عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    اهلي جدة الاهلي السعودي الأهلي    أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    منظمة حقوقية: الدعم السريع تقتل 300 مدني في النهود بينهم نساء وأطفال وتمنع المواطنين من النزوح وتنهب الأسواق ومخازن الأدوية والمستشفى    التلفزيون الجزائري: الإمارات دولة مصطنعة حولت نفسها الى مصنع للشر والفتنة    وزير الثقافة والإعلام يُبشر بفرح الشعب وانتصار إرادة الأمة    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    عقب ظهور نتيجة الشهادة السودانية: والي ولاية الجزيرة يؤكد التزام الحكومة بدعم التعليم    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمام عبدالرحمن المهدي:أبو استقلال السودان

التعزية موصولة لآل د.خليل إبراهيم و لزوجه ولأبنائه وبناته ولكل من آمن بقضيته ووسائله في تحقيق الأهداف ونسأل الله له الرحمة والمغفرة وأن يقبله في مقام الشهادة ومع اختلافنا مع اتخاذ البندقية وسيلة للتغيير ندرك أن شرعيتها إنما تنبع من انسداد الأفق أمام الوسائل السلمية ويجب ألا ينسى سدنة المؤتمر الوطني وحتى من انقلب على الإنقاذ فيما بعد ورأى عيبها : أن الوسائل الخاطئة تؤدي دوما لسلسلة من الأخطاء والأخطار المريعة فما تكاثر الحركات المسلحة إلا نتاج طبيعي لنهج الإنقلاب الأول على الشرعية مما نتجرع مراراته?اليوم: نقص في الأنفس وفي الثمرات وفي الأرض التي تنتقص من أطرافها...وإذ ينعي لنا الناعون اغتيال د.خليل اليوم بأيد اخوانه في العقيدة أو ربما بتآمر منهم لا يسعنا إلا الترحم والتحسر على زمان مضى كان فيه خليل ،الاتجاه الإسلامي وبشار الشيوعي يتقاسمان ذات الغرفة في داخلية بالنشيشيبة بجامعة الجزيرة وبعد أن يدافع كل منهما أبلغ دفاع عما يؤمن به من أفكار في أركان النقاش التي كانا يديرانها يعودان معا يدا بيد الى غرفة واحدة تأويهما معا لا ضيق ولا كدر ولا خوف من غدر.ونذكر سادة وسيدات المؤتمر الوطني وأتباعه بأ? أوان الفرح الذي يظهرون لم يأت بعد، طالما أن قضية دارفور لم تزل بلا حلول وطالما ظلت آفاق الحوار مسدودة أمام الناس فإن مات خليل فسيقوم لدارفور أخلاء آخرون .حقيقة إن وجد وجيع للمؤتمر الوطني عليه نصحه إستعانة بوعاظ وعلماء نفس واجتماع وأخلاق:ليس في الموت شماتة فهو مصير الأولين والآخرين وحينها أمام الحكم العدل سيعرف الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون!
ثم بمناسبة حلول عيد الميلاد المجيد نهنيء أهلنا المسيحيين في أرجاء السودان -القديم ،مثلما وقر في قلوبنا، وفي كل بقاع المعمورة بميلاد السيد المسيح كما نهنيء أنفسنا والإمام الصادق المهدي وكافة محبيه من كل الطوائف وفي كل الأمصار بمولده الذي يوافق مولد المسيح عليه السلام والتهنئة بميلاد الإمام تتسع لتشمل حتى أعداء الإمام وحساده من الذين منعهم الحسد وشح أنفسهم من مجرد اعتراف بفضل الرجل الصوفي الذي يتسامى ويتسامح ليرى حتى في قبح من يعادونه جمالا مثلما صور لنا المبدع د.زهير السراج في كلمته الرائعة? يوم احتفائية الوقفة مع الذات ،عام مضى وعام آت، نهارية 25 ديسمبر المنصرم .
المناسبة الأخرى التي نتنسم هذه الأيام أريج نسماتها هي استقلال السودان في الأول من يناير 1956 ،وطنا واحدا و كامل السيادة بحدوده المليون ميل مربع لكن يمنعنا الحياء عن التهنئة بعيد الاستقلال جهرا في «هذا العام الكبيس» كما نعته حكيم الأمة في وقفته مع الذات يوم الأحد الماضي .
لأن الوطن لم يعد هو الوطن! وتلك النسمات التي تهب علينا في أوان الذكرى المجيدة يحول بيننا وبين تنشقها عبرات تخنقنا وواقع أليم يكتم على أنفاسنا، كيف لا؟ والجغرافية لا نعرفها ولا تعرفنا والتاريخ ينكرنا ولا يعطي كل صاحب حق حقه :
في أمر الجغرافية رأينا كيف انفصل ثلث الوطن وبقيت أرباعه الثلاثة الباقية رهن حرب طاحنة تدور رحاها بلا أمل، وفقر وجوع وتداعيات مصاحبة تسحق إنسانية إنسان السودان بلا رحمة .كما يشهد الوطن ضياعا مهينا للسيادة ،مظاهره: طمع بعض الجيران في بعض الأرض وأخذها عنوة «الفشقة وحلايب مثالا»، وتمدد الجيوش الأجنبية فوق وطننا تحت البند السابع ،و طلعات مكوكية لطيران الدولة العبرية«الأباتشي الاسرائيلية في ابريل الماضي عندما قصف السوناتا وفي نوفمبر الماضي حيث استهدفت رتلا من السيارات غرب حلايب وقتلت شخصين ثم في 15 ?يسمبر الماضي هبطت طائرتا أباتشي في جزيرة مقرسم بشرق السودان وتجول جنودها بحرية ثم عادوا سالمين دون اعتراض » بل يمكن لكل طيران يمتلك المقدرات اللازمة أن ينتهك حرمة أجوائنا دون أن نحرك ساكنا «طائرة أو صاروخ مصنع الشفاء مثالا في 20 اغسطس 1998»، ورمز الدولة مكبل بذنوبه والدولة ترزح تحت عقابيل قرارات مجلس الأمن المدينة التي تبلغ العشرين.. .
فلا عزاء لنا ولا مستقبل إلا باعتراف الانقلابيين جهرا:إننا أخطأنا بفداحة، عسى ربنا أن يجعل في التوبة النصوح لنا مخرجا فيحفظ السودان من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
أو الطوفان إن لم يفعلوا ،فدوام الحال من المحال.
وفي ذكرى الاستقلال وقد بكينا على الجغرافية والديمغرافية وما طالهما من تغيرات ونقص وانتقاص وشتات نبكي أيضا على التاريخ .فتاريخ السودان كما ذكرنا معتدى عليه أيضا بما شمل كل فترة تاريخه الحديث منذ المهدية ولكننا سنحصر تناولنا اليوم على الظلم الذي انتاش أحداث تاريخ الاستقلال الثاني الذي تحقق في الأول من يناير 1956م.
و حينما نسلط الضوء على أحداث ذلك التاريخ وعلى صناعه في تلك الفترة نرى عجبا .
فإن استعنا بما وجده د.فيصل عبدالرحمن علي طه الذي تتبع مسيرة الحركة السياسية السودانية والصراع المصري البريطاني بشأن السودان منذ 1936 وحتى 1953 في كل تفاصيلها ومنحنياتها يوما بيوم ،يبرز لنا دور الامام عبدالرحمن ومن خلفه الاستقلاليين بوضوح جاهر لذلك يدهشنا كيف أغمط ذلك الدور ؟ وكيف حصل على شرف تحقيق الاستقلال في غفلة من الزمن آخرون ،كانوا قد قضوا عمرهم في الدعوة لاستقلال منقوص تحت التاج المصري ؟!
ومع أن الاستقلال الكامل الدسم تحقق بفكرة الاستقلاليين وهي أن السودان للسودانيين بعيدا عن الكمونولث البريطاني وبعيدا عن التاج المصري ، وتحقق عن طريق التطور الدستوري والضغط بوسائله بينما كانت فكرة التيار الوطني الآخر -التيار الاتحادي رفض الجمعية التشريعية ولو أتت مبرأة من كل عيب. كما أنهم كانوا يريدون الاتحاد مع مصر سبيلا للتحرير وليس الاستقلال الكامل مع ذلك أسند لدعاة الاتحاد فضل تحقيق الاستقلال وتم إخفاء دور الذين تحقق الاستقلال بنهجهم خطوة بخطوة بصورة شبه كاملة.
نحن هنا لا ننكر جهد الآخرين في تحقيق الاستقلال بل و نهرول مسرعين للاعتراف بما أقر به الامام عبدالرحمن نفسه بأنه لولا الدور الاتحادي لما أمكن اللعب على التناقض بين دولتي الحكم الثنائي بتلك الفعالية بما أدى في النهاية الى تحقيق الاستقلال كاملا، فحق لكل السودانيين أن يروا وجوههم في مرآة الاستقلال.ولا شك أن إحباط الاتحاديين وفقدان أملهم في الدور المصري دفع للاسراع بقطار الاستقلال نحو ميسه. كما كان للاختلاف الاتحادي على تعريف متفق عليه لشكل الاتحاد المراد مع مصر دور، وكان لانضمام أقطاب من الاتحاديين« ال?ادة :خلف الله خالد،ميرغني حمزة وأحمد جلي» الى ركب الاستقلالين دور .. وفي 1954م انضمت الجبهة المعادية للاستعمار الى الجبهة الاستقلالية وكان لذلك أيضا دور في الاجماع السوداني ..
لكن يظل السؤال المطروح قائما: لماذا لم يظهر في كتاب التاريخ أن الاستقلاليين بقيادة الامام عبدالرحمن كانوا هم من خاض جهاد تحقيق استقلال السودان الثاني وقد لحق بهم الآخرون؟
لا شك عندنا أن هناك سعاة مغرضون حرصوا على ألا يتم الاعتراف بدور للاستقلاليين وللامام عبد الرحمن تحديدا لأن الاعتراف بالدور المستمد من المهدية يعني إحياء لذكرى بغيضة عندهم تعيد جذوة الثورة التي هزمتهم وقد جندوا في سبيل ذلك كل امكانيات دولة بريطانيا العظمى التي لم تكن تغيب عنها الشمس واستعانوا بأذرع محلية لتنفيذ تلك الخطة المحكمة كما ساعدهم التواضع الأنصاري الذي يغشى الوغى ويعف عند المغنم بحيث صار يذكر الاستقلال ولا يرتبط ذكره بذكرهم.
لقد أدرك الامام عبدالرحمن بوعي مبكر سابق لزمانه أن الوسائل التي أتبعها والده الامام المهدي لتحرير السودان «زمانها فات وغنايها مات» نظرا لتطور الآلة الحربية بشكل صارت معه المواجهات المسلحة التي تقابل المكسيم بالصدور العارية تحقق واحدا فقط من الحسنيين دون الآخر وهو : الاستشهاد ولا يوجد قائد عاقل يفعل ذلك إلا إذا أجبر« لكن الأفراد قد يقدمون على الاستشهاد حتى دون اضطرار وما في ذلك ضرر أو نهاية للجماعة بل على العكس في استشهادهم إذكاء لفعل الجماعة ومد له بمزيد من الشرعية» أما النصر وتحقيق الاستقلال ورد الحق?ق فتلك أهداف القادة ولا مجال لتحقيقها بما توفر عنده من معطيات و امكانيات صفرية والنماذج ماثلة أمامه فقد قمعت الدولة الاستعمارية ود حبوبة في 1908 وغيره من الثوار الأبطال دون هوادة وصحيح أن تلك البطولات الفردية كانت ملهمة ومفيدة ولكنها كانت محدودة الأثر. .
وبفهم عبقري لا نستطيع سوى الإنحناء له إجلالا ، حدد الإمام منذ البداية أن الطرف الأقرب لتحقيق أهدافه«السودان للسودانيين» هو بريطانيا وليس مصر وذلك لعمري فهم ثاقب، فبريطانيا مهما كان ظلمها وجبروتها ولكنه فهِم الآليات التي تصيغ القرار السياسي فيها والذي يخضع للرأي العام ويسترضي الناخبين .وسادت في ذلك الوقت حركة تحرير الشعوب ونداءات رئيس الولايات المتحدة بحرية الشعوب كبيرها وصغيرها وبحقها في تقرير مصيرها ومبادئه الأربعة عشرالتي ضمنها لخطابه للكونجرس وفيها نص لانشاء رابطة عامة للأمم بغرض توفير ضمانات مت?ادلة للاستقلال السياسي والسلامة الإقليمية للدول الكبيرة والصغيرة على حد سواء.وإنشاء عصبة الأمم في 1920م الذي ترتب على نداءات الرئيس الأمريكي وميثاق الأطلنطي فيما بعد الذي أصدره ونستون تشرشل وروزفلت وقد تضمن المباديء التي تؤمن للبشرية مستقبلا أفضل بعد الحرب«الحرب العالمية الثانية» فبينما بريطانيا يحاط جبروتها بكوابح لا تستطيع تعديها خاصة وأن ادعاءاتها الإستعمارية ظلم ظاهر يسهل كشفه وتعريته ،نجد أن الإدعاءات المصرية بالسيادة على السودان تتم بضمير مرتاح من حكام وشعب مصر،وكما قال المستشار المالي«المصري» في تق?يره سنة 1914م «ان السودان ألزم لمصر من الاسكندرية!»وظلت مصر الشمولية طيلة عمرها تتدخل في شأننا الداخلي عن طريق الأنظمة الموالية والانقلابات بل حتى اليوم نرى في انتخابات مصر الثورة من يجعل برنامجه الانتخابي الرئاسي استعادة السودان للتاج المصري.
تحرك الإمام العبقري في مساحات تناقضات دولتي الحكم الثنائي وتضارب مصالحهما مستفيدا من الوضع القانوني الهجين الذي انتهج على ضوء معاهدة 19 يناير 1899م والذي لم يعرفه القانون الدولي من قبل وهو عبارة عن الحل الوسط الذي طرحه كرومر ليكون السودان مصريا وبريطانيا في ذات الآن حيث رفع العلمين المصري والبريطاني معا وقد فسر المصريون بنود الاتفاقية على أساس أن السيادة على السودان تعود لهم وحدهم « توضح هذا في كل المفاوضات المصرية البريطانية اللاحقة فيما يخص المسألة السودانية» بينما في الواقع تنفرد بريطانيا بحكم وإدارة ?لسودان ولم تعهد للمصريين إلا بالوظائف الإدارية الدنيا كالمأمور ونائب المأمور .
وفي نقاش هذا الملف لا بد لنا من إجابة واضحة نقدمها للأجيال التي تتساءل بحيرة : فإن كان الامام عبدالرحمن هو المستحق دون غيره للقب محقق استقلال السودان وأبو الاستقلال دون منازع وإن كانت الرؤية الاستقلالية هي الذراع الذي تحقق بسعيه وبموجبه الاستقلال :فلماذا إذن لا يعرف كثير من الناس هذه الحقائق وكيف لا يقرن ذلك الاستقلال باسم محققه و يسند شرف تحقيق الاستقلال لمن مارس طقوس رفع العلم ؟
نحن لا نريد أن نغمط الناس أشياءهم ونقر بأن للزعيم الأزهري الفضل كرئيس وزراء الحكومة الأولى قبل الاستقلال إدراكه في الوقت المناسب أن رغبة الاستقلاليين هي تعبير عن رأي الغالبية الجماهيرية وأنه استجاب لرأي الأغلبية حين علم بعمق تلك الرغبة في طوافه على أقاليم السودان لمعرفة رأي الجماهير حول الاستقلال .لكننا نريد أن تسمى الأشياء في السودان بأسمائها وأن يثبت الفضل لأهله.
وفوق الغمط والإهمال نحن نشكو من القراءات المغلوطة للتاريخ ولما صنعه الامام عبد الرحمن . ومن ضمن تلك القراءات التي سنتعرض لها بالنقد والتوبيخ ما كتبه د.التجاني عبد القادر في 14 مايو 2011 تحت عنوان البنية التحتية للفساد.
ذكر د.التجاني الذي نوافقه على كثير مما يكتب باستثناءات قليلة منها هذه المرة التي رميناها بحجر -أن الفساد يتغلغل في ثقافتنا بصورة متشعبة مستدلا على ذلك بواقعة حدثت في أول انتخابات بعد الاستقلال عندما شكلت محكمة للنظر في طعون بالفساد في قرية نائية لكن ظروف العدم جعلت أعضاء المحكمة المنوط بهم النظر في قضية الفساد قبول النزول ضيوفا على المتهم في القضية فما كان يمكنهم سوى تبرئة المتهم من التهمة والاعلان عن نزاهة الانتخابات! والفساد بحسب تلك الواقعة عملية ثلاثية الأركان: زعيم يطعم الناخبين ويكفل لهم كل وج?ه عيشهم والتاجر الذي يموله والقطاع الشعبي الذي يستفيد من العطايا ،بما عبر عنه أبو الطيب المتنبى أوضح تعبير حينما قال يمدح سيف الدولة:
«فيوماً بخيل تطرد الروم عنهمو....... ويوماً بجود تطرد الجوع والفقرا».
ونحن هنا نخالف د.التيجاني على هذه الرؤية التي تريد اسقاط حادثة واحدة على تراث كامل يحث على الكرم لوجه الله ولا يتوقع جزاء ولا شكورا وأن تلك الرؤية المتهمة لارتباط الدين بالعجين رؤية ممعنة في المادية ولا تختلف عن قراءات الماركسية التي ترى أن الدين أفيون الشعوب وأن لكل شيء ثمنا ماديا .
قد يكون النقد للنظم التقليدية العشائرية التي تقدم الزعيم لكي يفعل عنها كل شيء صحيح في بعض مناحيه إذ أنها تكلفه فوق طاقته وتفقد هي الفعالية ولكن النهج الأبوي الذي يسم المجتمعات التقليدية نهج ملائم لها يخدم التكافل ويلعب دورا محوريا في تماسك المجتمع وصحته ومن أمثلة ذلك : نظام الادارة الأهلية مثلا الذي عصفت به الانقاذ فشتت شمل الناس وهتكت النسيج الاجتماعي، وكذلك يفعل كل قفز بالزانة على التطور الطبيعي للأشياء وعلى الواقع.
ثم ربط د.التيجاني النهج الفاسد الذي ضرب له مثلا بالقصة المذكورة بما كان يمارسه الامام عبدالرحمن قائلا«انه أشهر من سار على ذلك النموذج في تاريخ السياسة السودانية المعاصرة وقد استطاع أن يكون قائدا محبوبا ليس فقط بسبب قامته الفارعة وحديثه العذب، ولكن بسبب أنه تحول «بعون وتشجيع من الإدارة البريطانية» الى رأسمالى موسر، يبنى «السراية الشامخة» في وسط الأكواخ، ثم يبسط الموائد الطويلة، ويرفد بالهبات السخية، استمدادا من مشاريعه الزراعية وعقاراته وشركاته، وقد صار ذلك كما هو معلوم ميراثا اقتصاديا ورصيدا سياسيا يعت?د عليه آل المهدى الى يوم الناس هذا .
وبينما أقلب ذلك الافتراء على خلفية ما بين يدي من أوراق أدرك صعوبة ما نحن فيه إذ يزور تاريخ الأمة بذلك الشكل المريع بينما نعلم أن التاريخ هو اللبنة التي ينبغي أن تكون عليها بناء منصة الانطلاق نحو المستقبل إن كان الى ذلك من سبيل :
المؤرخ الموضوعي الذي يقلب أوراق التاريخ بشيء من الصدق واحقاق الحق لا يمكنه سوى الاعتراف بالدور العصامي للامام عبدالرحمن الذي لم يبدأ حياته موسرا كما يقدمه الكاتب في الفقرة المقتبسة من مقاله بل بدأ بما تحت الصفر حيث حكى في مذكراته أنه من شدة الجوع وقد كانوا حفاة بمجرد أن يطأ شيئا رطبا برجله يضعه في فمه دون النظر اليه ولكنه مع ذلك الضنك لم تدخل مرارة الفقر قلبه ولم تفسد قناعته ولم تلون نظرته للحياة وللآخرين.
حينما طلب أن يعطى الجزيرة أبا لتعميرها أول مرة في 1908 رأى المستعمرون الاستجابة له وسمح له على مضض بالزراعة على ألا يسمح له أن يكون غنيا أو فقيرا معدما مثلما أوصى سلاطين باشا وحسب القوانين سمح له بتملك الارض بعد مداومته 5 سنين على تعميرها وقد بدأ ذلك ومعه مساعد واحد حتى علق له بتلر محافظ الدويم عندما وجده جالسا وبجانبه حزمة من القش «يمكنك الآن أن تقول انك حرقت شجر هذه الأرض وقتلت ثعابينها» وقد استفاد الامام من حاجة الحكومة عند اندلاع الحرب العالمية الأولى الى الفحم كما انتهز فرصة ميل الحكومة لاستمالة ز?ماء العشائر لكي ينحازوا لها في الحرب وبعثتهم للترويج للحرب وفي طوافه ذاك استطاع أن يكون شبكة مناديب وتمكن من تجميع الأنصار حوله وقد كانوا بالآلاف يهاجرون لود المهدي في أبا فأقام نظاما أبويا شديد المثالية يقوم على الحب والعلاقة الروحية، قال الامام في مذكراته:ان علاقة الدائرة مع عمالها تقوم على أسس أبوية محضة حيث التزم أنا بسداد حاجة العمال بغض النظر عن انتاجهم فتعطي الدائرة للعامل المشتغل والعاجز ما يكفيهما من غذاء وكساء وضرورات أخرى وغيرت هذا النظام مؤخرا على أساس الشراكة 40% مثلما هو الحال في مشروع الجز?رة وهو نظام يكلف الدائرة أقل من النظام السابق حسب دفاتر الحسابات. ويقول الامام«لم أفكر قط ولن أفكر أن أجعل الصلة بيني وبين الأنصار صلة اقتصادية بحتة والرابطة بيننا تعلو بالصلات الروحية وترتفع بها فوق الدنيا وما فيها من حطام زائل».ولا شك أن الدافعية التي عمل بها الأنصار في أبا قدمت أبا كنموذج للمدينة الفاضلة وقد برعت في انتاج الفواكه والقطن والصناعات اليدوية وخرجت الصناعيين لكل أنحاء السودان .
بل يعرف كل الناس «أن فاتحة أبو علوة صرفها عند أبو عبدة»وأن الامام عبدالرحمن كان ينفق على الجميع بلا غرض وقد ساعد الناس في كل المجالات ومن كل الطوائف دون ربط لذلك بمواسم الانتخابات أو أي غرض حتى مدحه الشعراء آويتنا وضميتنا وناديتنا بأسمانا... وقد ذكر الامام الصديق في مطلب الأمة أن والده أخبره ذات مرة أنه يفعل ما يفعل لأنه يريد رد بعض الدين للسودانيين الذين وقفوا مع والده وحرروا السودان.ونذكر الكاتب وأنفسنا أن المال الذي جمعه الامام عبدالرحمن قد أنفقه عن بكرة أبيه في غرض تحرير البلد حتى أنه لو صفيت تركته ح?ن موته لما بقي منه شئ وأن القصور التي سكنها وحتى ملبسه استخدمت بذكاء في كسب ود واحترام المستعمرين حتى قلب عليهم الطاولة محققا أهدافه دون انتقاص ولم تكن مظاهر الغنى التي عرف بها تبعده عن الأنصار وبقية السودانيين وعلى ذلك شهادات عديدة لا يتسع لها المجال.
كما أن هذه التهم التي ألصقها د.التيجاني بقامة الامام عبدالرحمن ومن ضمنها شراء الذمم فيها بعد كبير عن الحقائق ومعروف في تاريخ السودان من بدأ بشراء الذمم في أول انتخابات في السودان وكيف لعبت الأموال المصرية وصلاح سالم بالقلوب لدرجة أن الفوز كان من نصيب الاتحاديين مع الغالبية الاستقلالية صحيح أن الأعداد الكلية كانت متقاربة لكن تم لعب في توزيع الدوائر«أجرى وليم لوس مستشار الحاكم العام تحليلا للانتخابات ذاكرا فيه أسباب هزيمة حزب الأمة ولكنه دعا الى عدم التقليل من شأن التدخل المصري في الانتخابات وخلص الى أنه بدو? هذا التوجيه والرعاية لما استطاع الحزب الوطني الاتحادي تحقيق ما وصل اليه من نجاح.و لاحظ أن القوة النسبية لحزب الأمة والوطني الاتحادي في مجلس النواب لا تعكس بأي حال جملة الأصوات التي حصل عليها كل من الحزبين في دوائر الانتخاب المباشر فقد صوت 229.221 ناخبا لمرشحي الوطني الاتحادي وحصل على 43 مقعدا بينما صوت 190.822 ناخبا لمرشحي حزب الأمة ولكنه لم يحصل الا على 22 مقعدا «وقد لفتت لجنة الانتخابات في تقريرها الختامي النظر لذلك وأوصت باعادة توزيع الدوائر».
وكما عرف الناس من بدأ بالفساد في الانتخابات كذلك يعرفون من انتهى عنده كل اثم وفساد وتزوير بما أثبت في انتخابات ابريل 2010 المخجوجة.
أما نماذج الفساد التي ضربها الانقاذيون في كل المجالات الأخرى فمما يحتار منه قلب اللبيب و يسوءنا حقا وصدقا أن يحاول أناس طرح تلك النماذج الخائرة ثم القول: كان هذا امتداد لفعل الامام عبدالرحمن ولا يزيد الفارق بين النموذجين عن أن السابقين كانوا يسترون فسادهم بشيء من الانفاق:حسبنا الله ونعم الوكيل !
لكن الذي يحيرنا أكثر أن حملة الشهادات العليا أمثال د.التجاني فات عليهم أن فساد الانقاذ وليد شرعي لطريقة تسنمها للسلطة وأنهم بعد أن أيدوها في الانقلاب ونهجه بسبب رفعها لشعارات «نظام إسلامى كنا نرجوه، ونهدف نحورنا للهلاك دونه» كما قال دون ربط لذلك بمباديء الاسلام من شورى وعدالة وعدم الخيانة والغدر ،عادوا في آخر النهار لكي ينعتونها بالأوصاف وفي الطريق يلقون بالنفايات على من حققوا استقلال السودان دون من ولا أذى.
رحم الله الامام عبدالرحمن ومن صحبه ومن مضى على أثره في عليين وأذهب عن السودان الأذى وكيد الكائدين.
وسلمتم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.