يدور هذه الايام ويحتدم جدال كثيف حول مذكرة إصلاحية مجهولة المصدر متعددة المخبر، قيل أن الفاً من منسوبي الحركة الإسلامية قد دفعوا بها إلى قياداتهم لا يبغون من ورائها شيئاً سوى الاصلاح وقد تراوح الجدال حول المذكرة بين ثلاثة مواقف متعارضة ومتقاطعة تماماً، موقف يؤكدها ويؤيدها وموقفان متشكك في وجودها وآخر متحفظ عليها، هذا الغموض الذي رافق ظهور المذكرة جعل الحديث حولها يبدو مثل الحديث عن الغول والعنقاء والخل الوفي، أو بالأحرى مثل الحديث الذي دار بين المسنوح وسائق التاكسي حين طلب منه هذا الأخير أن يتأكد له من الإشارة اليمين إذا كانت تعمل أو لا تعمل، أخرج المسنوح رأسه من الشباك ثم بدأ يردد «شغالة لا ما شغالة، شغالة لا ما شغالة، شغالة لا ما شغالة» طبعاً الاشارة بحسب طبيعتها «تولع وتطفي»، وبالطبع فان طبيعة الأحوال في هذا البلد وصلت حداً أحوجها لثورة حقيقية وليست مجرد مذكرة، ولهذا يبقى عندنا أي حديث عن وجود مذكرة أو عدم وجودها في وجود حاجة حقيقية للتغيير أشبه باللعبة التي تجلب للطفل ليتلهى بها ويكف عن الصراخ، وقد ذكرني الجدال حول المذكرة الغامضة التي لم يتضح أمرها بعد وهل هي حقيقية أم مصنوعة بذاك الحوار الذي دار بين اثنين من المسانيح المواهيم المهوّمين، إذ كيف تدير حواراً حول شيء مجهول وغامض معنىً ومبنىً ومصدر... قال المسنوح الأول يخاطب رفيقه: الله ياخي النيمة دي عاملة زي الشجرة ضلها بارد وصفقها أخدر... قال الثاني: إنت في النيمة ولا الواطة دي حيرتني ياخ، ليه بالليل الدنيا بتكون ليل وبالنهار نهارية... الأول: أظن لأنو في الليل الشمس بتكون لسع ما بقت قمر عشان كدا رمضان بعرفوه بالهلال... الثاني: بمناسبة الهلال دا أمبارح إنتو كان عندكم عزاء... الأول: أمبارح أنا ما كنت في البيت، لاكين بتسأل ليه... الثاني: لا بس عشان شفتا لي صيوان جنب بيتكم وسامع المرحوم سيد خليفة بغني في التلفزيون... الأول: لا دا بكون عزاء في التلفزيون... الثاني: أسمعني أنا عازمك عشا يوم الاتنين بعد صلاة الجمعة في بيتكم... الأول: هو لاكين يوم الاتنين في صلاة جمعة... وهكذا يمضي هذا الحوار العبثي الذي ليس له معنى ولا يوصل إلى أي مبتغى، ونظن أن المذكرة الغامضة المجهولة مثل ذلك أو أنها تماثل النكتة التي تحكي عن رجل يائس صعد أعلى إحدى قباب الصالحين مهدداً بالانتحار وفشلت كل المحاولات في إقناعه بالنزول وبينما الناس بين حائر ومشفق مرّ عليهم أحد المسانيح فأطلعوه على الأمر، طلب إبرة فأتوه بها، رفعها عالياً مخاطباً الرجل المتشبث بأعلى القبة «تنزل ولا أنفسها» فنزل الرجل...