لقد اطلعت على مقال الأستاذ محمد الشيخ حسين المنشور في عدد «الصحافة» رقم 6625 بتاريخ 8 يناير 2012م الموافق 14 صفر 1433ه والذي لخص فيه بامتياز دليل إبراهيم لعام 2011م وسأحاول في السطور التالية تلخيص المقال من وجهة نظر قارئ عادي، ثم أحاول كذلك التعليق على محتويات هذا المقال. صدر الدليل في شهر نوفمبر من العام الماضي 2011م عن مؤسسة مو إبراهيم، وهي منظمة تدعم وتساند الحكم الجيد والقيادة الرشيدة في أفريقيا. والدليل قدم تقييماً شاملاً لأداء الحكم في كل دول أفريقيا خلال عام 2011م، ناقش فيه: حكم القانون والسلامة، حقوق الإنسان والمشاركة، التنمية الاقتصادية المستدامة، التنمية البشرية، والغرض من الدليل هو انتشال ملايين الأفارقة من الفقر، إذ لا يمكن تحقيق ذلك بدون الحكم الرشيد. ولكن هنالك سؤال جوهري يطرح نفسه إذا كانت فئات الحكم الأربعة السابق ذكرها قد تحققت بدرجة كبيرة مما أعطى بعض الدول مركزاً متقدماً في هذا التقييم، فكيف نفسر ثورة الشعب في الدولتين العربيتين الوحيدتين في قائمة الدول العشر الأول وهما تونس «رقم 9» ومصر «رقم 10»، وإذا كانت بيانات التقييم خاصة بعام 2010م وحدثت الثورتان في مطلع عام 2011م، ليس ذلك فقط بل أن هاتين الدولتين قد حققتا نهجاً متوازناً في كل أبعاد الحكم، وبالتالي حققتا أعلى درجات النجاح! ويمكن للبعض أن يقول إن تحسين مستوى الفرص الاقتصادية المستدامة والتنمية البشرية ليسا في أهمية فئات الحكم الأخرى مثل حكم القانون والمشاركة وحقوق الإنسان، وعليه فإنني أعتقد أن الدليل يجب أن يغلب الإنجاز في تطور أسلوب الحكم الديمقراطي، وحكم القانون وحقوق الإنسان على التنمية بشقيها الاقتصادي والبشري في البلد المعين الذي يُراد تقييمه، ولكن من ناحية أخرى إذا طبقنا هذا المفهوم فإن دولاً عدة جاء ذكرها في قائمة الدول العشر الأول قد لا ترتقي إلى مستويات عليا في ما يخص أسلوب حكمها الديمقراطي وحكم القانون والمراعاة الكاملة لحقوق الإنسان «مصر مثالاً». وإذا كانت نتائج البحث على امتداد السنوات الخمس الماضية تبين وجود اختلافات واسعة في الأداء في الدول الأفريقية وإن خمس دول فقط ظلت هي الأعلى طوال هذه المدة، فلماذا لا نغير نقاط البحث أو يضاف إليها أو تحور حتى نحصل على نتائج أكثر واقعية، لأن خمس دول فقط أي 1: 11 من كل من الدول الأفريقية هي التي تحصل دائماً على أعلى النتائج. وإذا كان الدكتور محمد فتحي «مو إبراهيم» يظن أن شبابنا «الأفريقي» يطالبون بنهج متكامل ومنصف ومستوعب للجميع، فإنني أذكره بأن شباب السودان لا يؤمن بذلك لأنهم يريدون أن يرثوا الحكم بعد غياب قيادتهم الحاكمة الآن في السودان، وأوافقه بأن العجز الديمقراطي هو العقبة الكؤود أمام الحكم الراشد في البلدان الأفريقية. ومن الواضح أن الثلاثة وثلاثين درجة التي حصل عليها السودان هي بالتقريب مجموعة درجات في فئات الحكم الأربع مقسوماً على أربعة «وهذا محض اجتهاد، إذ أن النسبة المئوية التي يحصل عليها كل بلد تمر بسلسلة حسابية معقدة لا يمكنني استيعابها، ولكنني استخدمت الرقم كما هو موجود في المقال» ولكن المحير أن يحصل السودان على «49» نقطة في فئة التنمية البشرية، وهي الأعلى بين كل فئات الحكم الأربع الخاصة بالسودان، ولذلك أرجو أن نجد تفسيراً لذلك لأن مفهوم التنمية البشرية يُعرَّف كالتالي: Human Development Concept A process of enlarging people?s choices: to live along and healthy life, to be educated and to have access to resources needed for a decent standard of living. Human development changed the concept of development from only economic growth to expanding the choices people have to lead lives that they value. وباختصار فإن ترجمة السطور السابقة تعرف التنمية البشرية بأنها تختلف عن التنمية الاقتصادية، إذ تعطي المواطنين الحق في حياة صحية وعمر مديد من خلال التعليم والتمتع بالثروة والموارد اللازمة لإتاحة فرص العيش الكريم، فهل ينطبق هذا على السودان؟ وحسب تعريف مؤسسة مو إبراهيم الناشرة للدليل فإن الحكم: هو كل ما يشمله الحكم من وجهة نظر المواطن. كما نرى فإن التعريف عريض، ولكن ذلك تم بطريقة متعمدة كي يستوعب كل مظاهر ما يحق للمواطن أن يطالب به الدولة، وبالرغم من ذلك فإن الدليل يختصر مظاهر الحكم في الأبعاد الأربعة سالفة الذكر؟ إن ملخص آلية جمع البيانات الخاصة بالتقييم هو كما يلي: تجمع البيانات من «23» مؤسسة منفصلة، وتحول كل البيانات الخاصة لكل مؤشر بمنهج تطبيع الحد الأدنى والحد الأقصى، وبعد خصم الأول من الثاني تضرب القيمة الجديدة في مئة لتوضع في مدرج قياسي يمتد من صفر إلى مائة، حيث تكون مائة هي أفضل نتيجة ممكنة. ورغم أن طبيعة الحكم غير قابلة للرصد، إلا أن دليل إبراهيم هو قياس بالوكالة، وتنبع المصادر الرئيسية لعدم اليقين في حساب الدليل من البيانات المفقودة وأخطاء القياس، ويهتم دليل إبراهيم بإضافة مؤشرات جديدة سنوياً من أجل تقويم وتحسين الدليل، كما أن قاعدة البيانات تجدد كل عام. إن دليل إبراهيم هو التقييم الأفريقي الرائد في مجال الحكم، وغاية ما يهدف إليه هو توفير المعلومات لمواطني القارة، وتعزيز قدراتهم، ومساندة الحكومات والبرلمانات والمجتمع المدني في تقييم مدى التقدم المحرز في مجال الحكم الرشيد، وتمنح المؤسسة أيضاً جائزة إبراهيم للإنجاز في القيادة الأفريقية، وهي أكبر جائزة تمنح سنوياً في العالم، حيث تمنح المؤسسة خمسة ملايين دولار أمريكي لرئيس دولة أو حكومة سابق أظهر قيادة ممتازة خلال فترة حكمه، لماذا لا تعطى الجائزة لاسم القادة الأفارقة الذين مارسوا الحكم الرشيد إباَّن حياتهم وهم في الحكم. لقد حاولت في السطور السابقة تلخيص ما كتبه الأستاذ محمد الشيخ من وجهة نظر قارئ عادي، وأعترف بأن هذه أول مرة أقرأ فيها مثل هذا الشرح الوافي لدليل إبراهيم للحكم، بالرغم من أن معرفتي بدكتور محمد تعود إلى أربعة عقود سابقة أو يزيد، وأرأس «منظمة تنمية المجتمع المدني»، التي حددت رسالتها في تطوير وتنمية الموارد البشرية، وذلك من خلال تطبيق برامج تعليمية لمكافحة الجهل، وأخرى صحية لمكافحة المرض وخلق مواطن صحيح الجسم ومتعافٍ، وكذلك برامج اقتصادية لتنمية الريف وأطراف المدن الفقيرة حتى يتمتع المواطن بمستوى راقٍ للمعيشة، وذلك بزيادة دخله الشخصي، وتهدف أيضاً لمكافحة الجوع من خلال زراعة محاصيل تغطي الفجوة الغذائية وتمنع المجاعات. ومن ناحية أخرى أعتقد أن منظمة مو إبراهيم لا تستطيع أن تنفذ برنامج للتوعية بماهية الحكم الرشيد أو حقوق المواطن في قارة بأكملها بمفردها، ولذلك لا بد من أن تساندها مؤسسات المجتمع المدني الممثلة في الأحزاب والمنظمات الجماهيرية والطوعية وبيوت الخبرة، وكذلك كل المهتمين بالشأن العام، ليس في الدول العشر الأول فقط، بل في الدول الأخرى التي تستحق المساعدة فعلاً، حتى تنعم بمجتمع ديمقراطي وبمستوىً راقٍ للمعيشة. كذلك أعتقد أن من أخطاء ما يسمى بالربيع العربي.. أن هذه الهبات والثورات الجماهيرية قد تفجَّرت دون قيادة محددة وبدون تحديد البديل، ومن غير برامج واضحة لما بعد سقوط الأنظمة، مما مكن وسيمكن لقيادات جديدة دون خبرة، وذلك قد يسهل قيادتها بواسطة منظمات وأحزاب ذات أهداف لا صلة لها بهموم الجماهير، وكل همها تنفيذ مخططاتها للهيمنة والسيطرة على الحكم لتسخيره لتحقيق مآربها وأهدافها الخاصة، مما يؤدي إلى العودة بالبلاد من جديد إلى نوع آخر من الديكتاتوريات سيئة السمعة. إن مؤسسة مو إبراهيم لو أرادت أن تنشر الوعي بين جماهير القارة الأفريقية، فإنه يتحتم عليها نشر مثل هذه التقارير وتوزيعها مجاناً في كافة البلاد الأفريقية ما أمكن ذلك حين صدورها كل عام، وكذلك عقد الندوات والسمنارات وورش العمل بشكل دوري لمناقشة قضايا مثل: 1/ ما هي التنمية القائمة على الديمقراطية؟ وهل يمكن إحراز التقدم من دونها؟ 2/ ما هي المساهمات المطلوبة من المنظمات العالمية في تطوير مفاهيم الحكم الراشد وعلى وجه الخصوص مؤسسة مو إبراهيم. 3/ ما هي مؤشرات التنوع في المتغيرات الاقتصادية والتنمية البشرية وحكم القانون ... الخ. 4/ أية مواضيع أخرى ذات صلة. ملحوظة: تنشر هذه المقالة في صحيفتي «الصحافة» و «الاتحادي الأصل» متزامنة.