* بعيداً عن المكايدات السياسية.. أو الغيرة التنظيمية.. أو الشماتة الحزبية.. أو المؤامرات الداخلية والخارجية.. وبغض النظر عن «صحة نسبة» المذكرة التي نشرتها صحيفة الإنتباهة الغراء إلى الحركة الإسلامية السودانية أو بعض أعضائها والذين هم بالضرورة أعضاء بالمؤتمر الوطني.. وبغير تدقيق في أسماء من مهروا الوثيقة بتوقيعاتهم ومواقعهم في درجات السلم التنظيمي أو أهليتهم وصلاحياتهم في مخاطبة القيادة العليا للحزب الحاكم.. وعمَّا إذا كانوا جماعة أو فرداً واحداً يكتفي بكونه مسلم وسوداني وبالغ رجلا كان أو امرأة.. «إن شاء الله تكون هالة عبد الحليم - حتى»، فان ما ورد في نص المذكرة من «مراجعات» يستحق الوقوف عنده.. بل والاحتفاء به.. حتى وإن لم يبلغ مسامع الدكتور مندور المهدي نائب رئيس المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم لأن المذكرة «ببساطة» معنونة للسادة»: البشير.. وعلي عثمان.. والحاج آدم..ونافع.. وأحمد إبراهيم الطاهر.. وإبراهيم أحمد عمر.. وغازي صلاح الدين.. دون سواهم». * وكغيري من المتابعين والمهتمين بالشأن العام قرأت ما كُتب عن «مذكرة» في طور الإعداد لتصحيح مسار الإنقاذ وقد شبهها البعض بمذكرة العشرة.. أو بمذكرة الجيش في عهد حكومة السيد الصادق.. أو بغيرها من المذكرات الكثيرة الشهيرة أو السرية.. وعندما قرأت «النص» الذي انفردت بنشره «الإنتباهة» الغراء وبصرف النظر عن كونه مجرد مسودة أو صياغة نهائية فانني لا أعتقد بأن القادة الذين وُجهت اليهم المذكرة سيستغشوا ثيابهم حيالها. ويصروا على تجاهلها.. ويستكبروا استكبارا. لأن الحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أولى الناس بها.. ولأن المسلمين تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم.. ولربما أصابت امرأة وأخطأ عمر.. ولأنه لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها «اتق الله يا عمر».. ولأن التواثق جاء بقاعدة «وُلّيت عليكم ولست بخيركم فان رأيتم مني خيراً فأعينوني.. وإن رأيتم غير ذلك فقوّموني.. ولأن المولى عزَّ وجل قد قال: «وشاورهم في الأمر» ولندع تفسير المفسرين وجدل المتجادلين عن الشورى أهي ملزمة أم مُعْلِمه؟ فمتى كان التفسير يكتسب قدسية النص؟. * إذن هناك مذكرة تتصدرها الآية الكريمة «واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب» وتدخل في مقدمتها بفذلكة تاريخية منذ سقوط الدولة الإسلامية في تركيا وطغيان العلمانية وشدة وطأة أوروبا المسيحية على العالم الإسلامي ودرب النضال الطويل في التحرر من ربقة الاستعمار واستعادة الهوية المستلبة والإنعتاق من العنت والإبتلاء.. إلى ريادة الحركة الإسلامية السودانية بكسبها وتجربتها الجريئة المقتحمة بانزال قيم الدين من النظرية الى التطبيق حتى أصبحت واقعاً يراه الناس يمشي على رجلين.. وهادياً لكثير من دول العالم الإسلامي. وتمضي المذكرة فتفرد بابها الأول «للإيجابيات والمكاسب» وتعددها في ست فقرات يتصدرها تسلم السلطة في يونيو 89 وتصفه بأنه اجتهاد مبروك.. وتقرظ التجرد والتضحية والقدوة والجدية والكفاءة التي اتسمت بها القيادة والقاعدة مما أكسبها ثقة المواطن وصبره وحماسه لبرامج الثورة.. والاشادة بالنهضة الاقتصادية غير المسبوقة وإرساء البنى التحتية بشهادة الشارع السوداني.. والتصدي للتمرد وإفشال مخططه في تجربة جهادية متميزة قدّم في سبيلها قرابة عشرة آلاف شهيد من المجاهدين والمتطوعين أرواحهم غير ما قدمه النظاميون - الاشارة إلى تأهيل القوات المسلحة وتطويرها بالتدريب والصناعات الحربية واستيعاب الشباب والأسلحة المتطورة حيث شكلت رصيداً دفاعياً.. حق لنا أن نفاخر به.. وأخيراً تحقيق السلام ومعالجة جذور مشكلة الجنوب بعد ستين عاما من الاحتراب مما يعد حسنة تحسب «للإنقاذ» فكرياً وسياسياً «لا عليها» كأن يعتبرها البعض «سُبة» قادت لانقسام البلاد. * وفي بابها الثاني والذي جعلت المذكرة عنوانه «السلبيات والاخفاقات» وبدون اسهاب في التفاصيل أوردت المذكرة أحد عشر بنداً بدأتها بالانشقاق «والمفاصلة» وما تبعها من أحداث وملاحقات وملاسنات ذهبت ببريق الانجازات.. التعامل بروح الوصاية والاقصاء للآخر.. سيادة العقلية الأمنية حتى بدت صورة الدولة وكأنها بلا فكرة أو مشروع إنساني حضاري تقنع به الناس.. التناقض الذي لازم خطوات الإنقاذ وخطابها بين شمولية قابضة إلى حريات وتعددية حزبية وما بين تحريم تداول العملة الحرة إلى تحرير اقتصادي كامل.. إلى العمل السياسي رزق اليوم باليوم والاستجابة للضغوط تشبثاً بالسلطة إلى سقوط البعض في فتنة المال.. انعدام الحسم في قضايا الفساد حتى أضحت حديث الناس لا تجد من يدحضها وفي ذلك ضعف اخلاقي وفكري سيؤدي الى هزيمة سياسية.. عدم معالجة إفرازات التحرير الاقتصادي بالقدر الكافي من البرامج لتخفيف آثارها على الفقراء.. ثورة التعليم العالي برغم مكاسبها تحتاج إلى ترتيب أوضاع العطالة وضعف الخريج في كثير من الكليات.. الفشل في محاربة بعض الظواهر الموروثة مثل المحسوبية والرشوة.. ظهور النعرات القبلية والجهوية بصورة مزعجة.. الأخطاء المصاحبة لقضية دارفور بسبب قلة الترتيب والتسرع مما أدخل البلاد في مشاكل كبيرة كان من الممكن تفاديها.. * وتخلص المذكرة إلى تقديم رؤية تعين على مواصلة المسير بفعالية وتعهد إلى المؤتمر الوطني «الحزب الحاكم» لتنفيذها وتختصر المذكرة برنامجها في نقطتين لا ثالث لهما الأولى التحقق من شبهات الفساد وحسمها.. والثانية تحقيق العدالة الإجتماعية والسياسية الشاملة.. وتمضي التفاصيل لبرنامج الإصلاح من مواصلة تطبيق الشريعة بلا تردد.. إلى خلق آلية للنظر في قضايا الفساد.. إلى انجاح التحول السياسي وتحكيم المواطن من خلال الانتخابات.. بعد وضع دستور دائم.. واستقلال تام للقضاء.. وتحييد أجهزة الدولة التنفيذية وعدم إقحامها في الصراع السياسي.. فك الارتباط العضوي بين أجهزة المؤتمر الوطني وأجهزة الدولة.. تقوية العمل الحزبي لامتصاص القبليات والجهويات.. الاجتهاد في وضع برامج مكثفة للشباب والطلاب في المجالات الفكرية والسياسية والتربوية.. التنسيق مع الكيانات الاسلامية في الساحة السياسية.. نعمل معاً على ما اتفقنا عليه.. ونعذر بعضنا فيما اختلفنا فيه».. سلاسة التداول في المناصب بلا احتكار.. منع شاغلي المناصب الدستورية ورجالات الدولة من العمل التجاري.. تنشيط وتقوية القضاء الإداري.. محاربة المحسوبية.. تقوية الشعور ورفع الحس الوطني تجاه التعدي على المال العام.. استحداث مكتب للحسبة داخل المكاتب التنظيمية مع احترام الحريات الشخصية. * ولما لم يكن لي «فضل أو سبق» في هذه الدعوة المخلصة التي يقبلها الوجدان السليم.. فان فاتتني المشاركة فأرجو أن لا يفوتني التأمين على الدعاء الذي ختمت به المذكرة: «اللهم إنك تعلم ان هذه القلوب قد اجتمعت على محبتك.. والتقت على طاعتك.. وتوحدت على دعوتك.. وتعاهدت على نصرة شريعتك.. فوثق اللهم رابطتها.. وأدِمْ ودَّها.. واهدها سُبلها.. واملأها بنورك الذي لا يخبو.. واشرح صدورها بفيض الإيمان بك.. وجميل التوكل عليك.. واحيها بمعرفتك.. وأمِتْها على الشهادة في سبيلك.. إنك نعم المولى ونعم النصير».. قولوا آمين.. وهذا هو المفروض.