على واحد من جدران البيت كانت هناك لوحة عتيقة كتب عليها بخط فارسي جميل عبارة تنطق بالحكمة وتضج بالجمال تقول «الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك»، ظلت تقاوم مدة طويلا ثم توارت اللوحة وبقيت الحكمة الرائعة محفوظة في أذهان الناس وجارية على كل لسان، بيد أن الأمر المحير هو مدى فهمنا لهذه العبارة، وهل انتصر الزمن وقطعنا الوقت بسيفه الصارم؟ أم ترانا نبحث عن سيف صقيل نأخذه بحقه كما فعل الصحابي الجليل «أبو دجانة» ونقطع به الزمن الذي يفوقنا سرعة وعدوا. لا تكاد تجد شخصاً إلا وحدثك عن مشغولياته وشكا لك مُر الشكوى من ضيق الوقت وانعدام الزمن، وتستمر مناحة البكاء على أطلال الساعات والدقائق تتمدد طولاً وعرضاً حتى يمضي أسبوع كامل لا نحس به ولا نحس بسرعته، ونحن نندب حظنا العاثر ووقتنا الثمين المهدر، بل ذهبنا لنصف عصرنا بأنه عصر السرعة دون أن نتبين موطن السرعة المقصودة، هل هي في جريان عقارب الساعة وذهاب الوقت هكذا ضربة لازب، أم عصر السرعة من حيث سرعة الإيقاع في العمل والاتصال والانجاز والإعداد من حيث توفر الأسباب وسهولة الوصول لكل شيء حين صار كل مطلوب متاحاً، وتقارب العالم من كل النواحي. واستطاعت عقول كثيرة أن تطوع التقانة لمصلحة البشرية وفائدتها على كل الأصعدة والمجالات. كثير من الوقت يضيع سدى ويذهب هدرا في أعمال فارغة وأمور هامشية وأشياء لا تسمن ولا تغني من جوع، دون أن ننتبه لها، حتى إذا رجعنا لأنفسنا وحسبنا وقتنا وجدناه قد مر مرور الكرام، واتكأنا على وسادة الإيقاع السريع والعصر العجيب. ولعل الغريب في الأمر أن ديننا الحنيف أوصانا بالوقت والزمن والعصر وصية تكاد تجعل المؤمن يرتجف حين يعلم أن أول مساءلة تقابله وهو يدخل العالم الآخر، هي مساءلة عن الوقت كيف مضى وفيم تم استغلاله، وأن العالم أجمع قد اتفق على مبادئ وقوانين تنظم وقت العمل ودواماته والعطلات والراحات، ليكون هناك فاصل شديد الوضوح بين الوقت الخاص ووقت العمل والجد والإنتاج. كثيرون هم الذين فهموا هذه المعادلة واستطاعوا ترويض وقتهم وترتيب زمنهم في براعة متناهية وذكاء يحسدون عليه، لدرجة تجعلك لا تصدق أن هؤلاء الناس قد أنجزوا كل هذه المهام والانجازات والأعمال في عمرهم القصير ورحلتهم المحدودة، فإذا ما أخذنا على سبيل المثال شخصاً واحداً من العباقرة وصناع المجد والحضارة الذين أسهموا في التطور والارتقاء الفكري والثقافي والمعرفي، رغم مرور الوقت وتعاقب القرون على انجازاتهم وعظمة ما قدموا في عمرهم القصير ووقتهم المحدود، فإن ذلك فقط يدل على مدى ما نهدر نحن ونضيع من العمر، وفي نفس اللحظة نشكو إلى الله والله يسمع تحاورنا حول عدم الوقت الذي حال حتى دون صلات الأرحام وتفقد الجيران، بل حال دون إنهاء الكثير من المهام العاجلة التي وضعناها على منضدة الانتظار الطويل على طريقة بيت الشعر الذائع «فإن يك صدر هذا اليوم ولى فإن غدا« لناظره قريب»، وتتوالى الأيام في انتظار الغد البعيد. والأذكياء فقط هم الذين لا تقنعهم النظريات الجوفاء ولا يخضعون سريعاً لكل نظرية دون دراستها والتأكد من جدواها وجودتها، ولهذا فإنك ترى كثيراً ممن حولك استطاع أن يستفيد من وقته الإضافي في أعمال كثيرة ومهارات جديدة وأشياء متفرقة، كلها تصب في خانة الاستفادة من الوقت وعدم ترك اللحظات تمر بمزاجها. ولعل هذا نفسه هو الفهم العميق لكون عصرنا هو عصر السرعة، فعجلة التطور أتاحت الكثير، وجعلت ميدان المعرفة والإنتاج والعمل متاحاً في كل زمان ومكان، مما يجعل نظرية الاستسلام للوقت والارتهان له نظرية عديمة الجدوى، ويجعل «عصر السرعة» هو سرعة التسابق في كل ميدان. ودونك الزمن إما أن تقطعه أو فالسيف على الرقاب. إعلامي مقيم بالرياض