منذ انضمام السودان لجامعة الدول العربية عقب الاستقلال عام 1956م، كانت السياسة الخارجية السودانية تنأى عن المحاور الإقليمية وتمارس الحياد الايجابي في القضايا والنزعات العربية وتحاول إصلاح ذات البين بين الزعماء العرب وتقوية التضامن العربي ودعم العمل العربي المشترك في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولعل خير شاهد على ذلك مؤتمر القمة العربي عام 1967م، عقب النكسة والذي تمت فيه المصالحة بين الرئيس المصري الراحل/ جمال عبدالناصر والعاهل السعودي الملك فيصل بن عبدالعزيز «رحمهما الله»، حيث اشتهرت تلك ?لقمة العربية «بلاءات الخرطوم الثلاث» «لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل» وقد لعبت القيادة السودانية وقتها ممثلة في الزعيم إسماعيل الأزهري ورئيس الوزراء «حين ذاك» السيد/ محمد أحمد محجوب ووزير المالية الشريف حسين الهندي دوراً عربياً مشرفاً في المصالحة العربية ودعم الصمود العربي في مواجهة العدوان . . وحينها كانت «ديمقراطية» مشيخات الخليج العربي في رحم الغيب!!. وفي أزمة أيلول الأسود عام1970م، كان للرئيس السوداني الراحل/ جعفر محمد نميري دوراً بطولياً متميزاً بين الرؤساء العرب حين استطاع الدخول لساحات المواجهة بين الجيش الأردني والفصائل الفلسطينية حتى تم إجلاء الرئيس الفلسطيني الراحل/ ياسر عرفات من أرض المعركة ليلحق بقاعات القمة العربية التي وضعت حداً للمواجهات بين الفلسطينيين والأردنيين، وذلك قبل ساعات محدودة من رحيل الرئيس جمال عبدالناصر، وكذلك كان للسودان دور داعم للمقاومة والصمود العربي في القمة العربية التي عقدت بالخرطوم عام 2006م، بمساندته للرئيس اللبناني/ إم?ل لحود وعدم الاكتراث بمحاولات رئيس الوزراء اللبناني السابق/ فؤاد السنيورة في التماهي مع محاور الاعتلال العربي بشأن الموقف من المقاومة العربية . ويبدو أن هناك محاولة لتجاوز هذه المواقف المشرفة التي حفظها العرب للسودانيين من قبل وزير الخارجية علي أحمد كرتي الذي اتخذ مواقف تابعة وملحقة بمشيخة قطر في الأزمة السورية حتى بدا الموقف السوداني باهتاً ومتلجلجاً ومبهماً وغير مفهوم عربياً وغير مقبول سودانياً . . فكيف يتسنى لوزير الخارجية اتخاذ مواقف متناغمة مع السياسة الغربية الهادفة إلى التدخل العسكري في الشأن السوري الداخلي؟ وما الثمن الذي قبضته الحكومة لتصبح سياسة السودان الخارجية ملحقة بعباءة الشيخ/ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس الوزراء ووزير الخارجية ?لقطري ؟! ولماذا يحاول علي كرتي محو تاريخ طويل من العزة والكرامة والدور القومي العربي المشرف لمصلحة مشيخة عربية صغيرة لم تظهر للوجود إلا بعد أن أصبحت محمية أمريكية بامتياز؟ وأي مستقبل يُنتظر لمشيخة قطر إن فقدت عضلات لسانها الطويل «بقنوات الجزيرة الإخبارية»؟!! .