عام على الحرب فى السودان.. لا غالب ولا مغلوب    يمضي بخطوات واثقة في البناء..كواسي أبياه يعمل بإجتهاد لبناء منتخبين على مستوى عال    الخطوة التالية    السيارات الكهربائية.. والتنافس القادم!    واشنطن توافق على سحب قواتها من النيجر    اللواء 43مشاة باروما يكرم المتفوقين بشهادة الاساس بالمحلية    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    سوق الابيض يصدر اكثر من عشرين الف طنا من المحاصيل    الأكاديمية خطوة في الطريق الصحيح    شاهد بالصورة.. المذيعة السودانية الحسناء فاطمة كباشي تلفت أنظار المتابعين وتخطف الأضواء بإطلالة مثيرة ب"البنطلون" المحذق    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الربيع العربي.. والتسونامي الإسلامي

1/ بفضل الربيع العربي، أننا الآن امام مجتمع جديد بدأت ملامحه تتشكل، وأمام واقع جديد لا يجوز ان نتعامل معه بمنطق (الأمس) الاعوج، وأمام صحوة شعبية تحتاج لمن يفتح لواقطه على ذبذباتها ويحسن الانصات إليها واستقبالها بما يلزم من ردود واستجابات عاقلة، وليدرك الجميع ان مجتمعاتنا قد تغيرت وان ارادات الشباب والشعوب اقوى من ان تكسر، وبأن عين الغفل أن تفهم ما يجري وان تتعامل معه بمنطق (الربيع) لا سواه من الفصول (الاربعة) وفضل (الربيع) انه اسقط كثيراً من الافكار التي كانت سائدة وفتح عيوننا على واقع جديد وأفكار جديدة ون?ن ربما لم نكن نعرفها فيما مضى، وكذلك بلدات ومناطق لم نكن نتوقع ان لديها مثل هذا المخزون من العتب والمطالب والاحتجاجات، وان قطار الاصلاح قد مضى في طريقه بلا توقف وبلا اشارات حمراء، وان ارادة الاصلاح لابد ان تتغير وان دعاته سوف يكسبون الجولة فيما خصومه، وان نجحوا في إعاقته مؤقتاً إلا أنهم سوف يخسرون ويهزمون أيضاً. وان من يتابع ما يحدث في الشارع يدرك إهتمامات الناس واولوياتهم قد تغيرت وان ثمة الهام ما أوحى اليهم بوعي جديد وطرد من صدرهم الخوف واليأس واعاد اليهم الأمل بقدرتهم على التغيير.
2/ ان الربيع العربي الذي بدأ برعد وبرق ومطر وزلزل الارض العربية، من تونس الى مصر ثم ليبيا واليمن ليأخذ مكانه في سوريا وخلال شهور قليلة اختفت من الساحة العربية ثلاثة رؤوس عربية مستبدة وديكتاتورية من مصر وتونس وليبيا، وهنالك رؤوس مهددة أوشكت على السقوط في اليمن وسوريا، وهنالك أيضاً رؤوس مهددة مزلزلة في أكثر من مكان عربي. وافاق الغرب على واقع عربي واسلامي جديد خاصة حين ادرك ان القوى الاسلامية كانت وراء نجاح هذه الثورات وكانت شريكاً فاعلاً فيها، وهنا اتضح ان هنالك تيارات اسلامية واضحة وصريحة لم تحاول اخفاء هوي?ها او التستر عليها. وبدأت رحلة الشعوب في الاختيار فكان فوز حزب النهضة في تونس وعودة (الغنوشي) للسلطة، ثم كان اكتساح الاسلاميين للشارع السياسي في المغرب وتشكيل الحكومة، ثم كانت الانتخابات المصرية واكتساح الاسلاميين من الاخوان المسلمين والسلفيين في المرحلة الاولى من الانتخابات. وعلى مسافة قصيرة تستعد اليمن وليبيا وسوريا لاستقبال الحدث ولن يكون بعيداً وصول الاخوان المسلمين الى الحكم في سوريا واليمن وليبيا ذلك بعد سقوط الاسد ودولة العلويين وسقوط علي عبد الله صالح واغتيال القذافي وهذا يعني ان تسونامي اسلامي اك?سح المنطقة العربية كلها رغم اختلاف ألوانه وتوجهاته ومصادره، وان الربيع العربي اسفر عن ربيع اسلامي، ويستحق العقد الثاني من القرن الحالي ان يوصف بأنه عقد الاسلاميين لوصولهم للسلطة في عدد من البلدان العربية وسيشاركون فيها من موقع قوة، وفي عدد آخر من مغادرة خنادقها لاسباب شتى. لقد جاء زمن الاسلاميين لممارسة حظوظهم في الحكم والسلطة بعد أن اتيح للآخرين من ليبراليين وقوميين ووطنيين ورجعيين وعملاء وملوك واباطرة ان يتعاقبوا على السلطة في البلاد العربية خلال الاعوام الستين (06) الماضية، أى منذ عهد الاستقلال الوطني. ?الآن لم تعد هنالك عوائق امام الاسلاميين للوصول الى السلطة بعد ذهاب الاستبداد والظلم وسياسة القمع والحجر على الحريات وملاحقة الافراد والجماعات التي تخالفهم الرأى، والآن اشرقت شمس الحرية وحرية الكلمة والعقيدة وحرية الاختيار الحر أمام صناديق الاقتراع، وخاصة ان الاسلاميين هم القوة الاكثر تنظيماً ودقة، ولا يتمتعون في غالبية الدول العربية بغالبية حاسمة او راجحة، بيد ان غيرهم لا يتمتع بذلك أيضاً، مع فارق نوعي مهم لصالح الاسلاميين، لأنهم المنظمون الموحدون فيما الآخرون منقسمون على أنفسهم مفتونون ومبعثرون.
3/ من الواضح ان التيارات الاسلامية قد اخترقت الجدار السميك للمجتمعات العربية في اختبارات ديمقراطية حقيقية في كل من تونس ومصر والمغرب، وربما يحدث مثله غداً في الدول التي تشهد ثورات حالياً. هذا التحول العميق يأتي بعد انقطاع يعود الى الممارسة الاقصائية التي تعرضت لها التيارات الاسلامية منذ ان نشأت الحركات الاستقلالية في الدولة العربية فالانظمة العربية المستبدة كانت تلجأ الى عمليات تخويف متعمدة للداخل والخارج من تولي الاسلاميين أي موقع ذي سلطة في الدولة رافعة استخدام القمع المنظم لمنع أى كيان اسلامي في التعبير?عن رأيه مما ساعد الحركات الاسلامية على بناء قاعدة شعبية وجماهيرية كبرى لهم باعتبارهم ابرز ضحايا القمع والاستبداد السياسي من تلك الانظمة وهو ما ادى الى عدم تمكن مؤيديهم وجماهيرهم من اختبار وتجربة كفاءاتهم في ادارة الدولة والحكم السياسي وإمكان وصدق تحويل الشعارات النظرية الى حقيقة على الارض. اليوم نحن نعيش انتصاراً تاريخياً من جانب الاسلاميين والانظمة التي ظهر انها تتعامل معه بأسلوب مختلف ينسجم مع مقتضيات الربيع العربي. فقد شكلت انتخابات المرحلة الاولى في مصر مفاجأة للجميع داخل مصر وخارجها، إذ حصل الاخوان عل? نحو 54% ويليهم السلفيون 52% ويبدو أنهم سوف يحافظون على نفس النسب في المرحلتين الثانية والثالثة. وأهم ملامح المفاجأة ان التيار الاسلامي سواء في مصر او تونس أو في المغرب، حصل على غالبية مريحة تمكن من ان يكونوا على رأس الانظمة في بلادهم وهذا التحول يرتب على الطرفين مسؤولية مضاعفة بهدف الافادة من هذا المناخ الديمقراطي وتعميقه بحيث يصبح هو الممارسة السائدة في العالم العربي. لقد اكد قادة الحركات الاسلامية سواء حركة النهضة التونسية او الحرية والعدالة المصرية او حزب العدالة والتنمية في المغرب، أنهم يتعاملون مع أن?ارهم على أنها مسؤولية ملقاة على عاتقهم من جانب الناخبين وانه تكليف لإدارة أمور الناس كما يرونه مناسباً، ويعتبرون أنفسهم تحت الدستور والقوانين مما يعني انه سيتاح لافكارهم الاسلامية التنافس بطريقة سلمية مع الافكار الاخرى والمتخاصمة. ومن الملاحظ انه في الجانب المدني والاجتماعي ينقسم الاسلاميون حتى في داخل الخط الاخواني الى مدارس وتيارات. ومن يقرأ البرنامج الانتخابي لحركة النهضة في تونس، يذهل من حيث التطور في الخطاب المدني الديمقراطي للاسلاميين، وكذلك الخطاب الانتخابي لحزب العدالة والتنمية في المغرب، مما يتضح ?عه ان الاسلاميين المغاربة يقفون على بعد خطوات أمام حزب العدالة والتنمية التركي وليس وراءه، كما هو حال الاسلام السياسي المشرقي عموماً.
4/ تفوق التيار الاسلامي في الانتخابات المصرية لم يكن وليد صدفة، فهو الفصيل الاكثر تنظيماً وخبرة سياسية وخبرة في ادارة العمليات الانتخابية، يمتلك قاعدة كبيرة من الاعضاء الملتزمين ولديهم قاعدة بيانات علمية تغطي جميع أنحاء مصر كما أنهم يملكون الثقة المطلوبة لادارة المرحلة السياسية الصعبة المقبلة مقارنة بالقوى السياسية الاخرى، وان الجماعة الاسلامية قدمت نفسها للمجتمع باعتبارها القوة الوحيدة التي تعرضت للقمع والاضطهاد في عهد النظام السابق مما اكسبهم تعاطف الناخبين باعتبارهم أنهم التيار الوحيد الذي أُضير من النظ?م السابق مع اقتناعهم بالشعارات الدينية والبرامج الانتخابية والتي تلقى هوى في نفوس الكثيرين من المصريين نسبة لطبيعتهم الدينية المتأصلة وواقع الحال يؤكد ان الجماعة قد حصدت في جولة الانتخابات الاولى نتائج اصرارها على العمل طوال سنوات عدة بين شريحة من المواطنين تعيش على هامش مجتمع لم يرحمها، شريحة تفتقر الى الحد الادنى من متطلبات الحياة، فجاءت الجماعة وبالرغم من الحظر المفروض عليها وعلى تحركاتها علناً منذ منتصف الخمسينيات، لتمثل طوق النجاة لانتشالها من القاع ونجحت في ان تقدم نفسها بديلاً للدولة أو على الاقل ال?كومة لهذا القطاع من المواطنين، فأقامت المستوصفات العلاجية، وقادت حملات الاغاثة واقامة المدارس ودور العبادة وغيرها من الاعمال الخيرية وأعمال البر والاحسان، وبناءاً على ذلك جاء التعاطف الشعبي الكبير مع الجماعة التي كان أعضاؤها النزلاء الدائمين في معتقلات وسجون النظام لتكمل حلقة الالتفاف الجماهيري حول الجماعة الاسلامية، في مجتمع متدين بطبعه وبطبيعته وان للدين قدسية خاصة لدى المواطن وهو ما مثل مرتكزاً قوياً للجماعة لأن تستند عليه في تقديم مرشحيها للبرلمان.
5/ وأما تراجع الاحزاب المصرية الاخرى امام التيارات الاخرى امام التيارات والاحزاب الاسلامية، فانه يعود الى عدة عوامل أهمها ان تلك الاحزاب ليس لديها خطاب سياسي اجتماعي اقتصادي يستوعب مشاكل المجتمع، ولا تزال هذه الاحزاب معزولة داخل المكاتب والصحف واعتمادها على الظهور الاعلامي وانفاق الاموال فيه دون تنظيم جيد أو اختيار الكوادر التي تحظى بقبول لدى الناخبين الذين تعاطفوا مع الاخوان لما عانوه من اضطهاد في عهد النظام السابق، وفي المقابل فإن برامج الاحزاب الاسلامية قد حققت نجاحاً لأنها لم تتضمن شعارات براقة ووعوداً?انتخابية وانما ركزت على المشاكل الجماهيرية والتي هى الاكثر قرباً منها. واكثر قدرة على التعبير.
6/ بالرغم من ان رياح (الربيع العربي) لم تبلغ مداها الاقصى في المغرب، مثل ما حدث في تونس ومصر وليبيا ويحدث الآن في اليمن وسوريا، وذلك لأن العاهل المغربي بتعديلاته الدستورية والتي استجابت جزئياً للافتات والشعارات التي رفعها المتظاهرون، قد قطع الطريق أمام رياح الربيع العربي الجارفة، ولكن بالرغم من ذلك فقد تصور المشهد السياسي المغربي حزب ذو مرجعية اسلامية، مما يمثل تحولاً تاريخياً بالمعايير المغربية، على الاقل كونه يحدث في ظل نظام ملكي وراثي عتيد وبهذه النتيجة الانتخابية وظهور حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية ?لدينية، واصبح المغرب على أعتاب عهد جديد، وان النسخة المغربية من الاسلام السياسي التي تصدرت المشهد السياسي والتي تصدرت المشهد الانتخابي لا تحمل توجهاً (راديكالياً) لكنها تؤمن بالاصلاح التدريجي ومن النقطة التي يحددها الملك وفي هذا الصدد صرح الامين العام للحزب (عبد الاله بن كيران):( ان المغربيين يحرصون على نظامهم الملكي وكأنهم يريدون ان يتطور معهم) وبهذا المعنى ان الحزب سوف يحكم في منظور الحزب (السياسي) لا الديني وهو بهذا يكون اكثر تأثراً بالنموذج التركي، مفارقاً الاطروحات التي تتبناها احزاب الاسلام السياسي ف? الاقطار العربية الاخرى ويشابه في الأطر وأن خطابه السياسي هذا خطاب حزب النهضة التونسي. فالاسلام السياسي الاردوغاني (حزب العدالة والتنمية) يقوم على فكرة الديمقراطية المحافظة والتي تعتمد على التكامل التدريجي بدون الاخلال بالمؤسسات الاجتماعية الموجودة في البلاد، والمحافظة على الوفاق بين قوى المجتمع المختلفة، ويرون ان المجال الحاكم للتعامل مع الواقع هو تحقيق المقاصد بصرف النظر عن الآليات التي يمكنها تحقيق ذلك، وهذه المقاصد هى الضروريات الخمس: حماية الحياة وحماية الفكر والدين والممتلكات وتحقيق العدل، وبهذا يمكن?لاي آلية ان تكون شرعية طالما حققت تلك المقاصد والقيم، وهم بذلك يرون ان الاسلام والديمقراطية يلتقيان باعتبار ان الديمقراطية الية لتحقيق القيم المقاصدية الاسلامية.
7/ جاء ظهور الاسلاميين على سطح الاحداث في المنطقة العربية وتصدرهم المشهد السياسي من المحيط الى الخليج بعد ما اطاحت ثورات الربيع العربي بأنظمة استبدادية طالما مارست دور السجان على شعوبها ليخلق حالة من الجدل بين تيارين احدهما مؤيد وداعم لهذا التيار الديني من باب ضرورة منحه فرصة تولي مسؤولية القيادة بعد سنوات من الشك والريبة في أهدافه ونواياه، والآخر هو تيار المتخوفين من هذا الصعود على خلفية التجارب السابقة التي جلس فيها الاسلاميون على عرش السلطة وكانت النتيجة كارثية. ومن جهة أخرى يتحدث العالم عن وصول الاسلام?ين الى الحكم في اكثر من دولة عربية وبواسطة انتخابات حرة دفعت بالاسلاميين الى دوائر الضوء. انزعج العالم الغربي من هذه الاحداث وبعد ان كان يتحدث عن الثورات العربية بقدر كبير من التقدير والانبهار تغيرت لغة الحديث وبدت في الافق أطياف صراعات وكوارث قادمة كانت حسابات الغرب كلها تستعبد ظهور التيارات الاسلامية في الافق، خاصة مع الاطمئنان الشديد الى نظم مستبدة وعملاء صدقوا في ولائهم وطبقات اجتماعية وسياسية من النخبة كانت ومازالت تصنع الديمقراطية التي تناسب هواها وكان من أهم شروطها الا يسمح لنظام سياسي بفتح الابواب ?لاسلاميين تحت أى ظرف من الظروف.
8/ وبالرغم من تلاحق الاحداث وسرعتها في العالم العربي، إلا انه قد سبق ان ارسلت اكثر من رسالة تعلن بالقادم الجديد، للاسف لم تستوعب الانظمة الحاكمة والمستبدة مضمون هذه الرسائل القادمة من الجزائر وفلسطين، ولم تسع لفهمها أو التعامل معها بقدر من الحكمة بل اختارت ابشع أنواع العنف والملاحقة والاستبداد لمواجهة التيارات الاسلامية. ومثل فوز الاسلاميين في الجزائر (جبهة الانقاذ) في انتخابات المحليات رسالة قوية للنظام الجزائري الحاكم، ولم تفهم السلطات الجزائرية الرسالة ولم تتعامل معها وكانت النتيجة حرباً أهلية كلفت الجز?ئر قرب (002) ألف قتيل بغير الخسائر المادية والاجتماعية وعاشت الجزائر اياماً سوداء نتيجة للموقف الخاطيء والتقديرات غير السليمة للحراك الشعبي الاسلامي في الجزائر وفي فلسطين كانت حماس والتي فازت في الانتخابات التشريعية (بين فتح وحماس) بأغلبية كبيرة، واثار ذلك حفيظة العالم العربي والغربي والاجنبي والاسرائيلي ضد حماس وانقسم الشارع العربي والفلسطيني، واعلنت حماس استقلال غزة واعلنت فتح دولة السلطة في (رام الله) وما زالت الكارثة تطل بكل آثارها على الشعب الفلسطيني. كان فوز الاسلاميين في الجزائر وفلسطين رسالة قوية ا?ى الانظمة المستبدة، وبدلاً من ان تفهم الانظمة طبيعة المرحلة وما يحدث لشعوبها من تغييرات ازدادت قمعاً وعنفاً واستبداداً وقد ساعدها على ذلك مناخ عالمي شديد الاستبداد والقسوة، أعلن الحرب على الاسلام والمسلمين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 1002م، وفيما يعرف بالحرب على الارهاب وقادته امريكا والغرب واستخدمت كل أساليب القتل والدمار ضد الشعوب العربية والاسلامية واندفعت جيوشهم لاحتلال العراق وافغانستان وتكفلت اسرائيل (بغزة) قتلاً وتشريداً وتدميراً للبنية التحتية وبصورة بربريه وحشيه، وتم تدمير كل شيء فيها أمام صمت ?ربي ودولي مريب ومهين. وامام هذه الهجمة الشرسة والمدمرة للعرب والمسلمين من قبل الغرب واسرائيل ان انظمة القمع العربي المستبدة وقفت امام كل هذه الاحداث ولم تفعل شيئاً، واكتفت كالعادة بالشجب والادانة، بل ان الكثير من قوات الاحتلال الاجنبية خرجت من قواعد عسكرية في عواصم عربية. وهنا كانت بداية الغضب وثورة الشعوب العربية تجاه حكامها العملاء ومؤسساته المتواطئة مع ازدياد حالة الفقر والبطالة وتدهور الاحوال الاقتصادية والاجتماعية.
9/ بعد نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي اخطر منافس وأقوى عدو للولايات المتحدة، تحقق الحلم الامبراطوري الامريكي وامسكت امريكا بالقمة الدولية وكرست وجودها وحدها عليها مع منع أى قوة اخرى تنافس أو تتحدى، ولكي يحافظ المشروع الامريكي على تفوقه كان لابد من استمرار التعبئة ضد (عدو) حتى تظل القدرات الامريكية- المادية والسياسية والنفسية- على يقظتها، فلا تنفرط لغياب المنافس أو العدو، فإن كانت الشيوعية تمثل عدو الامس، فإن الاسلام وأسامة بن لادن، وصدام حسين واسلحة الدمار الشامل هى (عدو) اليوم. وكان ضغط أصحاب ?لمشروع الحضاري الامبراطوري الامريكي، ان هذه المخاطر الاسلامية المستجدة لا تقل ضراوة عن المخاطر السابقة وكذلك علت نبرة التخويف، وليس تخويفاً للامريكيين وحدهم، وإنما لغيرهم معهم، وعليه فهى ضرورة حيوية لقيام تحالف (ضد الارهاب) لا يقل صلابة وحزماً عن التحالف ضد النازية والشيوعية. وعندما إنقضت صواعق النار على نيويورك وواشنطن في سبتمبر 1002م فإن ذلك الحدث المروع جاء هدية من السماء الى أصحاب المشروع الامبراطوري الامريكي، وكانت صيحة اطراف المشروع الامبراطوري (الصناعي- العسكري- والفكري) ان الخطر هنالك في الشرق الا?سط وفي العالم العربي وعلى اطرافه حيث يقف الاسلام والمسلمون هنالك، وليس على الولايات المتحدة غير ان تواجه وتنصر واشتعلت حرب في افغانستان غريبة وتلتها حرب في العراق أغرب. ومع الغزو العسكري والاحتلال السياسي والفكري والحضاري للشعوب العربية من الغرب ظهرت أزمة الهوية العربية التي ترسخت تماماً امام واقع سياسي وفكري وعسكري وحمل الى احط وأسوأ درجاته كانت هذه الشعوب قد عاشت حلما شامخاً في ظل مشروع كبير هو القومية العربية، ولكن هذا الحلم سرعان ما ترنح امام مؤامرات دولية ومحلية كثيرة واصبح طيفاً عابراً في خيال قلة م? أصحاب الفكر والرؤى ثم أخذ مكاناً بعيداً واختفى، ودارت الشعوب العربية مرة أخرى في دوامات اقليمية سريعة لم تصمد طويلاً وذابت امام موجات الاحباط والانكسار والتبعية ووجدت امريكا واسرائيل الفرصة سانحة لاحتواء الحكام والحكومات العربية.
01/ وامام هذه الحالة من الظلم والاستبداد من نظم محلية واقليمية ودولية، شهدت المجتمعات العربية والاسلامية حالات من الحراك وعلى مستويات عدة تتجلى بوضوح في الفعل السياسي والرغبة في التغيير، وتبلور في احساس هذه المجتمعات بحقها في ان تنعم بحياة عمادها العدل والحرية واحترام حقوقها الانسانية وكرامتها البشرية، وبناءاً على ذلك فقد انتفضت طلائع من المجتمعات تمثل ضمير شعبها في الكثير من البلدان العربية، وبدأت تبحث عن دورها الذي وجدت من أجله وترسم حلمها التغييري المنشود عازمة على تجاوز التحديات والمعوقات التي تسببت في?قصور مجتمعاتها عن مواكبة التطور الانساني العالمي. لم تجد هذه المجتمعات أمامها غير ان تقود الى هويتها الاولى وهى آخر ما تبقى للانسان حين تسقط أمامه كل مصادر الحماية واليقين.. وكان الاسلام العقيدة هو طريق العودة الى الذات.. كانت العودة الى الدين هى الحل، واقتربت هذه العودة في أحيان كثيرة من أطراف المواقف، فكانت لعنة التعصب التي شجعتها الانظمة العربية التي رأت في الدين وسيلة من وسائل القمع وتوريث الحكم وفرض وصايتها على الشعوب، وهنا ايضاً إتسعت دائرة القمع والانتقام من التيارات الاسلامية وساعد على ذلك مناخ عا?مي اغمض عينيه عن جرائم انسانية ارتكبتها حكومات مستبدة ضد هذه التيارات الاسلامية واختفت لغة الحوار وغابت سماحة الاديان ووجد مئات الآلاف من الاسلاميين انفسهم في السجون والمعتقلات ومات الكثيرون منهم دون ان تصل اليهم أيادي العدالة.
11/ ان الكثير من الانظمة العربية كانت اكثر قرباً والتصاقاً بالولايات المتحدة، وقدمت لها الكثير من الخدمات الاستراتيجية التي تحقق مصالحها وأهدافها القوية.. وامريكا تدرك ذلك وتقدر لهذه الدول هذا الدور الداعم لها في المنطقة العربية، وفي المقابل كان الكثير من هذه الدول لا يريد لامريكا ان تتدخل في الشأن الداخلي لهذه الدول قدر المستطاع ولكن أمريكا كانت ترى انه في الكثير من الاحيان، ان ما تفعله هذه الدول من سياسات واجراءات داخلية قد يؤدي الى تفجر الاوضاع الداخلية في هذه البلدان، الامر الذي قد يضر بمصالحها في هذه?المنطقة، فقد كانت دائماً ما تطالب هذه الدول ببعض الاصلاحات الديمقراطية وحقوق الانسان ومحاربة الفساد، لأنها تريد ان تطمأن على اوضاع واستقرار هذه الدول حفاظاً على مصالحها هنالك. والتجربة الايرانية خير دليل على ذلك فبالرغم من النصائح المتكررة من قبل الادارة الامريكية لشاه ايران لاجراء بعض الاصلاحات، إلا أنه كان يرفض ذلك باعتبار ان الشأن الايراني هو شأن داخلي، ونتيجة لذلك كانت الثورة الايرانية، وفقدت امريكا حليفاً استراتيجياً مهماً في منطقة الشرق الاوسط.. امريكا والغرب لا يريدان تكرار الثورة الايرانية في الربي? العربي، بالرغم من ان قواعد صراع القوة تعبير، إذ ذهبت حكومات ورؤساء اصدقاء، والآن امريكا وجهاً لوجه مع التيارات الاسلامية الصاعدة الى الحكم، ومما لاشك فيه ان امريكا قلقة من هذا التحول، ولكن وبالرغم من ذلك تظهر عشرات الوقائع والمعطيات من داخل (ويكيليكس) وخارجها، ان اتصالات تمهيدية ومشاورات ومفاوضات هى أقرب لاستطلاع الرأى، وقد جرت بالفعل بين فروع اخوانية عديدة وممثلين من واشنطن وعواصم الغرب، قبل وأثناء وبعد الثورات العربية، وفي هذه اللقاءات اشعلت واشنطن ومن خلفها عواصم الغرب بمجمله الضوء الاخضر أمام مشاركته? في السلطة، بل وتوليها ان دعت الحاجة ولكن عبر صناديق الاقتراع وبطرق سليمة ومن ضمن سياق ديمقراطي، تختلف الآراء والتقديرات بصدد مدى عمقه واصالته وجذريته والراهن ان الاسلاميين اظهروا من قبل ومن بعد برغماتية مذهلة في التعامل مع التطورات، فبعضهم دخل في حلف غير مقدس مع الولايات المتحدة وتماهى معها وهى تخوض أبشع حروبها في العراق وبعضها يفعل شيئاً مماثلاً الآن على الساحة السورية، ومن قبلها الساحة الليبية، وبعضهم لا يتوانى في التحالف مع ايران، وبعضهم يتحدثون بكثير من التبجيل عن الشيخ اسامة بن لادن ويقدرون جهاده.
21/ لم تجد أمريكا أى غضاضة في ان تعلن صراحة وعلى لسان كبار المسؤولين من استئناف الاتصالات الرسمية مع جماعة الاخوان رغم ان هذا قد يؤدى الى غضب اسرائيل ومؤيديها الامريكيين، على حد زعم مسؤول كبير في الادارة الامريكية، وهذا المسؤول قال لوكالة رويترز :( ان المشهد السياسي في مصر قد تغير ومستمر في التغيير و،من مصلحتنا التعامل مع كل الاطراف التي تتنافس على البرلمان والرئاسة). وكانت سياسة واشنطن السابقة تسمح للدبلوماسيين الامريكيين بالتعامل مع أعضاء الاخوان في البرلمان وهو ما سمح لهم بالمحافظة على خطوط اتصال مفتوحة?مع الجماعة ونقلت رويترز عن مسؤولين سابقين ومحللين :( ان إدارة الرئيس الامريكي اوباما وجدت نفسها في مأزق وان ما من خيار أمامها سوى التعامل بشكل مباشر مع الاخوان المسلمين نظراً لنفوذ الجماعة السياسي بعد سقوط مبارك) وهاهو (جون كيري) رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس يزور حزب الحرية والعدالة، وهى الزيارة التي اثارت جدلاً لان (كيري) لم يقدم على زيارة أى فصيل سياسي في مصر خلال زيارته باستثناء الحرية والعدالة وهو الامر الذي اعتبره مراقبون بمثابة قراءة امريكية للخريطة السياسية الجديدة لمصر ، ولاسيما ان هذه الز?ارة الثالثة التي يقوم بها مسؤول امريكي للحزب بعد الثورة.
31/ وأخيراً.. لست هنا بصدد اطلاق النبؤات حول مصائر الاسلاميين في المشرق والمغرب العربي، أو المنطقة تحت حكمهم، فهذا امر متروك للتجربة ذاتها وفي ظني ان الاسلاميين قد ينجحوا في تقديم نماذج أفضل من كثير من بعض نماذج الحكم، سواء لجهة حفز النمو ومحاربة الفساد واخفاق العدالة الاجتماعية، أو لجهة اتباع سياسات خارجية أكثر استقلالية وصلابة.
خبير وباحث في الشؤون العسكرية والأمنية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.