من الواضح ان الدستور السوداني الجديد المزمع إقراره في القريب العاجل سيكون محور صراع ومعركة حامية الوطيس بين التيارات الاسلامية في الحكم التي ترغب في رؤية دستور اسلامي واضح لا لبس فيه وبين جماعات العلمانيين داخل السلطة وخارجها ممن يعتقدون انه حان الوقت لايقاف مسيرة «الاتجار بالدين» ورفع راية الشريعة المنتهكة فعلياً بواسطة السلطة، فقد وجهت اللجنة الاعلامية لجبهة الدستور الاسلامي الدعوة لعدد من الصحفيين والاعلاميين والقنوات الفضائية لحضور المؤتمر الصحفي التنويري الذي تزمع الجبهة عقده في الثالثة من ظهر اليوم ?لاربعاء بقاعة مبنى هيئة علماء السودان حيث من المتوقع ان يتحدث فيه علماء السودان المحسوبين على الحزب الحاكم ورابطة العلماء والائمة والدعاة المحسوبين على الجماعات السلفية والمدارس الاسلامية الاصولية ويشرحون تفاصيل مسودة الدستور الاسلامي الذي تمت صياغته بواسطة لجنة مختصة مكونة من ممثلين لكافة اطراف الجبهة وتم تسليمه للسيد رئيس الجمهورية ليكون هادياً للبلاد في المرحلة المقبلة من عمر ما يسمي بالجمهورية الثانية. واسباب المعركة المستقبلية الحتمية حول الدستور والتي اشرنا اليها آنفاً تتلخص في عدم وضوح الرؤية الحكومية تجاه طبيعة الدستور الجديد وما اذا كان من الحكمة - حسب تصوراتهم - تبني الاتجاه الاسلامي كسياسة قائدة وتحمل تبعاتها ودفع ضريبتها أم الجلوس مع كافة الاطراف لاخراج دستور يكون «مرناً» يوافي مطلوبات الغرب بصفة عامة ويرضي حكومة الولاياتالمتحدة بصفة خاصة، نعم ما يزال الجدل محتدماً وسط العديد من اطراف السلطة حول امكانية اصدار دستور ذكي ونسخة منقحة من الدستور المموه يقيهم غضبة واشنطن التي تعهدوا لها وقبل وقت كاف ?ن صياغة الدستور بأن الخط الجديد للحكومة في السودان لن يكون متقاطعاً مع المصالح الامريكية، ان زمان ومكان عقد ذلك الاتفاق كان معلوماً لدى العالمين ببواطن الامور ولكن ما ليس معلوماً لدى اؤلئك «المؤتمرين» ان تفاصيل تلك التعهدات اصبحت معلومة لدى قيادات الجماعات والتيارات الاسلامية في السودان وهي ليست في حاجة للانتظار سنوات ريثما يكشف موقع «ويكيليكس» التفاصيل الوافية عن تلك التعهدات، ان التحفز بشأن طبيعة الدستور الجديد يبدو واضحاً وسط كافة التيارات سواء تلك التي تحتفظ بعلاقات ممدودة مع السلطة او الاخرى المناهضة ?ها علناً بحجة الخروج عن سواء السبيل. لقد تم تسليم مسودة الدستور الاسلامي المذكور للسيد رئيس الجمهورية وهنالك من يعتقد انه الجهة الشرعية الوحيدة التي تملك الحق في فرض مسودة الدستور على مؤسسة الرئاسة ولكن ومع ذلك ستتكاثر المسودات على مؤسسة الرئاسة تكاثر الظباء على خراش وعندها ستشرئب كافة الاعناق لمعرفة الوجهة الحقيقية للبلد حينما توقع الرئاسة على مسودة بعينها دون الاخريات، نعم اليوم عصراً سيكون موعد تحديد ملامح معركة الدستور القادمة وهي معركة تتقاطع في ساحاتها مصالح شتى واستثمارات متناقضة فالبعض يريد من مسودة الدستور ان تكون جواز سفر ساري المفع?ل لدى المؤسسات الدولية بحيث تمنحه الاممالمتحدة ومن يديرون وكالاتها صك القبول وترفع بموجبه عنه العقوبات والسيوف المسلطة فيما يرغب السواد الاعظم من المهتمين في حسم اللون الرمادي للجماعة الحاكمة ووضعها بين فكي كماشة الاختبار العسير.. ترى ماذا سيحدث؟. على كل حال لن تكون المعركة حول الدستور هي اولى المعارك المرتقبة - بيد انه ام المعارك - فالبلاد تنتظر حلولاً اقتصادية سحرية كيما تخرج من مستنقع الازمة الاقتصادية المحفزة لرياح الربيع العربي واذا ما قدر لحكام السودان اليوم ان يفلحوا في تخطي عقبة تردي الاوضاع المعيشية للشعب السوداني فإنه ينتظرهم امتحان صعب يتمثل في قدرتهم على الإفلات من حصار الايدلوجيات التي تبنوها من قبل فأشعلت حولهم النيران حتى باتوا يبحثون عن مخارج وبدائل بدلاً عن التنحي للغير ولو ببيع القديم والتملص عن الحمل الثقيل نظير السلامة والاستمرار?في السلطة.