بغض النظر عن دسم الحديث العاطفى في تمجيد برام المنطقة التى تمثل حاكورة الهبانية، دعونا في حيادية نغوص في اعماق تضاريس رقعة جغرافية كانت تضم في حنية العديد من القبائل والجماعات التى تفاعلت في حميمية ودودة عاشتها المنطقة منذ القرن الخامس عشر وحتى مطلع التسعينيات من القرن الماضى، «بعدها كان غليان المنطقة ومازالت تمور» وهى خواتيم فترة العصر الذهبى لعهد الناظر على الغالى تاج الدين والد الناظر الحالى اللواء «م» صلاح على الغالى الذى جلس على الكرسى خليفة لوالدة الذى يحفظ له التأريخ بانه طرز لمجتمع الهبانية لوحة شرف بمداد من ذهب التاريخ الذى لا يصدأ ويكفيه شرفا باذخا بانه رحل عن الفانية في شموخ سلطانى وارض الكلكة فارس مدلل مدد ساقيه على رحاب العافية بعرض المساحة من تخوم افريقيا الوسطى غربا وحتى حدود التماس شرقا مع حكيم العرب والمرجع في الجودية «العمدة محمود خالد» عمدة الرزيقات النوايبة.. وطوال فترة امارته القابضة «الضمير راجع للناظر على الغالى» على الكلكة التى امتدت منذ الخمسينيات وحتى نهاية الثمانينيات لم يغش اهل المنطقة نعاس يكدر صفو عيشهم او خوف يقض مضاجعهم عدا بعض الابتلاءات الخاطفة التي تجىء في سياق حب العرب للفروسية وارتياد عالمها بشىء من التباهى والتفاخر كثقافة «جينية» هى جزء من حياتهم.. ويبدو أن استقرار الاوضاع العامة في السودان السمح آنذاك هو مصدر السعد في نشر العافية على جسد الوطن كله الذى عانى الامرين لاحقا، فتمزقت أوصاله وتبارت الخطوب في تشويه ملامحه والحاق الضرر به، لدرجة انه اصبح فريسة خلاء سهلة لضباع الكيد والفتن التى باتت تتسلل اليه عبر ثغرات نقص مناعته السياسية التى أنجبت تفكك الرابط القبلي الاجتماعي وتصدع جدار القيم الأخلاقية التى كانت تمثل خط الدفاع الاول عن وطن اسمه السودان يملك اهله رصيدا ضخما من القيم والنبل الفطرى جعلت منه علامة الجودة المميزة بين شعوب الدنيا، ولكن هيهات هيهات لا جن ولا سحرة بقادرين على ان يلحقوا أثره «سبحان الله».. وتحت تأثير الصدمة الكل يقف على جناح ذبابة ويجيل النظر ويحدق في ذهول وحسرة وكأن على رؤوسهم غطاء الغفلة، فالمشهد مربك ومؤلم لوطن نبكي ماضيه في أسى ولوعة ونواسي بعض بحروف لغة الطير التى لا نفهمها ونحن نتحدث بها، ولكن رغم ذلك نظل نكابر وشمس الوطن تسرع نحو الغروب وملامحه تأخذ لون الضياع. وقصدت بتلك الفذلكة البكائية ان تكون لوحة خلفية لسؤال منطقى وموضوعى موجه بالدرجة الاولى الى طهاة المطبخ السياسى المهرة المحترفين وغير المهرة المتسلقين، وبنفس القدر الى العلماء الاجلاء الباحثين في مجالات علم الانثروبولوجيا وعلم الاجتماع السياسى وعلم الجغرافيا الاقتصادية، وذلك لمدنا بتفسير منطقى لظاهرة تراجع دور أهل منطقة الكلكة في بلورة وصناعة أحداث التأريخ وهوانهم على صناع القرارفى السودان قبل وبعد الانفصال، مما جعل منهم محطة عبور «سندة»على مسار قطار الايام قومياً «الكعكة الاتحادية» وفى دارفور «الكعكة الولائية» في الفترة الممتدة من 1993 وحتى نهاية عام 2011م وقطارها يغادر متكئا على مرسوم دستورى حصدت فيه بعض قبائل دارفور كؤوس الرضاء من رئاسة الجمهورية، ومر شريط التشكيل الوزارى دون اشارة من قريب او بعيد لاهل منطقة برام الكلكة التى كان آخر عهدها بالوزارة الاتحادية في وزارة الدولة للعدل التى شغلها الاستاذ امين بنانى وغادرها مغضوبا عليه متورم الاجفان من لسعات دبابير الفساد التى دخل عشها، وحاول مواجهتها في تحد لمراكز القوى بمواجهة امبراطورية الفساد، فاصيب بطشاش الرؤية فضل الطريق الى دار المؤتمر الوطنى، واستقر بدار حزب العدالة تحت تأثير الانفعال من ظلم ذوى القربى الذين عاقبوه « بنانى» لقذفه لدور الحزب بحجارة النقد من خارج اسوار المؤسسية كما يدعون، ولحسن حظ بنانى انتصرت له نفرة اهله الهبانية التى قادها آنذاك نفر يتقدمهم الشهيد الغائب الحاضر تاج الدين الحلو الذى شكل رحيله خسوفاً للقمر عن تلك الديار التى سيبكيه اهلها حتى قيام الساعة حسرة على دوره المحورى في لعبة التوازنات السياسية للمنطقة التى منحها كثيراً من الالق والحضور السياسى ولائياً وقومياً، لما يتمتع به من قبول وقدرة مهارية فائقة على الاختراق وإحراز الاهداف السياسية في الوقت المناسب، وستظل خانته شاغرة بين اهل منطقته حتى اشعار آخر، وربما تنجب ارض الكلكة حلواً آخر والله أعلم. وزاد طعم حناجر اهل منطقة برام مرارة قرار تشكيل مكونات سلطة دارفور الصادر بمراسيم دستورية رئاسية على خلفية مشاورات مضنية مع الاخ سيسى وآخرين من حوله منحوا جل مقاعد السلطة للفور والرزيقات دون غيرهم من الناس، ونسوا أن دارفور سلة خضروات تضم توليفة من منتجات بستان ملقح بتقاوى الثراء والتنوع المحصولى، ويبدو ان الاخ سيسى ومستشاريه عملوا بنظرية أم التيمان التى ترضع الببكى وتهمل ذاك الصامت بحثا عن هدوء وراحة البال، ولكنهم نسوا أن قرصات الجوع يمكن ان تحرض التوم الصامت على الاحتجاج وربما بأسلوب غير البكاء قد يصل لدرجة قضم حلمة «الشطر» كاسلوب احتجاجى في حالة جفاف ضرع الام، وعليه تبدو مسألة توزيع حقائب سلطة دارفور في أمس الحاجة الى مراجعات عميقة، ومازالت خطوات المسير في بداية الطريق. ومنطقة برام تحاصرها المحن بفعل ما صنعت ايدي الناس وهم على ثلاثة مستويات، فناس السلطة الحاكمة ممثلة في اعلى مستوياتها مطلوب منهم التفاتة موضوعية معتبرة لانسان المنطقة تحول دون وصولهم لمرحلة اليأس، وهم الآن على الحافة، وعلى الدولة التخلي عن سياسة واسلوب أم التيمان بترضع الببكى، بمعنى ان سلامة الاختيار يجب أن تستوعب الجميع دون إقصاء ومحاباة، ويمكن توزيع الادوار بمنهجية مدروسة تحفظ للجميع حقهم وللوطن عافيته. ومن جهة اخرى على عاتق الاخ اللواء «م» صلاح الغالى ناظر عموم الهبانية تقع مسؤوليات جسيمة ومتمددة، على خلفية أنه يمثل رأس الرمح في القيادة الاهلية لانسان الكلكة الذى يتمتع بذكاء فطرى وتسكنه قدرات مهولة من المعرفة والفضول الكاسح في سبر غورها، ومن هنا على عاتق الناظر تقع مهام بسط الشورى بين أهله وتوحيد قبلتهم واستثمار طاقاتهم وترتيب اولوياتهم والتفرغ اليقظ لقيادتهم لسد الباب امام تفرق كلمة القوم التى يسعى البعض الى اضعافها عبر انشاء منابر المشاكسة وتغذية الفتنة الداخلية بالتفكير جهرا ونشر الاختلاف في وجهات النظر والتسويق له عبر الاعلانات الصحفية مدفوعة الاجر. ومن اوجب الواجبات ادارة الحوار بين الاهل عبر مؤسسات القبيلة التى يجب ان تستوعب الجميع من اهل المنطقة كلهم، بغض النظر عن الكيمان في اطار سياج من الوقار والاحترام يحفظ لكل فرد وزنه ودوره حسب قدراته وعطائه ومواقفه وحسن سيرته. ولنا اسوة حسنة في المثل البقول «موت الولد ولا خراب البلد». ولن نرضى ان يحفظ التأريخ للناظر صلاح الغالى سجلا اقل نصاعة من اولئك النفر من الرجال الذين صنعوا التاريخ ولم يصنعهم التاريخ. وبأعجل ما يمكن نرجو من الجميع وخاصة بمناطق الاشعاع الحضرى «وخاصة الخرطوم» الكف عن المهاترات، ونشر بذور المحبة والوحدة بدلا من الفرقة والكراهية التى تنسف جسر التواصل. وفى الجانب الآخر على الاهل العوام تقع مسؤولية توحيد الصف وتحديد حزمة الاهداف العليا للمنطقة التى تهون التضحية من اجلها، مع الكف عن المهاترات التى تربك القيادة الاهلية والشعبية، وتبدد جهود اهل البلد التى يجب توظيفها لاعادة ترتيب البيت الداخلى وشحذ الهمم للتأهب للانطلاق لتعويض الفاقد في غياب ابناء المنطقة عن مواقع القرار الاتحادية والولائية التى فقدوها لغياب كروت الضغط التى تولد من رحم توحيد الكلمة والصف، والدور الفاعل مطلوب لتعويض بناء اقتصاد المنطقة الذى دمرته الحرب المفروضة عليها، لدرجة أنها باتت «منطقة برام» مسرحاً لعمليات الحركات المسلحة التى جعلت من جنوببرام حديقة خلفية تزورها دون استئذان أو احترام لأحد، وانطلاقاً من هذه الجزئية التى تهدد مستقبل المنطقة وتاريخها، يجب أن تكون البداية الجادة بالجلوس والمناصحة من القاعدة إلى القمة، بمنطق الحرص على بناء حياة كريمة، والتقاعس مرفوض لأن قطار الزمن يمضى دون توقف وبلا انتظار، ولا بد من رؤية ثاقبة يهتدى بها للاجابة على حزمة اسئلة هى ليست للاجابة الفورية يا معشر مجتمع منطقة برام. ودمتم ودام الوطن موفور الكرامة. [email protected]