حملت لحظات إعدام رئيس الحزب الجمهوري محمود محمد طه في العام 1984 مفارقتين متناقضتين تمثلت الاولي في الهتافات العالية التي انطلقت من حناجر الإسلاميين عند تنفيذ حكم الاعدام بسجن كوبر وبعده مرددين «سقط هبل،سقط هبل»، تعبيرا عن رفضهم للاطروحات والافكار الجمهورية ،معبرين عن فرحتهم الواضحة باعدام الرجل ،وعلي النقيض من الفئة التي احتفت بطي صفحة محمود محمد طه شنقا حتي الموت ،رفض القيادي الإسلامي وقتها الأمين داؤود الذي كان من ابرز معارضي الفقيد مظاهر الفرح التي عبر عنها تلاميذه وانصاره وطالبهم بالترحم علي الفقيد?وقراءة سورة الاخلاص علي روحه باخلاص . ولأن المجتمع السوداني يستمد قيمه وموروثاته من الدين الإسلامي سجل التاريخ الكثير من المواقف لسياسيين عبروا عن احزانهم لرحيل منافسين لهم في احزاب اخري عن الدنيا وتجلت ابرز هذه المواقف كما تذكر مصادر تاريخية حزن الرئيس الاسبق جعفر نميري علي اعدامه لقادة انقلاب 19 يوليو 1971 وعلي رأسهم الشفيع أحمد الشيخ ،جوزيف قرنق وهاشم العطا، وكذلك حينما رحل شيخ الهدية ،كان شيخ ابوزيد الذي كان علي خلاف معه الأكثر حزنا ، وايضا اعتزال الحاج وراق للسياسة عقب رحيل خصمه الخاتم عدلان، والنماذج التي تؤكد سماحة الوسط السياسي كثيرة ر?م ان هناك من يري ان السياسة لعبة قذرة ، فالسياسي السوداني مهما بلغت حدة خلافه مع منافسية في الاحزاب الاخري يتدثر بالقيم السودانية عند المناسبات خاصة الحزينة،وفي عهد الانقاذ يحسب لقادتها وعلي رأسهم الرئيس عمر البشير المشاركة في مناسبات قادة الاحزاب المعارضة وابرز هذه المواقف حضور البشير لمراسم دفن قائد الحركة الشعبية جون قرن رغم الخلاف الكبير بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني الذي نعي يومها عراب الحركة الشعبية، وذات القيم التي تميز المجتمع السوداني جعلت المواطنين والقوي السياسية يستهجنون اعلان الاذاعة في ع?د الرئيس نميري وفاة الزعيم اسماعيل الازهري بطريقة لاتتناسب مع حجم اسهامات الرجل. ولكن حمل مقتل قائد حركة العدل المساواة خليل ابراهيم تغييرا ملحوظا علي المشهد السياسي السوداني كما يقول محللون، ويتمثل ذلك في طريقة تعاطي قادة المؤتمر الوطني مع الحدث ، مشيرين الي وجود حالات فرح مكتومة وسط قيادات الحزب عبرت عنها مسيرات هادرة خرجت بعدد من مدن البلاد ابرزها الدلنج ، الفاشر، نيالا والخرطوم عقب مقتل خليل تحت دعوي الاحتفال بانتصارات القوات المسلحة، يعزز من هذا الاعتقاد عدم اقدام قيادات المؤتمر الوطني علي تقديم واجب العزاء لاسرة زميلهم السابق في التنظيم مما جعل كثيرا من علامات التعجب والاستفها? ترتسم من تلقاء نفسها، وما اسهم في ترجيح فرضية فرح وارتياح المؤتمر الوطني لرحيل خليل مطالبة الامام الصادق المهدي بعدم فرح من يفرحون لمقتل خليل ولا غضب من يغضبون علي رحيله، وذلك في كلمته بمنزل اسرة الراحل الاول من امس، ويري مراقبون ان الارتياح الذي ابداه البعض لمقتل خليل يمثل ظاهرة لايعرفها المجتمع السوداني ويؤكدون ان هذا الامر من شأنه احداث شرخ كبير في نفوس اسرة ومناصري الراحل الذين عبروا عن حزنهم لفرح البعض لوفاة فقيدهم، ويشير مصدر من جنوب دارفور الي ان احد اقرباء خليل ابراهيم قال ان حزنهم تضاعف بعد رؤية?تعابير السعادة والفرح لدي البعض، واشار المصدر الي تعجب قريب خليل من فرح الذين كان يجمعهم تنظيم سياسي واحد مع الراحل. واذا كان البعض أكد سعادة قيادات بالحزب الحاكم وفرحتهم لرحيل قائد العدل والمساواة الا ان هناك من يرفض هذا الاتهام ويري ان الفرح كان لانتصار قوات الشعب المسلحة علي الحركات المتمردة وعلي رأسها حركة العدل والمساواة والحركة الشعبية قطاع الشمال وليس لوفاة خليل ابراهيم ، ويشير اصحاب هذا الرأي الي ان قادة المؤتمر الوطني مسلمين وسودانيين ولايمكن ان يفرحوا لمقتل مسلم يؤمن بوحدانية الله ، وينفي القيادي بالحزب الحاكم د. ربيع عبد العاطي سعادة حزبه لرحيل خليل ابراهيم ، ويقول»الموت ليس مدعاة للشماتة «ويؤكد في حديث ل«الصح?فة» عبر الهاتف امس ان مبادئهم ترفض التصرف بمثل هكذا تصرفات، مشيرا الي ان لا احد يدري متي واين يوافيه الأجل وان الموت مصير العباد لذلك لايمكن الفرح لموت احدهم ، ويطالب عبد العاطي الذين فرحوا لمقتل خليل بمراجعة انفسهم ، ويشير الي انهم كانوا في المؤتمر الوطني يتمنون وجود خليل ابراهيم ليشاركهم صناعة السلام ، وحول عدم اقدام قيادات الحزب الحاكم لاداء واجب العزاء لاسرة الراحل كما درجوا في مختلف المناسبات الحزينة يرجع عبد العاطي الامر الي ظروف موت خليل في عملية عسكرية والخلافات السياسية بين الطرفين، وقال ان هذه ال?سباب القت بظلالها علي المشهد وهو الامر الذي جعل قيادات الحزب الحاكم تغيب عن سرادق العزاء، مطالبا بضرورة الفصل بين الخلافات السياسية والواجبات الاجتماعية التي تميز المجتمع السوداني. ويعتبر مسؤول حزب الامة لاقليم دارفور اسماعيل كتر ان رحيل خليل ابراهيم فقد كبير للسودان ، مشيرا الي ان الراحل بمثلما كان من الذين اسهموا في صنع الحرب بدارفور كان يعول عليه في صناعة السلام واعادة الاستقرار لدارفور ، منتقدا في حديث ل«الصحافة» مظاهر الفرح التي بدأت ظاهرة للعيان من قبل المحسوبين علي المؤتمر الوطني، مشيدا بمواقف قيادة الحزب الحاكم التي لم تبد فرحة ظاهرة لموت خليل، وقال ان الفرح لرحيل قائد العدل والمساواة يعد امرا دخيلا علي المجتمع السوداني وغير مألوف ومرفوض، وطالب كتر باجراء تحقيق حول الكيفية ?لتي قتل بها خليل وذلك لمعرفة هل هناك اياد خارجية شاركت في هذا العمل الذي اعتبره خطوة خطيرة ربما تطال الكثيرين. بينما يري المحلل السياسي د. محمد المعتصم أحمد موسى ان فرح بعض انصار الحزب الحاكم لمقتل خليل لايمت الي تعاليم الدين الإسلامي والقيم السودانية بصلة، عاداً الامر فجوراً في الخصومة، وقال :اتفقنا او اختلفنا يظل خليل ابراهيم من الذين اهتموا بالشأن العام خلال العقد الاخير وكان له تأثير واضح علي مجريات الامور السياسية ، وقال ان الجميع مطالب بنبذ اسباب الاختلاف واعمال مبدأ ضبط النفس والحكمة وذلك للعبور با?سودان الي بر الامان . ويقول امام مسجد ببحري «رفض ذكر اسمه» ردا علي سؤالنا حول رأي الشرع في تأدية واجب العزاء»شرع الله لنا دينا سمحا حثنا علي مكارم الاخلاق والتكاتف والتعاضد عند الملمات خاصة الحزينة ، ورسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم حثنا علي اداء واجب العزاء الذي يعتبر سنة مؤكدة ويقول»ما من مؤمن يعزي اخاه في مصيبته الا كساه الله حلل الكرامة يوم القيامة، وقال ان الدين الإسلامي ينهي عن الاحتفال والفرح لموت مسلم مهما كانت درجة الخلاف معه والدين يحث علي ذكر محاسن الموتي ، معتبرا ان هذا دليل واضح علي حرمة الفرح لموت مسلم.