرة وأدت لانفصال الجنوب، بعدما تسلقت الحركة الشعبية على ظهورهم وحققت مكاسبها الخاصة، دون النظر الى المكاسب المشتركة، ويرى الساعوري ان الظروف الآن مماثلة بعد انفصال الجنوب في 9 يوليو الماضي، في اشارة الى الاوضاع بجنوب كردفان والنيل ا?ازرق وتحالف اليسار مع الحركات المسلحة بدارفور وغيرها، وما يراه المحلل السياسي ان الحزب الاتحادي يحاول الاعتبار من التجربة السابقة، وبالتالي الدخول في تحالف مع المؤتمر الوطني للوقوف في وجه هذا المد. ويضيف الساعوري ان الدافع الثاني لشراكة الاتحادي للمؤتمر الوطني، هو دافع داخلي، باعتبار ان الحزب مفكك وضعيف، وبهذه المشاركة قد يلتئم مع تيارات منشقة عنه كتيار الدقير، ويحقق درجة من الوحدة افتقرها لسنوات طويلة، ويشير الى عامل ثالث أجنبي «مصري سعودي»، في الحالة المصرية انشغال حلفاء الحزب المصريين بالداخل المصري، ?بالتالي ضعف الدور المصري تجاه حزبه، اما بالنسبة للسعودية، لعدم انشغالها بالامر كثيراً في الفترة الحالية، ويضيف استاذ العلوم السياسية، عاملا اخيرا، وهو المغريات التي قدمها حزب المؤتمر الوطني للاتحاديين.