عندما يفكر أحد في بلاد النوبة فإن أول ما يخطر على باله هو أشجار النخيل، فكانت هنالك علاقة حميمية بين النخيل والإنسان، فهم يعتبرونه أعز ما يملكون، وأقيم هبات الطبيعة وعماد اقتصادهم المحلي، وأيضاً يعتبرونه مصدراً مضموناً للنقود، كما يعتبرونه المصدر الوحيد للثروة، وكانوا يتفاخرون به، وفي صحراء النوبة لا تنمو شجرة غير النخلة، فهم ينظرون إليها بعاطفة من الحب تطابق أحاسيسهم، فيرعون الشتول ويسقونها بانتظام، فهي أحد الأصناف الاقتصادية لأنها تعطي ثماراً بجهد قليل جداً. وقد زرع النوبيون في وادي حلفا أنوعاً معينة من أشجار النخيل وهي «البتمودة، القنديلية، البركاوي، الجاو» فكان تلقيح النخيل يقوم به خبراء محليون، وهم أنفسهم يقومون بقطع سبائط التمر. ويعتبر موسم الحصاد من أكبر المواسم التي يحتفلون بها في بلاد النوبة، فيخرج الجميع إلى البساتين، فالنساء ينزعن الثمار من السبائط ثم يقمن بجمعها في السلال والأطباق، بينما يقوم الرجال بتعبئة الجوالات بالمحصول، وفي أواخر النهار يعودون إلى منازلهم في حبور، فكان المحصول يباع في سوق وادي حلفا وفي أسواق مصر أيضاً. فالنخلة بلغت من التأثير في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في بلاد النوبة شأواً كبيراً، ونفعها كان متنوعاً، وقد تم بيعها بسعر جيد، ووجودها يعد تأميناً اقتصادياً، وفوق ذلك كانت توهب في مناسبات الزواج، ويؤكل البلح رطباً ويقدم للضيوف، ويباع للحصول على النقود، ويصنعون منه المربى والخل والكيك وشراب رمضان، ويجعلون التمر التالف علفاً للبهائم، ومن سعف النخيل يفتل النوبيون الحبال ويصنعون أطباق السعف والبروش وليف الاستحمام، وليف تنظيف الأواني، ومن الجريد يسقفون بيوتهم وينسجون عناقريبهم، ويصنعون أقفاص الفاكهة والخضروات، كما يصنعون منه الكراسي والمناضد. الجدير بالذكر أنه يستخدم في زينة المناسبات وعناقريب الجنائز الأنثوية، أما جريد الشجرة الفتية فيقطع ويدق لتصنع منه حبال دولاب الساقية «الألس» وبروش السقف وحواجز الريح. ولساق النخيل استخدامات عديدة في أجزاء الساقية وأخشاب السقف وعتب الأبواب والنوافذ. ومن سعف الجريد المحزوم يصنعون المكانس والأطباق، ومن ليف الساق يفتلون الحبال التي يربطون بها الحيوانات.