بعد أن أمدتهم بالسلاح عرضت الحكومة في الخرطوم على المجلس الانتقالي الليبي إعادة دمج العشرات من المليشيات الليبية المسلحة وبناء جيش واحد يضم بين طياته فئات المقاتلين من ثوار ليبيا ، والحكومة السودانية إذ تتقدم بذلك العرض فلأنها تمتلك الخبرة الكافية في دمج المتمردين في جيش وطني وفق تصريحات الرئيس عمر البشير من العاصمة الليبية طرابلس قبل ثلاثة ايام و التي زارها للمرة الأولى بعد زوال نظام القذافي . لكن لغة الترحاب والإمتنان التي إستخدمها رئيس المجلس الانتقالي الليبي أثناء إستقباله الضيف الكبير الزائر لم تثنه من قبل عن رفض عرض رئاسي آخر طرحه الرئيس البشير على الحكومة الليبية الجديدة عندما تقدم بمقترح مساعدة القوات السودانية في حماية الحدود الجنوبية الليبية خلال الحرب التي أنهت حكم معمر القذافي . ويتزامن العرض الحكومي الرامي الى لم شتات الثوار داخل بوتقة واحدة مع إستمرار الصعوبات التي تواجهها السلطات الليبية الجديدة في فرض الأمن في البلاد،وسط موجه من التعنت تجتاح الثوار في معظم أنحاء ليبيا لا سيما تلك الجهات التي شهدت ميلاد ثورة السابع عشر من فبراير - الشرق الليبي- حيث رفضوا تسليم أسلحتهم الى السلطات المختصة ما أدى الى نشوء وضع أمني رخو أدى في بعض الأحيان الى نشوب عمليات قتل بين الثوار أنفسهم . فيما تنشط في ليبيا ما بعد القذافي مخابرات من دول شتى ، وهو ما دفع رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل للتحذير من مخاطر حرب أهلية، كما دفعه أيضًا للاعتراف بالعجز عن كبح جماح المليشيات المسلحة في البلاد ، وحسب تأكيدات منشورة لرئيس الحكومة السابق جبريل محمود فثمة وجود لعملاء من مخابرات كل دول العالم تعمل داخل الصعيد الليبي، بينما تستمر الصعوبات التي تواجه السلطات الليبية الجديدة في فرض الأمن في البلاد، مشيرًا إلى التذمر المتزايد في أوساط جنود الجيش الليبي على إثر تأخر في تلقي الرواتب .ولم يستبعد جبريل وجود ذوي القبعات الزرق في حال لم يُسارع المجلس الانتقالي لبناء جيش وطني وإصدار وثائق تنظم المرحلة الانتقالية، خاصة أن جميع مخابرات دول العالم تعمل فوق الأراضي الليبية .ويأتي المسعى السوداني من باب حرصه على وحدة ليبيا ولم شمل الصف الليبي في مواجهة التحديات الراهنة . وحتى يدخل الإطمئنان في نفوس القيادة الليبية فقد كان ضمن العرض الحكومي الخاص بإنشاء جيش وطني ليبي يضم عناصر الثورة الليبية التذكير بأن للسودان تجارب سابقة و خبرة في دمج المتمردين في جيش وطني واحد . في الوقت الذي يُشكك فيه متابعون بنجاح المسعى الحكومي خاصة إذا ارتكز على تجاربه السابقة مع مليشات متمردة، والشاهد على ذلك أن من أبرز مسببات عمليات الإقتتال الدائرة الآن في النيل الأزرق هو التلكؤ في إنفاذ عمليات دمج المقاتلين في الجيش السوداني وهو أيضاً أحد أهم الأسباب التي عجلت بعودة رئيس حركة تحرير السودان مناوي بالعودة الى مربع التمرد مرةً أخرى بعد التعثر في إنفاذ بند الترتيبات الأمنية مع الجانب الحكومي ، كما أن تململ معارضي اتفاق شرق السودان مرده الى تأخر عمليات دمج مقاتلي الشرق على الرغم من مرور نحو ستة أعوام على إتفاقية شرق السودان . فيما يمضي مصدر حكومي فضّل عدم الكشف عن هويته الى إتجاه آخر مؤكداً أن المؤسسة العسكرية السودانية تمتلك من الخبرات ما يمكنها من الإضطلاع بهذا الدور تجاه لم شتات ثوار ليبيا وقال المصدر ل( الصحافة ) « الخبرة العسكرية السودانية مطلوبة لإعادة دمج وتنظيم القوات الليبية ، والخبير السوداني مرغوب لدى السلطات الليبية أكثر من خبراء آخرين خاصة في المحيط الاقليمي « وزاد قائلاً « السلطات الليبية أعطت الحكومة السودانية حق المساهمة في اختيار الخبراء الأجانب « وأضاف ذات المصدر أن الإرادة السياسية مهمة في الحالة الليبية ، وأن الثوار حريصون على أن تتم عملية الدمج بحيث لا تولد غبناً لحاملي السلاح « ولم ينفِ وجود سلبيات صاحبت تطبيق تجارب الحكومة مع الحركات المتمردة في عملية الدمج وإعادة التسريح لكنه إعتبر التجربة مهمة في حالة ثوار ليبيا ولابد من الاستفادة منها لتلافي مخاطر ما يمكن ان ينجم عن استمرار الاوضاع الحالية في ليبيا. في المقابل فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية بصدد تقديم عرض آخر لمكافحة غضبة الثوار القابضين على الزناد وذلك بدراستها مع ليبيا خطة تقضي بتوفير برنامج مخصص لشراء الأسلحة، وتحديداً الصواريخ المحمولة المضادة للطائرات، من المجموعات المسلحة التي وضعت يدها عليها خلال المواجهات مع نظام العقيد معمر القذافي طوال الأشهر الماضية وأشارت مصادر من الداخل الأمريكي إلى أن الخطة تندرج في إطار حرص الولاياتالمتحدة على جمع أكبر كمية ممكنة من هذه الأسلحة وتأمينها، خشية أن يصار إلى بيعها في السوق السوداء، ما قد يفتح الباب أمام تهديد الأمن الملاحي في حال وصولها إلى تنظيمات متشددة مثل القاعدة . ولمزيد من درء تفلتات الثوار الليبيين عين رئيس المجلس الإنتقالي أحد المقاتلين ضمن صفوف الثوار في مؤشر على بدء التحرك لبناء جيش ليبي جديد ، فيما يذهب محللون الى أن المجلس الانتقالي يبحث عن شخصية عسكرية محنكة لاجتياز المصاعب و»جسر الهوة» بين المجموعات المسلحة المختلفة، في الوقت الذي شهد فيه الاسبوع الماضي مواجهات مسلحة بين مليشيات متنافسة في طرابلس أدى الى قتل أربعة مقاتلين مما يؤكد حجم التحديات التي تواجه الحكومة الليبية الجديدة في السيطرة على الجماعات المسلحة التي أطاحت بالقذافي . ورغم ان العرض الحكومي السوداني يعد مغريا للقيادات الليبية في ظل الظروف الحالية، فإنه ايضا يمثل للخرطوم اهمية بالغة، بحسبان ان التاريخ القديم والقريب اثبت ان امن السودان القومي يبدأ من ليبيا.