بدأ وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو بالامس زيارة للخرطوم فى نهاية جولة فى دول حوض النيل انتهت بجوبا عاصمة دول جنوب السودان، وتهدف الجولة فى المقام الاول بحسب الحكومة المصرية، الى تدعيم العلاقات السياسية والاقتصادية مع دول الحوض. ومن المنتظر أن يكون وزير الخارجية المصري اجرى قبيل وصوله الخرطوم مباحثات في جوبا مع القادة فى الجنوب، تناولت عددا من الملفات من بينها بحث إنشاء لجنة مشتركة للتعاون الثنائي بين مصر وجنوب السودان يناط بها مهمة متابعة وتنسيق أنشطة التعاون الثنائي بين البلدين، ومقترح مصري اخر يتعلق بتدشين «آلية دورية للتشاور السياسي بين وزارتي الخارجية فى البلدين، لتنسيق مواقفهما إزاء القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك». فضلا عن « تذليل قلق وهواجس لدي الجنوبيين تزايدت علي خلفية الصعود الذي تحقق للإسلاميين خلال الانتخابات التشريعية واقترابهم من مقاليد الحكم في مصر» وذلك بالتزامن مع «وجود نظام حكم بالخرطوم يرفع راية إسلامية بجانب المد لنفس التيار في ليبيا المجاورة لمصر». والاجندة المطروحة عاليه لزيارة محمد عمرو لجوبا اماطت اللثام عنها، بالامس، وزارة الاعلام المصرية عبر بوابتها الرسمية في الانترنت. الا ان زيارة عمرو الي الخرطوم كانت قد سبقتها تكهنات بان القاهرة ستعمل على تقديم وساطة بين الخرطوموجوبا بشأن القضايا العالقة مع الجنوبيين، ووقف التصعيدات بين شمال وجنوب السودان، والذي بلغ اوجه بتجديد الخرطوم امس لشكواها الجنوب في مجلس الامن بسبب ما تراه دعما واحتضانا منها لحركات دارفور المسلحة، وعلى رأسها العدل والمساواة، وتقديم جوبا لشكوى في مواجهتها للامم المتحدة. فقد أعلن مندوب السودان لدى الاممالمتحدة دفع الله الحاج ان حكومة بلاده جددت مطالبتها لمجلس الامن بتسريع النظر في الشكوى التي قدمتها ضد دولة جنوب السودان في 29 ديسمبر الماضي. وأشار مندوب السودان لدى الاممالمتحدة دفع الله الحاج الى ان هذه الشكوى تضمنت معلومات موثقة حول احتضان جوبا لارتال من قوات حركة «العدل والمساواة» التى عبرت الحدود الدولية على متن 79 عربة دفع رباعي مسلحة بها أكثر من 350 من عناصر الحركة الى داخل دولة الجنوب. فيما ارتكز القيادي في الحركة الشعبية بدولة جنوب السودان لوكا بيونق، بحسب تصريحات للصحافة بالامس، في الشكوى الرسمية المضادة ضد حكومة السودان، لدى جهات بالاممالمتحدة، على وقوع انتهاكات بمنطقة أبيي وخرق الحكومة السودانية لبروتكول المنطقة. ورغم ان السفير رجائى نصر نائب مساعد وزير الخارجية لشئون السودان أكد بالامس في القاهرة أن الزيارة قد تتطرق الى الوساطة بين الخرطوموجوبا بطلب من البلدين لما لمصر من مكانة لدى السودان وجنوب السودان، فان المبادرة المصرية تظل امرا مشكوكا في نجاحه، في ظل التعقيدات التي تسم علاقة القاهرة نفسها بالخرطوموجوبا في هذه المرحلة الانتقالية التي تعيشها مصر. فالعلاقة بين مصر وجوبا، في ظل النظام السابق ، كانت ترتكز على تدعيم النفوذ المصري في الدولة الجديدة، خوفا من تغلغل عدوتها اللدودة اسرائيل في الجنوب، وعبثها بملف مياه النيل، عبر تنفيذ عدد من المشروعات الحيوية الضخمة، ومنها محطات التوليد الكهربائي والمدارس والجامعات المصرية، مع تقديم كل انواع الدعم في مجال التدريب وتنمية القدرات البشرية، في المجالات المدنية والامنية والعسكرية، وهو ما يتسق مع اعلان مصر كاول دولة عربية، تدشن سفارة فى جوبا. فيما يظل ملف مثلث حلايب المحتل، مصدرا دائما لوضع القيود حول هذه العلاقة وانطلاقها، وهذا بالرغم من انتهاج الخرطوم لسياسة التهدئة وتسكين الأزمة مرحليا، مع التأكيد على حرصها على الحلول الثنائية، وهي السياسة التي عبرت عنها بجلاء، قبيل وصول الضيف المصري، تصريحات للحزب الحاكم جدد فيها «ايمانه بسودانية المثلث المحتل»، ومشيرا الى ان «الظرف والوقت غير مناسبين لادارة حوار حول المنطقة». واضاف الحزب الحاكم في الخرطوم على لسان د. محمد مندور المهدي بالامس «ان نظام الحكم في مصر لم يستقر بعد، لذلك الوقت والظرف غير مناسبين لطرح قضية حلايب». وتصريحات د. مندور تؤكد ان الاطراف المختلفة في شمال الواديوجنوبه تعي انتقالية هذه المرحلة في العلاقات بينها، مما يبرر حرصها على تجميد كل الملفات الشائكة، لحين اتضاح سياسات الحكومة القادمة في ارض الكنانة. ومما يدعم من ذلك ان الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير العبيد أحمد مروح قال في تصريحات استباقية لوصول الوفد الدبلوماسي المصري، «بعد ان اكد على عمق العلاقات التي تربط بين السودان ومصر»، إن زيارة السيد محمد كامل عمرو تأتي في إطار «استكمال ما توصل إليه البلدان من اتفاقيات، خاصة فيما يتعلّق بالحريات الأربع، بجانب تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين». وأوضح مروح في تصريحات بالامس أن الجانبين سيبحثان عدداً من القضايا تشمل تعزيز العلاقات خاصة «استكمال مشروع البنى التحتية في مجال الطرق»، لافتاً إلى أن هناك أكثر من «ثلاثة طرق تربط بين البلدين»، وبحث سبل تسريع خطواتها فيما يتعلق بتسهيل حركة الإنتاج والتجارة بها من نقاط للجمارك والشرطة. علاوة على ان الحكومة السودانية بحسب خارجيتها، قد قالت نهاية الاسبوع الماضي، انها لم تطلب صراحة من القاهرة التوسط بين الطرفين، وهو ما فسرته مصادر اعلامية تابعت زيارة كرتي الاخيره للقاهرة، بان وزير الحارجية السودانية قد طلب من مصر «تبصير جوبا بعواقب تحركاتها الاقليمية الاخيرة، وتعريفها بمدى ضررها انيا ومستقبليا على المصالح المشتركة بين السودان ومصر ودولة الجنوب. وقدمت الخارجية المصرية من جانبها مزيدا من التوضيحات، حول اسباب الزيارة الحقيقية، حيث اشار نائب مساعد وزير الخارجية لشئون السودان للصحفيين في القاهرة بأن وزير الخارجية يستهدف في الخرطوم زيادة التبادل التجارى بين الدولتين، موضحا ان الصادرات المصرية للسودان تبلغ «600» مليون دولار، وان الورادات المصرية من الخرطوم في المقابل تبلغ حوالى «40» مليون دولار، أى ان الميزان التجارى بين مصر والخرطوم يميل حتى في مثل هذه الظروف الى الجانب المصرى. وأضاف نصر: تهدف مصر خلال المرحلة القادمة الى زيادة صادراتها للخرطوم لتبلغ مليار دولار. وقال نائب مساعد وزير الخارجية لشئون السودان حول اتفاق الحريات الاربع، الذي تشتكي الخرطوم من عدم تطبيقه بالكامل من القاهرة، ان الاتفاق» سارى بالفعل بين البلدين ويضم حريات التنقل، والتملك، والعمل والإقامة»، واضاف نصر» فالمصريون يدخلون السودان بدون تأشيرة ، والسودانيون حاليا يحصلون على تأشيرة مسبقة قبل الدخول لمصر، وسيتم بحث هذه المسألة بين البلدين، غير ان هناك تسهيلات فى بعض الفئات العمرية». ورغم ان الوزير المصري في حكومة د. كمال الجنزوري الانتقالية، يؤدي دوره في اطار تصريف اعمال الخارجية، لحين التوافق على التشكيل الحكومي الجديد، من قبل القوى السياسية الفائزة في الانتخابات التشريعية الاخيرة فى مصر، فان توجهاته نحو السودان، كما يبدو، لاتخرج عن اطار السياسات المتبعة من لدن الحكومات السابقة، ومنها حكومتا الفريق أحمد شفيق، والدكتور عصام شرف، وهو ما يشير الى ان مخرجات هذه الزيارة قد لا تخطئ المسار الذي تتبعه الخرطوم ايضا ازاء القضايا المشتركة بين الجانبين، منذ سقوط نظام الرئيس حسني مبارك. الا ان تسارع التطورات في الجوار، قد يضع البلدين امام معطيات مستقبلية، يصعب التعامل معها.