العوامل التي شكلت مجموعات هذا الفن، ثلاثة: دخول العرب السودان بمذهبهم وثقافتهم وعاداتهم، الحضارة السودانية القديمة «ق.م»، السلطنة الزرقاء واهتمامها بتكوين هيكل الحكومة، الجيش، المال، الثقافة.. تحالف عمارة دنقس وعبد الله جماع، كان نواة وبذرة الهوية السودانية.. «أمة مسلمة، عربية زنجية». حركة مهيرة والملك نمر هما المحاولة الاولى الجادة للحفاظ على الهوية القبلية.. السودانية الصميمة. انتفاضة السيد محمد أحمد المهدي واتباعه ونضال السيد اسماعيل الأزهري ورفاقه من الجنود والمدنيين، كانت الدعوة لتحرير الوطن «السودان» من براثن الدخيل وبسط السلطة السودانية يخططها الشعب ويقوم بتنفيذها كذلك. كل هذه الحقب كان السودان فيها يتمتع بشتى ألوان الفنون.. يؤلفها، يؤديها ويعرضها دون خلط اية فنون وافدة.. كانت فنونا سودانية «أصيلة».. الامثال، الاحاجي، الالغاز، اعمال الخزف، البُرمة، الكنتوش، التيبار، الزي: العراقي، الفردة، الشقيّانة.. السلاح: السيف، الخنجر، العكاز، السوط.. الطعام: الكسرة، العصيدة، الآنجيرة، السنسن، الخُدرة، ام شعيفة، الكُشْنة. بعد 1898م، دخل السودان في مرحلة ما طلبته «الهيولا» من الخالق.. اصبح السودان قطرا من اقطار القارة المعروفة... محدد الحدود والاطراف .. تموج بداخله قبائل مشهود لها بالوحدة، والتجانس والعمل والانتاج.. إلا أن المستعمر كان يبذر بذور الخلاف والشقاق والتفرقة.. وأهمل التعليم لأنه كان يعلم أن التعليم هو مفتاح الحياة وبساط السلام والديمقراطية والوحدة والعزة والكرامة. عقب 1956م، ظهر السودان على وجه الحياة، رفع علمه ودخل أروقة الاممالمتحدة وجامعة الدول العربية. وبدأ السودان يمارس الحياة المتحضرة، المتمدنة، فتح ابواب المدارس على مصاريعها ليعلم ابناءه.. نبغ ابناؤه وتحصلوا على درجات عليا في مناهج التعليم المختلفة، نبغوا في الطب، الهندسة، الزراعة، الفنون والآداب. لمع في سماء السودان عدد ضخم من الشعراء الذين نظموا الشعر العربي القصة .. «البنا، التيجاني، العباسي، ابو طراف، عبد الرحمن شوقي، احمد محمد صالح، كرف، مصطفى طيب الاسماء، عبد النبي، عبد القادر مرسال، محمد محمد علي، عبد الله الشيخ البشير، عبد الله الطيب، الهادي العمرابي والهادي آدم ... إلخ».. وسطع في سماء السودان شعراء الشعر الشعبي: «الحاردلو، الصادق ود آمنة، ود عب شبيش، احمد عوض الكريم، عكير الدامر، شعراء بادية الكبابيش.. شعراء «الحقيبة» - العبادي، ود الرضي، ابو صلاح، الأمي، علي المساح ...الخ شعراء المديح: أحمد ود سعد، حاج الماحي، الدقوني، ود حليب، قدورة، .. الخ .. ومن الفنون التي مارسها هذا الشعب التمثيل على خشبة المسرح.. عندما جاء به بابكر بدري من مصر.. ونشط إبَّان الحركة الوطنية.. «تاجوج، بامسيكا، موسى ود جلي، ود كين، سعاد، ومن الذين عشقوه واهتموا به، خالد ابو الروس، الطيب حسن، السراج، د. عبد الله الطيب د. أحمد الطيب احمد - حمدنا عبد القادر، الفاضل سعيد والاستاذ الفكي عبد الرحمن، مكي سنادة ...الخ». وللسودان باع طويل في كتابة فن القصة القصيرة والرواية التي مارسها معاوية نور، محمد احمد محجوب، الطيب عبد الحليم محمد، عثمان علي نور، ابو بكر خالد مضوي، عبد الله حامد الامين، عبد القادر، بدوي خليل، محمود محمد مدني، بشير الطيب، مبارك الصادق، ابراهيم اساحق، «صلاح احمد ابراهيم + علي المك» .. أحمد الفضل أحمد، عيسى الحلو وعثمان الحوري. ويطول باع السودانيين في نظم الشعر الحديث.. وشعر التفعيلة.. وقد عكف على نظم هذا اللون من الشعر مؤسسو مدرسة الغابة والصحراء، ونبغ منهم محمد المكي ابراهيم، يوسف عايدابي، محمد عبد الحي، والنور عثمان ابكر من شعراء العامية محجوب شريف، عمر الدوش، القدال، الفرجوني، ثم شعراء التفعيلة «جيلي عبد الرحمن، محيي الدين فارس، تاج السر الحسن، ...الخ» .. أما الرواية «بالمفهوم الحديث» فقد تناولها «العبقري» الطيب صالح، «عبقري الرواية العربية» ملكة الدار، عبدالعزيز بركة ساكن، امير تاج السر، زينب بليل، ليلى ابو العلا. والكمية التي يرفدها المغنون السودانيون من الغناء والموسيقى كمية «هَبَل» - اغانٍ تعتبر على وتيرة واحدة .. ما خرجت من السلم الخماسي، ولا تشعر بتجديد في النوتة الموسيقية الا من اعمال الفنان العاقب محمد حسن، عثمان حسين وعبد الكريم الكابلي، ولكل مسبباته. فالعاقب نال حظا وافرا من دراسة الموسيقى، وعثمان حسين اجهد واعمل حسه الموسيقي والفني فجاد بهذا الزخم الفني الراقي، اما الاستاذ عبد الكريم الكابلي، فهو فنان مطبوع، ألم بالفن الشعبي السوداني الموغل في البداوة والطلاوة.. وطوّع الألحان السودانية «الخام» وهذبها ومزجها مع الألحان الحديثة التي تبثها الآلات باختلاف مسمياتها. وظهرت في هذه السنين اغاني البنات، وما جاءت بجديد كألحان، فاطمة خميس ام الحسن الشايقية، فاطمة الحاج، عائشة الفلاتية، ومنى الخير... وغناء البنات اليوم مع انه ظاهرة مجبذة الا انه غثاء كغثاء السيل ، سيذهب جفاءً بعد قليل، ومغنية اليوم من البنات لا ترجع الى التراث في اعمالها الموسيقية، وإن رجعت، ترجع الى اغاني الحقيبة، تعيدها او تقتبس منها. والرسم او التشكيل مما عرفه السودان منذ بدء الخليقة، وخلّف لنا انساننا الاول اعمالا رائعة، رسمها او نحتها على جدران كهوفه، وترك لنا اواني باقية حتى الآن من الفخار والعظام والحديد. وتدرج السودانيون في إبداعاتهم الفنية، واهتموا بأشغال الابرة والاعمال اليدوية، «Hand Craft» كصناعة الفخار، ونجارة القداحة والقلاي وآلات الزراعة والحش، البروش والتباريق، السروج، المخالي، والأحذية الجلدية، «الجنينة، الفاشري، الشقيانة»، ثم ولجوا أبواب الرسم والخط وكان يدرس في كلية غردون «لطلبة العرفاء»، ثم فتحت كلية الفنون الجيملة ضمن كليات المعهد الفني «K.T.I» وأجاد هذا النوع من الإبداع الفني عبد الرازق عبد الغفار، زكي الحاج، شوقي، أبارو، بسطاوي بغدادي، مبارك محمد سعيد، موسى عبد الغفار مبارك بلال، ابراهيم الصلحي، د. عثمان وقيع الله، شبرين، احمد عبد العال، د. عمر درمة، د. عبده عثمان، عبد العزيز الطيب، راشد دياب، عبد الرحمن نور الدين، نائلة الطيب طه... إلخ. وسافرت لوحاتهم واقتنتها متاحف اوربا وامريكا، ونجد اعمالا فنية لعثمان وقيع الله، ابراهيم الصلحي، ود. موسى الخليفة وغيرهم كثر، تزين جيد متاحف الشرق والغرب. النقد والتبصير والتحليل فن أدبي راق، مارسه ويمارسه عدد لا بأس به من السودانيين، مارسه معاوية نور، الأمين علي مدني، طمبل، التيجاني يوسف بشير، عمر حاج موسى، عبد الله عبد الرحمن، عز الدين الأمين، د. أحمد الطيب احمد ، محيي الدين محمد، محمد محمد علي، علي الملك، عبد القدوس الخاتم، مجذوب عيدروس، د. أحمد الصادق أحمد، د. مصطفى الصاوي، عز الدين ميرغني، عامر محمد أحمد حسين ...الخ ومن الفنون الراقية المطمورة في باطن الأرض، ونرجو لها الاكتشاف، الآثار، فقد تركت لنا شعوبنا السالفة كنوزا من الآثار، «من أرقى آثار العالم»، في منطقة حلفا القديمة وبراري دنقلا وجنبات جبل البركل وآثار مروي الحديثة والقديمة والمصورات، والنقعة والبجراوية، ثم حضارة الشهناب ومخلفات إنسان سنجة، وآثار السلطنة الزرقاء وبقايا حضارة العنج في سوبا وكترانج وألتي والبشاقرة والعيدج وبرنكو وعد الشيخ جماع والهلالية ورفاعة واربجي ودلوت ومدني والسوريبا، ناهيك عن قباب ود زايد، وديار تاجوج وتوتيل والتاكا والدندر ثم آثار السواكنية في اقليم البحر الاحمر ومخلفات الشناوي، اما اذا اتجهت صوب الغرب فلا شك أنك تعجب بآثار «بارا، خرسي، أليس، شيكان، جبل قدير، جبل مرة قصر علي دينار، ومخلفات المهدية في بيت الخليفة والطابية والبوابة» وغيرها.. وإذا رعت الدولة هذا الكم الهائل من الآثار فإنها تكون قد حفظت تراث هذه الامة وسيجلب لها هذا التراث اموالا طائلة عندما يجيء السياح لرؤيتها. وعلى البروفيسور سيد حامد حريز وأمثاله الاهتمام بهذا الكنز ونبشه وعرضه ورعايته.. وهذا الكم الهائل من الفن والابداع دلالة واضحة على ان السودان بلد الفن والجمال.. وانه واحة واسعة ذات جمال خلاب ونسيم منعش، وإننا نفتخر بهذه البيئة ونعتز بها، فهي التي فجَّرت فينا شتى أنواع الإبداع والفن الأصيل الراقي الذي ينافس فنون الآخرين. ولذلك أرى أن على وزارة الثقافة والفنون والآداب دور مهم يحتم عليها الواقع الفني المعاش أن تلعبه، وهو الحفاظ على هذا الارث الفني والازلي حتى لا يضيع ويتسرب كما تتسرب الماء بين فروج الاصابع، وعليها ايضا رعاية قبلية الشعراء والكتاب والمؤلفين والمغنين، وأن تأخذ بيد كل مبدع سوداني في اي مجال من مجالات الفن، وتدعمه ماديا ومعنويا، وتأخذ انتاجه وتطبعه وتقدمه للمنتديات الأدبية والمكتبات ولا سيما مكتبات الجامعات المبثوثة في بقاع القطر الواسع، ثم تعرضه على العالم بثقة واطمئنان. والدولة التي ترعى أدباءها وفنانيها، دولة تحافظ على هويتها وكينونتها، دولة تسعى بخطى حثيثة نحو الشمس لا لتأخذ مكانا لها وإنما لتنافس الآخرين، ونحن والحمد الله نمتلك مقومات المنافسة، وقد شهد بذلك المثقفون العرب وغيرهم. وبلادنا غنية بضروب الفن والأدب.. وهي ترقد على كنز أدبي ثمين.. لكننا نحتاج لليد الواعية والحاذقة والواثقة من اداء عملها، لكي تنبش هذا الكنز وتنفض عنه الغبار الذي ران على سطحه سنين عديدة.. ومما يفرح الإنسان السوداني أن الدولة أنشأت وزارات ثقافية في جميع الولايات.. فلتعلم هذه الوزارات أن هذه الولايات، تزخر بالعديد من انواع الفنون التي تحتاج الى غربلة وصقل وتلميع حتى نقدمها للمنتديات والمعارض والمتاحف.. فلوزارات الثقافة المبثوثة عبر هذا القطر المترامي الاطراف دور عظيم عليها ان تلعبه. وهذا القطر موعود بنهضة أدبية ثقافية فنية، إذا احسن استغلالها حتما سنكون دولة ذات شأن وقبلة للسياح وطالبي المعرفة الذين يحبون مشاهدة الآداب والفنون السودانية الراقية. والأخذ بيد المبدع السوداني واجب، ويتحتم على الدولة إلقاء عين الاهتمام عليه.