يعتقد البعض من الساسة والمراقبين والمثقفين وكثير من الشباب وبالاخص المنضوين تحت الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني وطلبة الجامعات، ان الصراع الحقيقي في السودان هو صراع اجيال، وما قد يؤشر لذلك بشدة ما هو جارٍ الآن بحزب الامة من تصاعد لوتيرة الخلافات بين شباب الحزب وقياداته التاريخية، خاصة في ما يتعلق بالنظر الى وضع الحزب السياسي، ومواقفه تجاه الراهن السياسي الذي يصفه كثير من المراقبين بالمعقد والخطير ان لم يتم استشراف افق للحلول. ويرمي هؤلاء باللوم على ما اصطلح على تسميته ب(جيل اكتوبر) الذي ظل يتسنم القيادة في البلاد لاكثر من اربعة عقود فيما آلت اليه اوضاع البلاد الحالية. وهذا ما يبدو واضحا لدرجة ما بداخل حزب الامة والتململ الشبابي بداخله، وغيره من الاحزاب التقليدية خاصة في الفترة الاخيرة، بعد مشاركة نجل الامام الصادق المهدي في حكومة يقودها المؤتمر الوطني مساعدا لرئيس الجمهورية، وفصل عديد من الشباب من الحزب كانوا قد طالبوا بفصل العقيد عبد الرحمن الصادق نهائيا من الحزب، واتهامهم لامانة الحزب بالسير في خط مهادنة النظام وهو عكس ما يلبي اشواقهم التي اعلنوها لاسقاط نظام الرئيس عمر البشير، وعطفا على حديث زعيم الحزب، الامام الصادق المهدي، الذي كان قد اختار ذكرى تحرير الخرطوم من قبضة الاتراك (العام الماضي)، لاطلاق خياراته المحددة، غير متناس تحديد موقف عنيف ضد نظام المؤتمر الوطني، او الاستقالة السياسية كما اكد المهدي حينها. غير ان هذا الموقف الذي حدده المهدي لم ينزل الى ارض الواقع، في ظل خيار (الاجندة الوطنية) الذي لا يزال مستمسكا بهديه على ما يبدو، وهذا ما آل بالاوضاع من ناحية اخرى داخل حزبه، الى مربع تفجرت واختلطت فيه الاوراق، خاصة بعد مخاطبة المهدي لملتقى شباب حزب الامة اخيرا واعتباره ان هذا الجيل منكوب بمشكلات كبيرة، ليعقب ذلك اعلان مئات من شباب حزب الامة في اجتماع حاشد بدار الحزب تكوين جسم مواز داخل الحزب للدعوة لاسقاط النظام، ومناهضة الامانة العامة للحزب وعدم الاعتراف بمؤتمر الشباب الاخير، وتجميع الشباب لاجراء اصلاحات بداخل الحزب في تصريح ل(الصحافة) كانوا قد قالوا به الاربعاء الماضي. كل هذه الاوضاع الداخلية بحزب الامة وموقف الشباب المتقاطع مع القيادة وامانة الحزب بشأن المواقف السياسية للحزب تجاه الوضع السياسي الراهن وموقف الحزب من ذلك، تشير -بحسب مراقبين- الى ان هنالك خلافات حادة تمور بداخل الحزب (الاستقلالي) تتعلق بالمؤسسية والخط السياسي للحزب، «موقفه من المعارضة والحكومة»، في ظل موقف قيادي مهادن للحكومة وموقف شبابي متشدد تجاهها، وهو ما قد يفتح مزيدا من الخلافات والتشققات والتصدعات بالحزب العريق كما يقولون. ويبدأ قيادي شاب بحزب الامة طلب عدم ذكر اسمه رده على ما يجري بداخل حزبهم والخلافات التي تضربه، بملتقى الشباب، والذي قال عنه انه» ملتقى للتوصيات وليس للقرارات» وكون ان الملتقي صدرت منه قرارات فهو امر لا يلزم بالاعتراف بها، واعتبر الملتقى محاولة للالتفاف على حقوقهم، واضاف انهم تقدموا بطعن دستوري ضد الاجراءات التي اتخذت في اعقاب الملتقى، والتي اسفرت عن تكوين 4 قطاعات للشباب، تم اختيارهم من ولايات شتى، وقال ان ذلك نابع من اصرار لتكوين جسم شبابي للولايات القصد منه ضرب حراكهم كما يقول، واختيار مساعد امين عام للشباب. ومضى القيادي الشاب الذي طلب عدم ذكر اسمه-، الى ان تيارهم يمثل مجموعة ضغط داخل حزب الامة وانهم متمسكون بحزبهم، وان عملهم يأتي في اطار عملية التحديث المستمرة داخل الحزب، وحركة تجديد القيادات، وانهم بصدد تكوين تيار شبابي عريض داخل الحزب، في رهان على عدالة قضيتهم كما يقول، ويتساءل القيادي الشاب.. لماذا استقال الصديق الصادق المهدي؟، وزاد انهم سيمضون في صراعهم الى ان تتحقق غاياتهم الى حد ايصالها الى الهيئة المركزية للحزب، التي قال ان جماهير الحزب تؤيدها، وهي تحديد موقف واضح من نظام المؤتمر الوطني، وزاد انهم قاموا بتقديم خطابات رسمية لكل مؤسسات الحزب المكتب السياسي والامانة العامة، فضلا عن مذكرة لرئيس الحزب، وان رسالتهم واضحة له بان يتصدى لمسؤولياته. غير ان الناطق الرسمي باسم حزب الامة، ياسر جلال، يرى بان ما يجرى في حزب الامة هو ما قد رسمته المؤسسات، وان هناك اطرا تحدد العلاقة التنظيمية داخل الحزب، وقال في حديثه ل(الصحافة)، ان ما يقوم به الشباب المعنيون داخل حزب الامة، من نقل مواضيع تنظيمية محل مناقشتها داخل المؤسسة الى صفحات الصحف، لا يمكن ان يكون عملا مؤسسيا، وان كانت هناك اي اعتراضات فيجب ان تكون وفقا لعمل المؤسسات، ورفض ما يسميه البعض خط الامانة العامة، واضاف ان المؤتمر الوطني وعبر تاريخ طويل حاول ان يشتت جهود الحزب، ويقود عملا تخريبيا تجاهه واذا ما مضى هؤلاء الشباب في ذات الطريق فانه لابد ان تكون من ورائهم اجندات وبالضرورة من ورائها المؤتمر الوطني، الا انه استطرد ان حزبه ماض لغاياته الوطنية والسياسية، وقال ان اي عمل او جسم يكون هدفه ان يشكل تيارا موازيا للحزب عمل مرفوض وغير مرحب به، وان التنظيم سيتخذ بحقهم اجراءات وفقا للقوانين واللوائح التي تلي الحزب، ونصح الناطق الرسمي باسم الحزب هؤلاء الشباب، ان كانت لهم اعتراضات او خلافها من الاشياء فمكانها الحزب وليس صفحات الصحف على حد قوله، واضاف ان اعتراضاتهم حول الملتقى غير مبررة لجهة ان هذه العملية تمت وفقا للاطر التنظيمية، وان هؤلاء الشباب اتوا بخطابات رسمية من رؤساء احزابهم في الولايات وكان من حق الامين العام دستوريا ان يقوم بتسمية مساعد من الشباب، لكنه وسع العملية لضمان اشراك قدر كبير من الشباب، وهذا ما ارادوا ان يضيقوه، وقال ان الفرصة متاحة لهؤلاء الشباب للعمل مع مساعد الامين العام لامانة الشباب وفقا للمؤسسية، وان من شأن اي ملتقى ان يصدر توصيات وقرارات . ويرسم المحلل السياسي والاستاذ الجامعي، البروفيسور صلاح الدين الدومة، مشهدا مغايرا لما قال به الناطق الرسمي باسم حزب الامة، ياسر جلال، ويقول في حديثه ل(الصحافة)، ان قيادة حزب الامة بدأت تبحث عن مصالحها الذاتية، في وتيرة متسارعة، واضاف ان الشباب شعروا بوطأة الظروف الاقتصادية، وبدأوا في التفكير عن مخرج للذات ناهيك عن الوطن، بعدما تم تعيين الحسيبين النسيبين عبد الرحمن الصادق وجعفر الميرغني مساعدين لرئيس الجمهورية على حد قوله، وان الحزب اراد ان يلتف على الملتقى ويخرجه من محتواه، بعدما احس بخطورة حراك الشباب، وقال ان الحزب ليس باستطاعته لجم هذا الحراك الشبابي، الذي يشكل الوجه الآخر للملل الجماهيري من قيادة الحزب التي يشعر بانها تفرض نفسها عليه. وهذا امر مؤسف لحزب يملك من المكانة والتاريخ كما يقول المحلل السياسي. ويحفظ التاريخ للحزب كثيرا من هذه المواقف الشبابية، وان كان ابرزها الحراك الذي قاده الامام الصادق المهدي في عقد الستينيات من القرن الماضي، ضد قيادات الحزب حينها، وليس آخرها انشقاق مبارك الفاضل في مطلع الالفية الجديدة، وهو ما قد يشي بأن الحزب قد يواجه عقبات جديدة تهدد استقراره ومستقبله السياسي مالم يتم حسم كل جدالات الحزب المتفاقمة يوما بعد يوم، حتى يتماسك الحزب العريق لاجل تحقيق غاياته وبرامجه لخدمة اهدافه السياسية والوطنية.