٭ تتغير الحكومات ويتغير الوزراء دوماً لأسباب كثيرة، ولكن أهمها التطلع لتقديم خدمات أفضل ومعالجة التحديات القادمة، والتخلص من إخفاقات وأخطاء الفترة الماضية. ٭ الحكومة الجديدة أتت في ظل ظروف حرجة، أهمها المخرجات السالبة لانفصال الجنوب من الناحية الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والسياسية. لذا فإن التحديات الماثلة تحتاج لحكومة متناسقة، ذات نظرات ثاقبة، وقدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة في المكان والزمان المناسبين، لتخفيف حدة الغلاء الذي «عم القرى والحضر»، وأثر بصورة كبيرة على سواد المواطنين، وكذلك بسط الامن والسلام والعدل على السودان «المتبقي»، ورتق النسيج الاجتماعي واطفاء نار الجهوية والقبلية والحزبية المستعرة لتحقيق الوحدة الاجتماعية. أما في مجال السياسة فلا بد ?ن عمل سياسي مبرأ من كل عيوب لخلق علائق طيبة مع المستوى الاقليمي العربي والافريقي والواعي، وممارسة سياسة داخلية هدفها التنافس الحر الشريف بين الحكومة والمعارضة بعيداً عن «الإسفاف» اضف لذلك التدخلات الخارجية السافرة في شؤوننا الداخلية والتي يجب ان نحد منها. ٭ مهما كانت الحكومة الجديدة، فهذا لا يهم كثيراً، ولكن ما يهم أن تكون وسائل النجاح متوفرة، وبذلك نتوقع لها نجاحاً كبيراً والعكس هو الصحيح. ٭ نصيحتي للوزراء الجدد، أن يعلموا أن الله قدر أن تكونوا في هذا الموقع وأنتم لستم أفضل الناس، ولكن سبحانه منحكم هذا الحكم وهذه هي مشيئته، وسينزعه منكم يوماً ما لأنها هذه حكمته، وهي أمانة في عنقكم وامتحان نأمل ان تسعوا لتنجحوا فيه واتقوا الله ... وتواضعوا لله يرفعكم. ٭ ابدأوا من حيث انتهى خلفكم، بعد الدراسة المتقنة لواجبات الوزارة، والخطة ربع القرنية وخطط وبرامج الوزارة لاتزال تلك الخطط على الارض. وأعلموا كما قال الجنرال عمر برادلي «ان قيمة الخطة لا تتعدى الورقة المكتوبة عليها ما لم يكن هنالك من يشرف على تنفيذها بصورة صحيحة، ولهذا السبب فإن جمع المعلومات ودراستها واتخاذ القرار ورسم الخطة تكون عشرة بالمائة من العمل، بينما يشكل الاشراف على التنفيذ الصحيح تسعون بالمائة منه». «1» ٭ ليكن عملكم من خلال (system) مؤسس وفقاً لهيكل الوزارة، وأن يكون العمل تضامنياً وفقاً للوصف الوظيفي، ومن المهم أن يضطلع وكيل أو أمين الوزارة بمسؤلياته كاملة، فهو رئيس موظفي الوزارة، وهو المسؤول امامكم من تنفيذ مهام الوزارة ومعه رؤساء أو أمناء الادارات وبقية العاملين.. أعني بذلك أن تعطى الفرصة للمؤسسية وتكون أنت «المايسترو» فقط لضبط الايقاع. وبذلك نودع سياسة «التهميش الوظيفي» ونمنع الوزير من التدخل في الاعمال الصغيرة التي هي من صميم من هو دونه وتقع تحت مسؤولية الوكيل أو الامين العام، وكذا مطلوب من الوكيل أو?الامين العام ألا يحتكر العمل بل يعمل من خلال «عمل تيم» (Team work) لتكون الوزارة خلية تعمل بتناغم ويجد كل موظف موقعه في آلية العمل، ويشعر بأهميته وتتفجر طاقته ويسعى للابداع «وهو القدرة على ايجاد شيء جديد» والابتكار وهو «ايجاد حل جديد واصيل لمشكلة عملية أو علمية أو فنية أو اجتماعية الخ ... حلاً لم يسبقه أحد إليه». ٭ اطلب نتائج ومقترحات وتوصيات كل ورش العمل والسمنارات والمنتديات التي أقيمت، وأسال عن أسباب عدم تنفيذ المخرجات، واعمل على محاولة تنفيذها، ولا داعي لسمنارات وورش أخرى كسباً للمال والجهد. ٭ لا تجعل الوزارة «ضيعة» لك ولأسرتك او حزبك واصدقائك وزملائك، انها ملك للشعب «ملك حر». ٭ في ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة، والغلاء ذلك «الغول» الذي يمشي بين اغلبية المواطنين، لا بد أن تكون شفافاً في الاشراف علي ادارة المال، وتذكر ان النثرية لتسيير أعمال المكتب المهمة، وتذكر أننا في السودان، فلا يبالغ مدير مكتبك في توفير متطلبات لا تتوفر الا في بلاد العالم الاول او دول البترول الشهيرة «أمسك له فرامل اليد». نفذ الميزانية المجازة بصورة صحيحة وعدم إدخال بند في بند، واعمل وفق قوانين وموجهات الميزانية ... وألا يكون الصرف على الاحتفالات والمهرجانات والاكراميات هو الأعلى، وذلك طبعاً يرضي طبقة المنتفع?ن ولكن يغضب الله ثم المواطنين «الغلابى». احصر وحافظ على عهدة الوزارة. ٭ وانت داخل الوزارة تفحص في لوحة الشرف لترى كم سبقوك في هذه الوزارة، واستعرض منجزاتهم واحداً تلو الآخر لتستفيد من ايجابياتهم وتترك سلبياتهم، وتذكر أنها «لو دامت لغيرك لما آلت لك». «2» ٭ اطلب من المراجع الداخلي أن يتقي الله في عمله، وقل له لا تمرر أي خطأ مهما كان صغيراً من أي شخص خاصة شخصك الكريم أو الوكيل، وأنه لن يصيبك ضرر أي «لن يوقف عنك الحافز ولن نطلب ان يتم تغييرك، فأنت تساعدني على الرقابة على المال العام والتأكد من الحفاظ عليه». ٭ تأكد دوماً وقل في نفسك وبصوت عالٍ انا خادم لهذا الشعب «ومعروف أن خادم القوم سيدهم»، وبهذا تكون سيداً، فالشعب «صاحب العمل» والشعب يريد الاخلاص في العمل وتقديم الخدمات بصورة ممتازة، وتوفير الأمن والتنمية والعدل وقبول الآخر، بل يأمل في مجتمع الرفاه كما تقول ديباجة الخطة ربع القرنية. ٭ لا تفكر في تغيير المكتب والعربة، فقطعاً أنهما بصورة جيدة، فهنالك ما هو أهم للصرف في ظل شح الموارد، ولكن لا بد أن تفكر ملياً في تغيير ما في نفسك نحو الاحسن، أي أن تقدم على الوزارة برغبة عارمة لكي تحدث تغييراً نحو الافضل، وهذا لا يأتي الا اذا انتجهت نهجاً علمياً واستفدت من آراء الاستشاريين والمختصين خاصة المعروفين بالرأي السديد والمحايد دون ميل أو هوى. اهمس في أذنك «لا تتجاهل نصح المعارضين فقطعاً ستجد فيه المفيد» «اسمع كلام الببكيك وما تسمع كلام البضحكك». ٭ شئت أم أبيت فستكون حولك بطانتان، بطانة خير وبطانة شر، شأنك شأن أي حاكم، وتبقي انت دون غيرك من يميز، بطانة الخير للاستفادة من آرائها. وبطانة الشر لتفاديهم بل وابعادهم عن طريقك وان فشلت .. فالفشل في مهامك ينتظرك. كذلك لا بد أن تتيح قدراً كبيراً من الصبر لسماع آراء ومقترحات مرؤوسيك ولا تحكم ببطلانها، فإما تنفيذها واثبات عدم صحتها، وإما دراستها في وقت لاحق او قبولها. وفي كل الأحوال اشكر وشجع كل من أبدى أي رأي ولو مخالف لترسيخ سياسة «نصف رأيك عن أخيك» «وبيت الشورة ما بيخرب» لا تكن فرعونياً أو حمورابياً. ٭ لا بد ومع السيد الوكيل أو الامين العام، مراجعة سياسة الحوافز والتأكد أنها تدفع لمن يقدم خدمة أفضل في زمنه الخاص وبجهد مقدر، وان اللجان ليست حكراً على مجموعة صغيرة مقربة تدعي أنها هي الوحيدة التي يمكن أن تنفذ ذلك العمل بصورة طيبة دون غيرهم . كذلك لا بد من العدالة في تقسييم الدعم الاجتماعي مع التركيز على الشرائح الضعيفة، حتى يقوى الضعيف لمقابلة الاحتياجات المتزايدة، لا أن يحدث العكس. «3» يجب التفريق بين الحافز الذي يمنح للمجتهدين بعدل، والدعم الاجتماعي الذي يمنح للضعفاء. ويجب أيضاً أن تأمر بمراجعة ترقيات وتنقلات العاملين وازالة المظالم التي وقعت عليهم لأسباب شخصية أو غير عادلة.. وافسح ساعات كل ثلاثة اشهر لتسمع ومعك كل القيادات لمظالم ومقترحات واستفسارات العاملين، ولتكن فرصة لتنويرهم عن سير الوزارة، وليكن ذلك في الهواء الطلق دون مقدمات ومهرجانات وبروتكولات تفسد «الشفافية»، كذلك مكن ضباط التطوير الاداري وادعم مجلس التطوير الاداري الذي تحت قيادتك، لإصلاح وتطوير العمل . وحارب الفساد المالي وا?اداري والمهني. ٭ أسأل عن أي شيء لا تعرفه وتقبل الاجابة حتى ولو من موظف صغير، فهذا لا يسبب لك حرجاً، ولكن يجلب لك احترام الآخرين، وتأكد انك تعمل مع وزارات اخرى لتحقيق أهداف واستراتيجية الدولة، وان اي اخفاق مهما قل ينعكس سلباً على نجاح الدولة، وأن أي نجاح وان قل ينعكس إيجاباً على سير الدولة، ولا تخش الخطأ وتأكد أنك ستخطئ، ولكن عندما تعلم بخطئك فلا تأخذك العزة بالإثم فيمكن أن تعتذر وتصحح الخطأ، وابتعد عن تدبيج التقارير الكاذبة المحذلقة والمنمقة «حبل الكذب قصير» ولا توعد المواطنين بما لا تستطيع.. ولا تعمل بنظرية التيمان من ي?كي يُرضع، بل اذهب بنفسك لهم وقدم ما تستطيع دون أن يحضروا أو يتحدثوا، وحافظ على التسلسل القيادي للحفاظ على منظومة القيادة. وأسأل الله دائماً أن يوفق، واستغفر الله كثيراً ليكفر عنك الذنوب.. توكل واترك أمرك لله ولكن بعد أن تعقلها.. مع أمنياتنا لك بالتوفيق.. والله من وراء القصد.. والله أعلم.