يقاس تقدم الدول في العالم وتطورها الحضاري من خلال قراءة مؤشرات انخفاض نسب وفيات الامهات والاطفال بها، حيث يعتبران النافذة التي تعكس واقع البلاد الصحي والاقتصادي والامني، وتشير الى استقرار الوضع العام، وذلك لأنها تعطي مؤشرات حقيقية لتقدم او تخلف الصحة في البلد المعني، وإن كانت التقارير الإحصائية الصادرة عن وزارة الصحة تشير الى حدوث انخفاض في نسب وفيات الاطفال الا ان مؤشرات الوضع الصحي بالبلاد مازالت مزعجة. وكان تقرير طبي سابق عن وفيات الاطفال قد اشار الى أن الأطفال الرضع والأطفال حديثي الولادة هم أكثر عرضة للوفاة، وأنه قد تم إحراز تقدم أقل بالنسبة لهاتين الفئتين العمريتين عن الأطفال دون سن الخامسة ككل، حيث تحدث أكثر من 40% من وفيات الأطفال دون سن الخامسة خلال الشهر الأول من العمر، وأكثر من 70% من الوفيات خلال السنة الأولى من العمر. وعلى الرغم من انخفاض معدل وفيات الأمهات والاطفال بالبلاد، إلا أن مختصين في مجال الصحة تحدثوا في مؤتمر صحفي للوزارة موضحين أن مؤشرات الوضع الصحي في السودان تجعل من الوضع الصحي أمراً مزعجاً، وطالبوا بتشكيل لجان على وجه السرعة لوضع معالجات فورية لمؤشرات الصحة المتدنية، وضرورة إنزال المعالجات إلى أرض الواقع. وهو حديث لم يذهب عنه أهل الاختصاص بعيدا حتى في مجال وفيات الامهات، ولكن التقارير تشير الى ان الوضع لازال حرجاً، وان التقدم يسير بوتيرة ضعيفة للغاية، خاصة نتائج مؤشرات المسح السوداني لصحة الاسرة التي اوردت معدلات وصفت بالمزعجة في ارتفاع معدلات وفيات الاطفال، حيث بلغت وفيات الأطفال دون سن الخامسة «78» حالة وفاة وسط كل ألف حالة ولادة حية، وبلغت معدلات وفيات الاطفال حديثي الولادة حسب نتائج المسح الثاني لصحة الاسرة الذي أجرته وزارة الصحة مع الجهاز المركزي للاحصاء السكاني وعرضت نتائجه في الأسبوع الأخير من شهر اغسطس الماضي بفندق السلام روتانا، بلغت 33 حالة وفاة وسط كل الف حالة ولادة حية. ونجد أن تقرير وزارة تنمية الموارد البشرية لعام 2010م قد رصد انخفاضا في نسب وفيات الاطفال حديثي الولادة، وان كانت وفيات الاطفال على المستوى الوطني تنخفض بوتيرة بطيئة حيث تناقص المعدل من 120 حالة وفاة بين كل ألف حالة ولادة حية في عام 1993م، الى مئة حالة بين كل ألف في عام 2008م، واظهرت المناطق المتأثرة بالنزاع نسب وفيات عالية مقارنة بغيرها. وكان مسؤول في السجل القومي لوفيات الأمهات والأطفال قد أرجع ارتفاع نسبة الوفيات إلى أن التحويل لا يتم في الوقت المناسب، مما يكون سبباً لوفاة 50% نتيجة وصولهم متأخرين الى دوائر الاختصاص. وفي تقارير المستشفيات الحكومية نجد أن الواقع يشير إلى أن هناك أمراضاً بعينها تحصد أرواح الاطفال، وارجع بعض الاطباء ذلك الى تردي الوضع الصحي وتأخير وصول الاحالات الى المستشفيات ذات الاختصاص، وكان مصدر طبي قد اشتكى ل «الصحافة» من حمى التسمم الدموي التي باتت تحصد ارواح الاطفال بمستشفاه، وأشار الى أن المستشفي اصبح يتعامل معها عن طريق المضادات الحيوية ذات المفعول الواسع التي تكلف كثيرا نسبة لارتفاع اسعارها . وبالنظر الى القضية بوجه عام نجد أن مصادر طبية كانت قد كشفت الشهر الماضي عن وجود عشرة امراض بعينها هي المسؤولة عن ارتفاع نسب وفيات الأطفال بالبلاد، حيث تمثل وحدها نسبة 73% من جملة وفيات الاطفال بالمستشفيات، جاء على رأسها مرض التسمم الدموي الذي يعد مسؤولا عن وفيات 18% من وفيات الاطفال، ويليه مرض نقص التغذية بنسبة 11%، والتهاب السحائي بنسبة 4%. واكدت مصادر طبية أن كلاً من نقص النمو الطبيعي وامراض الجهاز التنفسي تتسبب في الوفيات بنسبة 4%. وكشف تقرير خاص بالمستشفى اطلعت «الصحافة» على نسخة منه لشهر اغسطس من العام الماضي أن اكثر الاصابات ترددا بالمستشفى هي حالات الاسهالات والنزلات المعوية والاصابات والجروح والالتهابات الرئوية والحميات وفقر الدم «الانيمياء» وحالات التسمم الدموي، وابان ان هنالك «70» حالة وفاة من جملة «1217» طفلاً دخلوا المستشفى تعافى منهم 703 أطفال. وفي حديث سابق لي مع مدير مستشفى جعفر بن عوف البروفيسور يونس عبد الرحمن اسحاق، كان قد قال وقتها: إن المستشفي تعاني نسب الدخولات العالية، ولكن ذلك يرجع الى وجود وحدات تخصصية بالمستشفى لا توجد في غيرها من مستشفيات الاطفال عبر ستة تخصصات دقيقة في «الكلى، القلب، الجهاز الهضمي، الغدد الصماء، أمراض الدم، بالإضافة للوحدة الخاصة بحديثي الولادة». وذكر بروفيسور يونس أنه في الفترة الأخيرة برزت أعداد كبيرة من الحميات في الأطفال حديثي الولادة تندرج تحت مسمى التسمم الدموي، تحتاج الي المزيد من البحث ولا يكفي فقط علاجها باعتبارها امراض تسمم دموي. وقال إنها تصيب أعداداً كبيرة من الاطفال، وإن غالبية الحالات والاصابات تأتي من المستشفيات والمراكز الصحية الطرفية للعاصمة، هذا بالاضافة الى تحويلات الاطفال من «دار المايقوما». واضاف يونس أن هذه الحمى تسبب نسبة عالية من الوفيات. وقال مدير المستشفى في حديثه ل «الصحافة» إنهم بصدد إجراء بحث دقيق لمعرفة الميكروبات المسببة لحميات التسمم الدموي، ومعرفة المضادات الحيوية المناسبة والفعالة في علاجها، وذلك من أجل تقليل نسبة الوفيات ونسبة الهدر المالي الذي ينجم عن اعطاء مضادات حيوية ذات مفعول واسع وباهظة الثمن، واضاف: نعتقد أن هذا البحث يعول عليه كثيراً في تقليل نسبة الوفيات والصرف على هذا النوع من الميكروبات التي تسبب التسمم الدموي لدى الاطفال حديثي الولادة، ولكن يبدو أن أمر تلك الحميات اصبح ينتشر بشكل كبير جعلها السبب الاول في وفيات الاطفال بحسب تقارير الشهر الماضي، مما يتطلب ضرورة النظر في مسببات تلك الحمى وإيجاد علاج جذري لها.