٭ لا اريد ان اتحدث عن الوزارة الجديدة ذات الستين وزيرا، ولا عن فلان غادر وفلان جاء وذاك الذي عين زوجته مديرة لمكتبه.. لسبب واحد وهو ان هذا لا يعني للمواطن شيئاً؛ لأن المسألة اكبر من ذلك.. مسألة تهم الجوهر قبل المظهر فطالما جوهر السياسة خرب فلا تفيد وزارة ذات قاعدة عريضة اوضيقة.. مترهلة او رشيقة. ٭ ظللنا ننشر باستمرار على ايام مضت كنا ننقنق في حضرتها وكثيراً ما نسمع عبارة (حليل زمن اللبن او حليل زمن اللحم ونكتفي بذلك.. ولكن هل فكر احدنا في مستقبل السودان بعد عشرين عاماً مثلاً؟. عندما يشب هذا الجيل.. اطفال الماجي والسخينة والبوش اليوم وشباب المستقبل.) ٭ انا لا استطيع ان اتخيل لكن ادعو وبصدق شديد وقلق أشد الى مواجهة الواقع بشجاعة.. مواجهته على حقيقته عارياً دون مواربة او الفاظ منمقة.. لابد ان نعترف بالكارثة. ٭ الانين الخافت هو الدليل الباقي على ان هناك انسانا تحت حزام الفقر يعيش في المجتمع السوداني.. انين خافت لكنه مسموع وخافت لأنه مشلول ومكتوم من انعدام اللبن والسكر واللحم، ومن قلة الخبز وغلاء الفتريتة.. انين بحجم ما تسمح به مكونات مكعبات الماجي او السخينة قليلة البصل او البوش بموية الفول وموية الجبنة وبلا زيت لأن ليس هناك موية زيت.. هذا ما يقتاته الرضيع والشيخ والشاب على السواء. ٭ والانين يأتي من قلب الخرطوم.. من الديوم والصحافة.. والكلاكلة والحلفاية والكدرو وامبدة والفتيحاب والثورات بحاراتها التي بلغت المائة والحاج يوسف والدروشاب والشجرة واللاماب وعد حسين والجريف.. مثلما يأتي من جميع ولايات السودان من جميع المدن والقرى في اقاصي الشمال والغرب والشرق.. يصعد هذا الانين في شكل نظرات وكلمات وتصرفات. ٭ قالت لي شابة ثائرة وغاضبة.. لماذا تلد النساء في السودان ما دام الطفل لا يجد أى قدر من الاهتمام والرعاية؟ لماذا تسكت اقلامكم امام الذي يحدث للامهات والاطفال.. الاطفال الذين يولدون ويدفعون بهم الى اتون الشقاء.. شقاء الجوع والمرض والحرمان والجهل.. اطفال تضن اثداء أمهاتهم باللبن لأنهن أمهات جائعات بدورهن. ٭ أما نحن... نحن الذين تقولون عنا الشباب نصف الحاضر وكل المستقبل.. أين الحاضر هذا؟ تكاليف التعليم الباهظة أبواب العمل الموصدة.. ام السوق الفك المفترس.. ارجو ان تقرعوا نواقيس الخطر قبل السقوط في الهاوية ولا يقول قائل ان التنمية والعمران وتعبيد الطرق لا تخفي على ناظر وتقول له انها لا فائدة ان لم تهتم بالانسان.. الانسان هو رأس المال. ٭ استمعت لهذه الشابة جيداً وقلت لنفسي.. انه أنين موجع ودائم الذي ينبعث من كل أرجاء الوطن انه أنين صادر من كل افراد الاسرة، فالانين المتقطع يزول بزوال سببه فأنين ألم الاسنان ينتهي بإنتهاء الالم وأنين الصداع ينتهي بإنتهاء الصداع وهكذا كل أنين ناتج عن علة عابرة يذهب بذهابها. ٭ ولكن طبيعة هذا الانين ثابتة ودائمة.. فأسباب الفقر تمسك بتلابيب الغالبية الساحقة من المجتمع.. انتهى التوسط انتهت مقولة ( نتم عشانا نوم لأن الغداء على العشاء انعدما تماماً) واصبح المجتمع السوداني هو المستهلك الاول لما تنتجه اوربا وآسيا من أنواع المرقات من فائض انتاجها.. ومع ذلك نسمع احاديث عن رعاية الامومة والطفولة.. ومجلات العالم وعلماء العالم يتحدثون عن الاضرار الجانبية التي تصيب الاطفال اذا تعاطوا هذه الاغذية قبل بلوغهم الرابعة أو الخامسة من أعمارهم. ٭ وناقوس الخطر الذي تريد مني الشابة ان نقرعه هو الصرخة في وجه هذا الواقع من أجل ان نستشعر مستقبل هذا الجيل.. جيل الماجي والسخينة والبوش.. وقلة الحنان والهدوء الاسري الذي اصبح منعدماً مع سيطرة الفقر القسري على الاغلبية الساحقة وتحديات التفاح والعربات الفارهة في الشوارع. ٭ أنا لا استطيع تخيل ما سيأتي به هذا الجيل ولهذا أقرع نواقيس الخطر وادعو الى اضاءة الأنوار الحمراء. هذا مع تحياتي وشكري