٭ ان من كمال الايمان حب الوطن لذا اضحى من حق الوطن على المواطن إعلاء كلمة الله في الوطن مما اوجب علينا التعامل مع المشاركين لنا في الوطن يقع في اطار هذا السياق واجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأرى ان هنالك منكراً وخطباً عظيماً قد ألم بنا وظلماً فادحاً قد استفحل وعظم شره. فبمناسبة ما يقال انها الجمهورية الثانية أود أن ألفت الانتباه الي مشكلة معاشيي القوات المسلحة عامة ومشكلة المفصولين منهم تعسفياً على وجه التحديد. مشكلة تقادم عليها الزمن واسدل عليها ستار كثيف واوصدت دونها أبواب وأبواب رغم ان جذوتها ل? تزل تشتعل ونارها تحصد أكباد المكتوين بها. فئة معاشيي القوات المسلحة غدت بحق على رأس قائمة المسحوقين في هذا البلد، وفي حالات عديدة نجد ان العقل يضطر للوقوف عاجزاً ليترك الامور تجري على هواها حينما تستحيل عليه القدرة على إعطاء تحليل موضوعي لمعطيات معضلة ما حين تغدو تلكم المعطيات عصية على الفهم والادراك. فكيف تسنى للدولة النظر في مشكلات نظائرهم وأهمل أمرهم؟! ان الغبن الذي حاق بهم لم يكن قاصراً على القرار التعسفي باحالتهم على المعاش دون جرم اقترفوه بل تعداه الى حرمانهم من حقوقهم المشروعة من عائدات الكثير من المؤسسات الاقتصادية التي انشئت بجهدهم وبأموالهم، كذلك سلبوا استحقاقاتهم الواردة في قانون المعاشات حتى يصبح الظلم أبشع قبحاً واشد إيلاماً ، نجد في الجانب الآخر اغداق بسخاء تجاوز المألوف وتخطى المسموح به قانوناً وعرفاً أنعم على اصحاب الولاء والمحاسيب والمقربين رتب ليسوا أهلاً لها من قبل الفرق والفريق اول مع اضافة إكراميات من أمثال الركن والمهندس حتى أضحت كال?لي والديكور تضاف لتحلية الرتبة دون مبرر قانوني أو مؤهل علمي، ثم خلقت فجوة بل هوة عظيمة بين رتبة اللواء والفريق من حيث العائد المادي والادبي والمعنوي (الفي ايدو القلم). البعض ممن يسمون ملاك أرض مشروع الواحة الزراعي انتزعت منهم ارضهم عنوة واقتداراً، ارض اشتروها بحر مالهم سجلت في اسم غيرهم ووقع عليها حجز يحرمهم حق التصرف فيها. من مظاهر الاستخفاف بأمر هذه الشريحة من افراد المجتمع المغلوبين على أمرهم رفع أسماء المعاشيين من قوائم المستفيدين من سلع شهر رمضان المدعومة في حين أن العديد من المنظمات والهيئات بالدولة قدمت مساعدات لا تحصى لمنتسبيها بمناسبة الشهر الكريم، وصل الدعم الشرطي الى حد ايصال المواد الغذائية الى باب دار المعاشيين أسوة بأخوتهم بخدمة الشرطة. تجلى هول المعاناة التي يكابدها هؤلاء الاخوة الاجلاء عندما انتظموا في صفوف طويلة متعرجة ومتداخلة يحار المرء في إدراك مبتداها عن منتهاها، انهم من الجندي حتى رتبة اللواء يقفون تحت لهيب شمس محرق تصبب العرق من جباههم يتدافعون بغية الحصول على دريهمات قيل انها سلفية لا تعدو ألف جنيه للجنود وضباط الصف وألفي جنيه للضباط من رتبة اللواء، الكل على يقين انها لا تسد الرمق ولا تفي بالغرض، انها سوف تتسرب من بين اناملهم المرتعشة خلال ايام قليلة تاركة وراءها هماً تنوء من حمله الجبال وتذر من بعدها بؤساً اشد ضراوة ومخلفة في إ?رها حياة ضنكة اكثر مرارة. فلا المعاش الضئيل اصلاً يكفي ولا جشع السوق يرحم. الادهى والامر من ذلك تمثل في اجراءات هذه السلفية اجراءات عقيمة غاية في المهانة والمذلة اجبرت هذا النفر الكريم على اداء القسم وان يبصموا وصورت اوراقهم الثبوتية ليست مرة واحدة بل مرات وفي مكاتب مختلفة. أما كان الاحرى بالجهات المسؤولة تحويل هذه السلفية المشؤومة على حساب هؤلاء البؤساء بنفس المنوال الذي درجت عليه في تحويل الرواتب. ان واقع الحال الذي يعيشه المعاشيون يتجلى في ابشع واقبح الصور ، لقد اتخذ بعداً اكبر في ظل الضائقة الاقتصادية الطاحنة التي انتظمت كل أرجاء البلاد. ضائقة القت بظلالها كقطع الليل البهيم أعجزت القدرة على المقاومة واطفأت بصيص الامل. تولدت في الاذهان حتمية ضياع تلك الدريهمات التي سميت سلفية فيعقبها استقطاع من جاري المعاش بواقع الثلث شهرياً نظير السداد اذا كان المعاش برمته لا يقوى على سد الحاجة فكيف يستقيم الحال بعد خصم الثلث؟!! صدق الفاروق رضى الله عنه حين اطلق مقولته المشهورة ( لو كان الفقر رجلاً لقتلته) كذلك مما اسند للامام علي -كرام الله وجهه- الفقر في الوطن غربة. حقيقة لقد أذل الفقر هؤلاء النفر الاجلاء فاصبحوا بحق غرباء في أوطانهم. في ظل هذا التحول السياسي الجديد يجب ان نعي تماماً أن الانسان ربما يكون قادراً على مواجهة الصعاب وقدر معلوم من المعاناة والضنك لكنه حساس بصورة خاصة حيال اشكال الاستفزاز والإهانة واراقة ماء الوجه. ان هؤلاء الاخوة من خيرة ما انجبتهم هذه البلاد الأبية، جادوا بكل ما لديهم في سبيل الدفاع عنها والذود عن ح?اضها. فهم والحق يقال لأهل لكل مكرمة واجدر الناس بمعاملة حضارية كريمة ترفع من شأن إنسايتهم وتؤكد وجودهم لتجعله اكثر أصالة وشرفاً، فأنا لم اسمع قط بمعاملة بهذا الشكل الذي نعيشه نحن معاشيو القوات المسلحة السودانية في أى دولة من دول العالم!! انني اقول ان الحياة في سودان اليوم تسير بثبات لم تعهده من قبل نحو مستقبل مقلق، ان الامة التي تتشبث بالامل الوهمي للسلم الدائم وتتقوقع في حدود انعزالها المتعالي تنتهي حتماً بالانحطاط. لكن عندما تسمع أمة من الأمم صوت الانذار الذي يعلن أن الامة في خطر وان وجودها مهدد بالزوال تستيقظ فيها أفضل الفضائل وتتحرك فيها روح التضحية والشجاعة وتستشعر أنها بحاجة الى رجال تختلج في صدورهم روح جسورة أبية وعقل يفكر بعمق وروية. ان ما يلاقيه هؤلاء الابطال يجبر كل صاحب سلطة ومسؤولية وضمير حي في هذا البلد من المسؤولين الجدد الذي? اضطلعوا بمقاليد الامر ان يسهم جهد طاقته في سبيل خلق ظروف موضوعية يمكن ان تشكل قاعدة واساساً لرفع المعاناة عن كاهلهم. والله من وراء القصد