احتفلت عموم قبائل الرشايدة بالسودان خلال الاسبوع المنصرم بمناسبة تجديد الثقة في زعيمها السياسي الدكتور مبروك مبارك سليم بتعيينه وزيرا للدولة بوزارة الثروة الحيوانية بعد انتقاله اليها من وزارة البيئة والغابات والتنمية العمرانية، وسبق ان تولي منصب وزير الدولة بوزارة النقل والطرق والجسور في أعقاب الاتفاق السياسي المبرم بين الحكومة السودانية والقوميات التي تشكّل «جبهة الشرق» في الربع الأخير من العام 2006م بأسمرا. وجرت مراسم الاحتفال هذه المرة ببادية ولاية نهر النيل التي تقاسم ولايات الشرق في استضافة قبائل الرشايدة أو الزبيدية وسط حضور كثيف من جماهير القبيلة من مختلف مناطق وجودهم ، وكان المهرجان علي الطريقة العربية - في الطرب والغناء والرقص بالسيوف أما النساء فاتخذن ركنا قصيا بزيهن المميز «عبارة عن لبسة البرقع المزركشة بألوان حمراء وسوداء وصفراء مرصعة بالصدف والاكسسوارات الفضية والذهبية». الاحتفال كان مؤشرا لمكانة ووضعية قبائل الرشايدة ببطونها وأفخاذها وفروعها المختلفة بعد الاعتراف الرسمي الذي نالته القبيلة كأحد استحقاقات اتفاق سلام الشرق لتتمكن القبيلة من الجلوس والاستراحة علي جملة من المكاسب «ذات الابعاد الاجتماعية - السياسية - الاقتصادية والعسكرية» الشئ الذي لم يكن متوفرا لها من قبل، فالمعروف ان قبائل الرشايدة رعوية وبدوية متنقلة وراحلة وليست لها أراضي تمتلكها لكنها ولأكثر من مائة عام - حيث مجيئها وافدة من بلاد الحجاز ونجد بشبه الجزيرة العربية - ظلت تتحرك مع ثروتها الحيوانية من سواحل البحر الاحمر مرورا ببورتسودان ودلتا طوكروكسلا والقضارف وحلفا وحتي سهول البطانة بشرق النيل الازرق ولا تجد الاعتراف كمكون اجتماعي بسبب انها مجموعات مهاجرة وغير مستقرة من جهة ولكونها كيانات منغلقة علي ذاتها لا تحتك ولا تتفاعل مع القبائل الاخري من جهة ثانية، واختارت لنفسها عزلة جعلتها بعيدة عما يجري في البلاد وظل ارتباطها بالقبائل العربية بالدول الاسلامية أكبر من ارتباطها الداخلي بقبائل السودان وانجذابها نحو دول الخليج حيث امتدادها بآصرة قديمة اذ تلتقي كل قبائل الرشايدة في نسبها بجد واحد مؤسس لقبيلة عبس المضرية العدنانية ، كما أن الرشايدة علي المستويات الاخري لم ينالوا حظا من التعليم ولم تتوفر لهم ظروف للتعرف علي الحياة المدنية والعصرية ومواكبة التطور حرصا علي تقاليدهم والحفاظ علي أعرافهم وعاداتهم من الاندثار والتلاشي أو ان تأتي عليها رياح العولمة .... والشاهد ان أول ظهور سياسي للقبيلة كان في العام 1986م بفوز زعيمهم السياسي الدكتور مبروك مبارك سليم بدائرة مستورة غربي مدينة كسلا عن الحزب الاتحادي الديمقراطي لمقاعد الجمعية التأسيسية وكان الرجل عضوا برلمانيا حتي قيام الانقاذ في العام 1989م حيث اختفي الرجل تماما عن الانظار ولم يلمع نجمه في الساحة السياسية الا بعد نشأة وتكوين «جيش وقوات الاسود الحرة» الجناح والذراع العسكري للقبيلة واتخاذه من مدينة تسني مركزا لانطلاقة نشاطه المسلح ضد الحكومة ليستقر بعد تجواله معارضا للنظام الحالي وزيرا لقرابة الست سنوات في ظل تسوية سياسية حجز فيها مقعد القبيلة التي انخرطت ودخلت بوابة العمل السياسي بطريقة أو قل بمعالجة غريبة علي الساحة السياسية، فالي وقت قريب كانت مشاركة القوي والاحزاب والمكونات السياسية وتقاسمها لكيكة السلطة تتم وفقا لحجمها ووزنها السياسي وثقلها الجماهيري ونفوذها الشعبي المستمد من شرعية قواعدها التي تتقدم لصناديق الاقتراع في ظل نظام ديمقراطي تعددي وليبرالي. أما في الوضع العسكري الشمولي فان غالب الحكومات التي تقصي الاحزاب السياسية وتناصبها العداء تستعين ببعض النخب والتكنوقراط والمثقفين بينما تكون القبيلة عبارة عن وعاء اجتماعي ولا يعبّر في بعض الاحوال عن توجه سياسي معين، لكن الانقاذ ابتدعت وابتدرت معالجات جديدة وموضة في استيعاب ومشاركة الاخرين ليس من خلال الاوزان السياسية ولكن من باب التوازنات القبلية أو استرضاء الجيوش المسلحة غير النظامية نتيجة لميزان القوة العسكرية أو جذب حركات مسلحة والوصول معها لاتفاق سلام يتم بموجبه دخولها لحلبة السياسة وشغل المناصب التنفيذية والسياسية كما هو الحال بالنسبة للجنوب ودارفور وكذا الشرق. غير ان حالة زعيم الاسود الحرة مبروك مبارك سليم تختلف تماما عمن سواه فولوجه للساحة السياسية جاء عبر بوابة التجارة - المهنة التي تتخذها بعض أفراد قبائل الرشايدة بالشرق كمورد ومصدر للثراء باستخدام تهريب السلع والبضائع والمؤن احيانا عن طريق سيارات اللاندكروزر والتاتشر أو بالسنابك العابرة للبحر الاحمر وحينما تمت محاصرة تجارة التهريب وقفل منافذها والتضييق علي من يمارسونها بمصادرة اساطيل العربات امتشقت القبيلة السلاح ولجأت للخيار العسكري للضغط علي الحكومة للاستجابة لمطالبها واستطاعت تسويق نفسها في دول الخليج العربي وليبيا ومصر واكتسبت عضوية التجمع الوطني الديمقراطي ثم لاحقا كجزء رئيس في جبهة الشرق مع قبائل البني عامر والهدندوة والامرأر وغيرها من كيانات شرق البلاد ثم عادت القبيلة في معادلة ولعبة كراسي الحكم بمستحقات كفلت لها وجودا علي المستوي الاتحادي ممثلا في الدكتور مبروك مبارك سليم وبعض المقاعد البرلمانية كنواب في المجالس التشريعية لولايات الشرق وعدد من المواقع الدستورية بكسلا والبحر الاحمر حيث شغل محمد صالح عابد منصب وزير الصحة ونائب الوالي بولاية كسلا صالح صلوحة كمستشار لحكومة البحر الاحمر ومحمد الحافظ معتمدا بالرئاسة بولاية كسلا ومنحهم محلية كاملة لهم ضمن محليات كسلا- غرب القاش - بينما تم استيعاب بعض شباب الرشايدة في صندوق اعمار الشرق وسبق ذلك اتجاه الرشايدة لخلق وضعية جديدة يتم من خلالها المشاركة في رسم الخارطة السياسية السودانية بعقد مؤتمر تأسيسي عالمي لكل قبائل الرشايدة بدول العالم العربي والاسلامي بكسلا في ديسمبر 2009م وبحضور أكثر من 60 من زعامات الرشايدة بتلك البلدان بمباردة من منظمة بني عبس العالمية « الكيان الجامع للقبائل العدنانية » .... وقطعا فان الرشايدة وجدت وضعية متقدمة لحد كبير علي غيرها من مثيلاتها في بقية دول الوطن العربي وها هي الدولة مرة أخري تقدّم مبروك مبارك سليم وزيرا بحكومة القاعدة العريضة وتحتفل القبيلة بابنها الوزير متربعا في منصب الرجل الثاني لوزارة الثروة الحيوانية ليعبر بوابة السياسة من غير تعرفة جمركية ... !!